الذل معناه و مواضعه

كلمة (الذل) في اللغة معناها: الخضوع والاستكانة والانكسار واللين. وكلمة الذل وردت في كلام الله -عز وجل- على ثلاثة معانٍ:

المعنى الأول: بمعنى القلة، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران:123]، يعني أنكم قلة في العدد.

المعنى الثاني: بمعنى التواضع، قال -تعالى-: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) [المائدة:54]، أي: إنهم متواضعون للمؤمنين.

المعنى الثالث: بمعنى السهولة، قال -تعالى- عن ثمار أهل الجنة: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً) [الإنسان:14]، يعني أنها تؤخذ بيسر وسهولة.

عباد الله: الذل لا يُحمد أبدا ولا يُثنى عليه أبدا إلا في حالة واحدة، وذلك إذا كان هذا الذل من جهة الإنسان لنفسه من أجل الله وفي الله، كما قال -تعالى-: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) [المائدة:54]، يعني: لانوا وخضعوا لإخوانهم، وكما قال -عز وجل-: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء:24]، أي: كن لين الجانب مع الوالدين.

أما ما عدا ذلك فإن الذل مذموم، لم؟ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن ثمَّ فإن اليهود لما خالفوا أمر الله -عز وجل- ولم ينقادوا لشرعه ضرب الله عليهم الذلة: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ) [آل عمران:112]، وكذلك أصاب الذل أسيادهم، كما قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) [الأعراف:152].

ولو رأينا اليهود في مثل هذا الزمن في جانب القوة إلا أن قوتهم ظهرت بسبب خورنا وذلنا وضعفنا، وإلا فهم أذلاء، قال -عز وجل-: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) [الحشر:14].

إذاً؛ مَنْ أطاع الله -عز وجل- أصبح عزيزا، ومن خالف أمر الله -عز وجل- صار ذليلا، ولو نظرنا إلى التاريخ لوجدنا أنه أعظم شاهد وأدل برهان على ذلك، الصحابة -رضي الله عنهم- قبل الإسلام، ماذا صنعت بهم فارس والروم؟ كانوا أذلاء مستذلين لهم، لكن؛ لما دخل الإيمان في قلوبهم وانقادوا لأمر الله -عز وجل- صارت العزة لهم والذلة لأعدائهم.

فمن أراد العزة فعليه بطاعة الله؛ لأن العزة من الله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26]، ومن تولاه الله -عز وجل- لا يُمكن أن يصيبه الذل.

لكن؛ لا يمكن أن تُنال ولاية الله -عز وجل- إلا بطاعته؛ ولذا كما في سنن أبي داود، علَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- الحسن أن يقول كلمات في دعاء القنوت، منها: “إنه لا يذل من واليت”، فمن تولاه الله -عز وجل- لا يمكن أن يُذل , ولا يمكن أن تنال ولاية الله إلا بطاعته -عز وجل-.

عباد الله: ولما كان الذل صفة نقص وعيب نفاها الله -عز وجل- عن نفسه: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ)، لم يتخذ وليا من أجل أن ينصره لأنه -عز وجل- عزيز، (وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) [الإسراء:111].

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.