وثائق حصلت عليها الجزيرة نت.. هكذا يصنع الجيش المصري دعايته ويواجه إعلام المعارضة

حصلت الجزيرة نت على عدد من التقارير الإعلامية التي يصدرها المركز الإعلامي العسكري في إدارة الشؤون المعنوية بوزارة الدفاع المصرية.

تكشف التقارير آليات التوجيه المباشر للقنوات الفضائية والرقابة على وسائل الإعلام المحلية في مصر، إضافة إلى تحليل أبرز المواقع الإلكترونية الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، والقنوات التلفزيونية، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

وكشفت التقارير التي يعود تاريخها إلى الفترة بين عامي 2016 و2017، استخدام الجيش المصري وسائل إعلامية لمتابعة اتجاهات الرأي العام وأداء القنوات المؤيدة والمعارضة. كما يعترف الجيش في بعض القضايا بتمكن وسائل الإعلام المعارضة من التأثير على الرأي العام وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، ويقترح الوسائل لمواجهة ذلك التفوق.
كما تقدم التقارير ملخصات من الرصد اليومي للصحافة الإقليمية والعالمية، ونقل مقتطفات تتحدث عن مصر في مختلف وسائل الإعلام، إلا أنها تهتم أكثر برصد الأداء الإعلامي البريطاني والأميركي والإسرائيلي تجاه مصر والشرق الأوسط عموما.

وتظهر التقارير تحسسا شديدا لدى إدارة الشؤون المعنوية من الأفكار المتداولة عبر الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي أكثر من مرة يتم التحذير من رواج دعوات لمناهضة النظام.

رصد على مدار الساعة
تقدم التقارير رصدا لأهم الأحداث المتداولة عبر وسائل الإعلام المختلفة على مدار اليوم، مع التركيز في اختيار هذه الأحداث على معيار العلاقة بالشأن المصري، بهدف توفير المعلومات لصناع القرار وللقيادات العسكرية التي تصلها هذه التقارير.

ولا تكتفي التقارير بعملية الرصد فقط، وإنما تقدم أيضا مؤشرات بيانية من واقع التغطية الإعلامية للقنوات المحلية المصرية، تحتوي اسم القناة والبرنامج، والمذيع، والمدة التي استغرقها النقاش، وتعطي تقييما لتوجه التغطية بشكل عام هل كان سلبيا أو إيجابيا؟ وهل كانت محايدة تجاه الرئيس عبد الفتاح السيسي والقوات المسلحة والحكومة المصرية؟

وتشمل عمليات الرصد التي تتحدث عنها التقارير جميع القنوات، بما فيها المحسوبة على المعارضة، التي تمكنت -رغم الحظر والتشويه- من التأثير على الرأي العام باعتراف هذه التقارير.

تسريب سيناء
من الأمثلة التي عرضتها التقارير لتأثير وسائل الإعلام المعارضة، ما رصده تقرير يوم السبت 22 أبريل/نيسان 2017 من استحواذ فيديو بعنوان “تسريب سيناء” نشرته قناة “مكملين” الفضائية المصرية على المرتبة الأولى في القضايا التي تناولها رواد وسائل التواصل الاجتماعي في مصر بنسبة تكرار بلغت 2.244 مليون تكرار تشكل 41.5% مما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك اليوم.

وكانت قناة “مكملين” قد نشرت تسريبا لإعدام طفل في شمال سيناء على يد قوات من الجيش المصري ومعاونين قبليين محليين، وأثار ردود فعل واسعة بسبب العنف المفرط والتصفية خارج إطار القانون للأشخاص الذين ظهروا في الفيديو، ومن بينهم طفل من قرية الماسورة في رفح جرى تصفيته جسديا.

قناة مكملين الفضائية
@mekameleentv
تسريب #سيناء من قناة مكملين يكشف بالصوت والصورة كيف يتم قتل المصريين في #سيناء بدم بارد بيد جنود الجيش#مع_زوبع#تسريب_سيناء#مكملين

فيديو مُضمّن
٧٣٦
٩:١٨ م – ٢٠ أبريل ٢٠١٧
المعلومات والخصوصية لإعلانات تويتر
١٬٥٥٩ من الأشخاص يتحدثون عن ذلك
وفي مواجهة هذا الفيديو وما أثاره من تداعيات، كشف التقرير أنه تم توجيه وسائل الإعلام التابعة للنظام نحو التركيز على ما سماها “نقاطا إيجابية” للرد على فيديو “تسريب سيناء”.

وبشأن طبيعة “النقاط الإيجابية” التي مررت من خلال وسائل الإعلام، أشار التقرير إلى أنه تم التركيز على رفع وعي المواطنين بمحاولة “وسائل الإعلام الإخوانية” إحداث وقيعة بين القوات المسلحة وأهالي سيناء عبر نشر قناة “مكملين” فيديو بعنوان “تسريب سيناء” الذي سعى -وفقا للتقرير- إلى إعطاء انطباع بأن عناصر إنفاذ القانون من قوات الجيش والشرطة تستهدف أهالي سيناء وتصفّيهم دون محاكمة.

وترى أن ذلك يأتي كردة فعل من “العناصر الإرهابية” للحد من التعاون بين القوات المسلحة والشرطة وأهالي سيناء، الذي أسفر عن نجاحات كبيرة في القضاء على “البؤر الإرهابية” بوسط وشمالي سيناء.

كما توقف التقرير عند تنفيذ وسائل الإعلام للتوجيهات المتعلقة بأزمة “تسريب سيناء”، حيث تمت الإشارة إلى إشادة مقدم برنامج “حقائق وأسرار” المذاع عبر فضائية “صدى البلد” الإعلامي مصطفى بكري “بما يبذله الجيش المصري من جهود لحماية البلاد من مخططات الفوضى”، متهما جماعة الإخوان “بالتورط في نشر مقطع فيديو مفبرك يسيء إلى القوات المسلحة”، وهو ما يوضح بدقة كيف يلتزم المذيعون الموالون للنظام المصري بالتوجيهات المطلوبة منهم.

اتفاقية مصرية سعودية للاعتماد من إسرائيل
ومن القضايا التي توقفت عندها تقارير المركز الإعلامي العسكري، ما ورد في تقرير الأحد 12 فبراير/شباط 2017، حيث تمت الإشارة إلى تسريب آخر لمكالمة صوتية بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ومسؤول إسرائيلي، في إشارة إلى ما بثته قناة “مكملين” الفضائية من تسريب يتعلق بمفاوضات مصرية إسرائيلية حول اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.

وأظهرت التسريبات مكالمات بين سامح شكري وإسحاق مولخو الدبلوماسي الإسرائيلي المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عرض فيها الوزير المصري بنود اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، ليوافق الدبلوماسي الإسرائيلي عليها بعد تعديلها بناء على طلبه.

وكشف تقرير الشؤون المعنوية عن تداول واسع لهذا التسريب، مشيرا إلى أنه استحوذ على المرتبة الثالثة في قائمة أبرز النقاط السلبية التي عرضتها وسائل الإعلام الإلكترونية بنسبة 8.75% من الأخبار السلبية عن الحكومة المصرية، وتوقفت عند اتهام أغلب الناشطين الذين كتبوا حول هذا الموضوع مؤسسات الدولة بالتخابر مع عدو إستراتيجي هو إسرائيل على خلفية تسريب تلك المكالمات الصوتية لسامح شكري.

تشغيل الفيديو
صورة الجيش بين مبارك والإرهاب
وفي الذكرى السادسة لتنحي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، رصد التقرير بعض “النقاط السلبية” التي أثرت على صورة الجيش لدى الرأي العام، واعتبر أن “تسبب المجلس العسكري في إفشال الثورة على الرئيس السابق حسني مبارك” كان من أبرز هذه “النقاط السلبية”، وتم تداوله بنسبة 30%.

ولكن التقرير يرصد إلى جانب ذلك وجها آخر للصورة يتعلق بدور الجيش فيما يعرف بمحاربة الإرهاب، حيث ذكر أن من أبرز النقاط الإيجابية التي تم تداولها على مستوى وسائل الإعلام الإلكترونية بنسبة 53% هي الصورة العامة للجيش المصري في “محاربته للإرهاب”، على خلفية قيام القوات المسلحة بحملة أمنية جنوب العريش في شمال سيناء أسفرت عن “مقتل 13 إرهابيا”.

ومرة أخرى تعترف التقارير بوجود توجيه لوسائل الإعلام بشأن أبرز “الإيجابيات” التي يجب تناولها خلال التغطيات الإعلامية، فقد ذكر تقرير يوم الخميس 20 أكتوبر/تشرين الأول 2016 أن ما وصفها بأبرز الإيجابيات التي تم نشرها عبر وسائل الإعلام تمثلت في “استنكار المواطنين للإساءة والتحريض ضد الجيش المصري، وتأكيد وقوفهم صفا واحدا لدعمه، فضلا عن رفض استغلال البعض لمعاناة الفقراء بالتحريض على التظاهر ضد نظام الحكم وإحداث الفوضى في البلاد، وانتهاء بكفاءة الحكومة في أداء مهامها لحل الأزمات التي تمر بها البلاد”.

خوف من وسائل التواصل
ورصد التقرير ذاته أبرز الانتقادات التي حفلت بها وسائل الإعلام ضد سياسات النظام، وتمثلت في اعتراض بعض أهالي بورسعيد على الشروط الجديدة للإسكان الاجتماعي، وزيادة مبالغ التعاقدات مع البنك، فضلا عما وصفته باستغلال البعض -وعلى رأسهم “جماعة الإخوان الإرهابية”- للأزمات الراهنة بالتحريض على التظاهر ضد نظام الحكم.

وتظهر التقارير تحسسا شديدا لدى إدارة الشؤون المعنوية من الأفكار المتداولة عبر الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي أكثر من مرة يتم التحذير من رواج دعوات لمناهضة النظام.

وذكر ذات التقرير أن هناك 14% مما وصفها بالتوجهات السلبية، تتمثل في دعوات للتظاهر ضد نظام الحكم، وأن “جماعة الإخوان الإرهابية” تسعى للتعبئة واستغلال الأزمة الاقتصادية للحشد لمظاهرات 11/11 المعروفة إعلاميا بثورة الغلابة.

الإعلام الخارجي.. تحت مجهر الرقيب
لا تقتصر المتابعة والرصد على ما يبث وينشر في وسائل الإعلام المحلية، بل يشمل وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، حيث تقدم التقارير ملخصات من الرصد اليومي للصحافة والعالمية، وتنتقي مقتطفات تتحدث عن مصر في مختلف وسائل الإعلام مثل فايننشال تايمز، وموقع ميدل إيست آي، وموقع ميدل إيست مونيتور، وصحيفة واشنطن بوست الأميركية، وموقع ديلي تايمز الأميركي، ووكالة الأنباء القطرية وغيرها، بيد أنها تهتم أكثر برصد ما يرد في الإعلام البريطاني والأميركي والإسرائيلي تجاه مصر والشرق الأوسط.

وفي هذا السياق يورد تقرير الخميس 20 أكتوبر/تشرين الأول 2016 ما كتبته “فايننشال تايمز” عن محاولة الحكومة المصرية إقناع الشعب بمزايا الإصلاح الاقتصادي في حين أنها تحضر لقرارات ستؤدي إلى صدمات وشيكة في الأسعار، ضمن إطار سعيها لإتمام الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

تشغيل الفيديو
ونقل التقرير عن الصحيفة قولها إن المصريين -الذين تحملوا ارتفاع قيمة الضريبة المضافة- يستعدون لزيادة أخرى في الأسعار، حيث يتنبأ المحللون بخفض قيمة الجنيه قريبا وقطع الدعم عن الوقود، وهما الإجراءان اللذان شددت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد على تطبيقهما قبل إتمام صفقة القرض.

وأوضحت الصحيفة أن ما تُقدِم عليه الحكومة المصرية مخاطرة كبيرة كانت تحاول أن تتفادها، إلا أنه لم يعد أمامها الآن مجال للمناورة، فهي بحاجة ماسة إلى معالجة نقص الدولار واستعادة ثقة المستثمرين. وبحسب الصندوق فإنه يُتوقع أن تزيد هذه الإجراءات من حجم التضخم إلى 17 أو 18%.

وتضيف التقارير المسربة مزيدا من الأدلة حول دور إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة في توجيه الإعلام خلال الفترة التي تلت الانقلاب العسكري يوم 3 يوليو/تموز 2013.

وكان الرئيس السيسي قد ظهر في تسريب بالفيديو يعود إلى فترة ما قبل انقلاب 2013، يتحدث فيه عن تكوين “أذرع إعلامية” يمكن توجيهها والتأثير عليها لصالح ما يريد الجيش المصري توجيه الرأي العام إليه.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.