هكذا يبدو الاحتلال والأبرتهايد والاستيطان مفردات تحتمل التأويل!

درور ايتكس، الباحث في سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، وجه انتقاداً شديداً على العاد موفشوفيتس، المستوطن في البؤرة الاستيطانية متسبيه يئير المجاورة لمستوطنة سوسيا (“هآرتس”، 7/10) على المنصة التي حصل عليها في موقع “هآرتس” قبل أسبوع من ذلك. استعرض ايتكس تاريخ سيطرة عائلة موفشوفيتس على أراض فلسطينية. وشرح كيف أن إعطاء منبر لأشخاص مثله يساعد في تطبيع سرقة الممتلكات الفلسطينية لصالح مشروع الاستيطان. رد موفشوفيتس (17/10) كان لائحة دفاع ممتعة، ويبدو أنها الأولى من نوعها، عن مشروع الاحتلال والاستيطان. وهو نص غني يستحق وصفه بـ “نص استيطاني ما بعد قومي”.

لا يقتصر مقال موفشوفيتس على خلوه من أي نبرة أيديولوجية وطنية متطرفة – دينية، بل حتى كلمة “يهودي” لا تظهر فيه ولو لمرة واحدة. إن ملكيته على الأرض الفلسطينية المسلوبة لا يبررها عن طريق “حق تاريخي” أو “وعد إلهي”، بل بمساعدة قرار قضاة المحكمة العليا. هذه هي المحكمة العليا نفسها التي يشن ضدها كلاب الحراسة المخلصين لمشروع الاستيطان حرباً لا هوادة فيها، اييلت شكيد وياريف لفين.

موفشوفيتس يحتج على ما يعتبره نزع الإنسانية عنه وعن مستوطني الضفة الغربية بشكل عام، الذي يقوده كما يبدو ايتكس ومن يعارضون الاحتلال، ويطلب أن يتم اعتبار المستوطنين أبناء بشر معياريين لا يختلفون عن الإسرائيليين الآخرين سوى بحقيقة أنهم اختاروا أن يؤسسوا بيتهم خلف الخط الأخضر. وإذا لم يكن ذلك كافياً، وجه موفشوفيتس القراء إلى خطاب دافيد غروسمان، في نهاية مقاله، في احتفال تسلم جائزة التسامح في برلين قبل سنة تقريباً، الذي طلب فيه غروسمان أن تتم رؤية وضع الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين بأعيننا “القومية” نحن الإسرائيليين، وفي عيون أعدائنا. أريد القول بأنه لو كنت مستوطناً، عفواً، ساكناً، في سوسيا، لكنت مستعداً للتوقيع على أقوال هذا المفكر الذي يؤيده اليسار، وأن أرى في عدونا الفلسطيني إنساناً مثلي، ليتفضل ايتكس ويقبلني كما أنا، رغم الفوارق في مواقفنا بشأن “مسألة الاستيطان في يهودا والسامرة، والثمن أو الفائدة من ذلك بالنسبة للفلسطينيين”. هكذا يمكن لايتكس المستوطن والفلسطيني من يطا أن يتطلعا معاً إلى خلق مجتمع إنساني أفضل.

لا يوجد في نص موفشوفيتس أي نذر قليل من المسيحانية السموتريتشية التي تثير القشعريرة لدى علمانيين من الوسط – يسار. بالعكس، النص مليء بالبلاغة العالمية تقريباً، بما في ذلك مفاهيم القاموس التعددي الليبرالي مثل “التسامح”، “الآخر” و”المختلف”، العزيزة على قلوب اليسار. هذا ليس صدفة. عشية عملية الضم المحتملة للضفة الغربية نشهد هنا ولادة حوار استيطاني مرن، يتوجه إلى نفس اليساريين الذين يئسوا، وربما تنازلوا، عن حل الدولتين. ويقترح عليهم بغمزة ليبرالية إنسانية ما أن يعقدوا حلفاً مع المستوطنين في الطريق إلى تشكيل حكومة واحدة على جانبي الخط الأخضر.

المقال القصير لموفشوفيتس يقدم قوة للطريقة التي يمكن أن يتم فيها حوار التطبيع للهيمنة اليهودية في دولة الأبرتهايد التي يغذي إليها الخطى موفشوفيتسيين وسموتريتشيين على حد سواء. وإليكم عدداً من العناصر لهذا الحوار الأورويلي (نسبة لجورج أورويل): جميعنا، قبل أي شيء، بشر، دون تمييز في العرق والقومية، ودون تمييز في حقوق المواطن (التي توجد لليهود ولا توجد للفلسطينيين). من الممكن والشرعي مناقشة مسألة التفوق اليهودي و”الثمن أو الفائدة المرتبطة بها فيما يتعلق بالسكان الفلسطينيين”. ولكنها تمنعنا من معارضة هذا الواقع أو الاحتجاج عليه. لأن المعارضة تعني كراهية “الآخرين المختلفين” (المستوطنين)، وعدم التسامح مع موقفهم المشروع (المؤيد لدولة واحدة بين البحر والنهر لسادة اليهود والعبيد الفلسطينيين).

“الإنسانية” الاستيطانية بأسلوب موفشوفيتس التي من شأنها أن تجذب قلوب بعض اليساريين اليائسين بنغمتها ما بعد القومية وما بعد الحداثة، هي أخطر بكثير من الفاشية الصريحة لبتسلئيل سموتريتش. لذلك، من المعتاد مواجهتها في المهد. لهذا، يجب أن يعاد النقاش إلى الصعيد القومي الذي يهرب منه موفشوفيتس إلى أماكن عالمية كما يبدو. يجب الوقوف أمام الموفشوفيتسيين والإعلان بصورة قاطعة وحاسمة بأن المعركة الأخلاقية والاجتماعية ضد مشروع الاحتلال والاستيطان لم تعد خلافاً بين معتقدات ومواقف مختلفة في مجتمع متعدد موهوم، بل هي في المقام الأول صراع قومي غير متهاون على صورة ومستقبل الشعب اليهودي ودولة إسرائيل.

في الجهة الأخرى للمتراس يقف الذين يرون بعيونهم مستقبل شعب إسرائيل كشعب حاكم يستعبد شعباً آخر.. يرون ولا يرتدعون. وفي الجهة الأخرى يقف الذين يرون في الاضطهاد المدني والاستعباد القومي للفلسطينيين عاراً على الشعب اليهودي، وسحق ماضيه كشعب مضطهد ومقموع، والأهم من ذلك، خطر حقيقي على استمرار وجوده مستقبلاً.

أجل، فهذا الشعب الذي يضطهد ويستعبد شعباً آخر ويسلب ممتلكاته وأرضه، لا يوجد له مستقبل في أسرة الشعوب. ولكن بسبب ذلك، ورغم اليأس الكبير السائد في معسكر السلام والمساواة في السنة الـ 53 للاحتلال، فلا يوجد على المدى البعيد لرعايا مشروع الاحتلال والاستيطان احتمال حقيقي للتغلب على معارضيه. بالإجمال، الشعب اليهودي شعب يتوق للحياة، لذلك، أجلاً أم عاجلاً، فإن دافع وجوده القومي سيفتح عيونه ويأمره بأن يتخلى عن ضياعه في طريق الاحتلال. الآن، من أجل أن يحدث ذلك آجلاً أم عاجلاً، يجب ألا يتم خداعنا ونسير وراء النزعة الكاذبة للعولمة الزائفة الموفشوفيتسية، ويجب عدم طمس الطبيعة الوطنية الوجودية للنضال ضد الاحتلال.

شاهد أيضاً

300الف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،