إياك ألا تذكر إلا ألم الالتواء …

لو أن شخصا زار شخصا آخر في بيته. فرحب به وهو غير آبه به استقبله بابتسامات وهو يصعر خده. فدخل البيت بتكبر وعجرفة دون سلام ولا كلام!!

اتجه مباشرة إلى صدر البيت وجلس واضعا رجلا على رجل،
والمضيف يتمالك نفسه في إظهار غضبه إلا أنه يغطيه بجمال ابتساماته وفرحه وكرمه وحيائه…رغم أنه لم يكن له عليه من قبل إلا كل خير وإحسان وإكرام ولم يؤذه في شيء قط…

يحدثه حديث المستعلي، وينظر إليه نظر غير المعترف…
ويبادله المضيف بحديث المحب وينظر إليه بنظرات المهتم…

هم فور دخوله إلى غرفة الاستقبال إلى إحضار ما لذ وطاب من الضيافات إكراما وإعظاما…
فقابل ذلك بازدراء لتلك الضيافة، واستبشاع لانواع المأكولات والمشروبات…وإسفاف لكل إكرام…

والمضيف يقرب له ويقدم له وهو يبعد ذلك ويظهر عدم استساغته له… إن لم يحدثه لم يتحدث. وإن أقبل إليه أعرض عنه…

يصول ويجول في البيت دون استئذان ولا استشارة، يرفع ويضع يضيف ويزيل يغير ويبدل وصاحب البيت يستقبل ذلك بكلمات ترحاب وثناء وانتظار…

فجأة بدأ ينتقص منه ومن بيتك ومن طريقة ترتيبه وان ذوقه وذوق زوجتك سامج لا يمت إلى الجمال والرقي بصلة…
وهو يقابل ذلك بكل رحابة صدر يعذره ويعطيه الفرصة تلو الفرصة ليصلح منطقه…
وهو خلال هذا كله يحسن الظن به وينتظر مراجعته لنفسه ولتصرفاته…
فلما أكمل زيارته وعند خروجه التوت قدمه من جراء مشيته المتعجرفة فاستشاط غضبا ونطق وقاحة وبذاءة…

واختزل كل ذلك الاكرام والحلم والصبر والحياء في ألم التواء من تسببه وكسبه… فغدا يؤرخ لتلك الزيارة ويسميها زيارة ألم التواء الرجل…

لا شك أن قارئ هذه القصة والمطلع على هذا المشهد سيرفع قبعة الإجلال والاحترام لذلك الجميل الكريم الرحيم الحليم،
وسيستغرب ويستهجن تصرفات ذلك الضيف السمج والوقح التافه الذي لم يقدر شيئا من ذلك الإكرام ولم يذكر من ذلك إلا ألم التواء القدم الذي كان كبره سببا فيه …
وسيقول في نفسه بعد ان استحضر كل قواعد الضيافة وقواعد احترام رب البيت وما يستوجب ذلك من اعتراف…
سيقول : ما رأيت شخصا أوذي مثل هذا الإيذاء وهو في عقر داره وعلى سدة ملكه كهذا المضيف ورغم ذلك يستمر في إكرامه وحلمه وجوده وجماله…

نقول هذا في شخص تسبب في إكرام شخص آخر في ساعات قلائل وفي مكان محدد وبإكرام محدود…
فما بالنا بمن هو أصل الإكرام وخالق الإكرام
فما بالنا بمن إكرامه عام لكل مخلوق
فما بالنا بمن إكرامه شامل لكل صغيرة وكبيرة
فما بالنا بمن إكرامه سابغ لكل زمان ومكان…

ورغم ذلك نتصعد إليه بكل ألوان الازدراء وعدم الاعتراف
نتصعد إليه بكل أساليب اللوم وسوء الاقتراف
نتصرف في ملكه وكأننا شركاء
ونحاول اعتلاء سدة التحكم دونما حياء

وهو يقابل ذلك بانتظار واعتذار وحلم وكرم وتودد وامهال واعتناء…

فلا تقصر ذكرياتك معه على ألم الالتواء!!!

لذلك جاء في الحديث:
عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-، عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ – أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ – أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ». رواه البخاري

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.