ولعلّ الفقهاء يُعذَرون بسكوتهم هنا مع تشنيعهم على الظالمين في مواقع أخرى؛ ولكن، ما عذرهم في تحويل معنى الآية: «ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» إلى أنّ هذا الفرض هو فرض كفاية لا فرض عين؟ والمراد منه سيطرة أفراد المسلمين بعضهم على بعض؛ لا إقامة فئة تسيطر على حكامهم كما اهتدت إلى ذلك الأمم الموفقة للخير؛ فخصّصت منها جماعات باسم مجالس نّواب، وظيفتها السيطرة والاحتساب على الإدارة العمومية: السياسية والمالية والتشريعية، فتخلّصوا بذلك من شآمة الاستبداد.
أليست هذه السيطرة وهذا الاحتساب بأهم من السيطرة على الأفراد؟ ومن يدري من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكّام عن المسؤولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا، وأوجبوا الصّبر عليهم إذا ظلموا، وعدّوا كلّ معارضة لهم بغياً يبيح دماء المعارضين؟!
اللهم؛ إنّ المستبدِّين وشركاءهم قد جعلوا دينك غير الدِّين الذي أنزلت، فلا حول ولا قوّة إلا بك!”.
ولعلي بهذا الإقتباس قد بينت أن “الكواكبي” لم يكن علمانيا بحسب فهمهم، لكنه على العكس، كان يفهم أن الدين هو أسهل طريق لإصلاح السياسة، والإسلام هو الممانع الوحيد للإستبداد.
أزعم جازما أن مؤسسي العلمانية الغربيين لو كان لديهم شيء من الإنفتاح العقلي وعدم التحيز المسبق ضد الإسلام، فدرسوه لما احتاجوا الى تأسيس العلمانية، لأنهم إن كانوا حقا يسعون الى التخلص من الإستبداد، فالإسلام يفصل إيجابيا بين السلطة والدين، بمعنى يمنع استغلال السلطة للدين بضوابط تشريعية، فتنتقض شرعية الإستبداد.