نيويورك تايمز: قوات حميدتي تستعمل عربات إماراتية واعتدت جنسيا على نساء في فض اعتصام الخرطوم

“هذه ليست نهاية الثورة”، “بل هي البداية” يقول طبيب سوداني شاهد القمع الذي مارسته قوات الدعم السريع ضد المعتصمين يوم الإثنين في الخرطوم وعمل على معالجة الجرحى وأحصى بنفسه 118 ضحية (اعترفت الحكومة بـ 61 ضحية). وشاهد الجنود وهم يحرقون الخيام ويعتدون جنسيا على النساء ورمي 40 جثة في نهر النيل، ثم تعرض نفسه للإعتداء ويعيش اليوم متخفيا في شقة زميل له لا يجرؤ على الخروج من البيت. فقد توقف هاتفه الذكي الذي كان مفتاح التعبئة ضد الطغمة العسكرية الحاكمة عن العمل بعد قطع خدمات الإنترنت. ومع ذلك لا يزال ضياء علي مصمما كما يقول مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” ديكلان وولش، رغم المخاوف من إحباط ثورة عربية جديدة إلا أن علي، 24 عاما لا يزال مفعما بالأمل.

ويعلق وولش أن السودان هذا البلد الواسع جذب انتباه العالم خلال الأشهر الماضية عندما تدفق ألاف السودانيين الذي ضجروا من المعيشة الصعبة وديكتاتورية 30 عاما في ظل عمر حسن البشير. واضطر الجيش تحت ضغط شعبي للتحرك ضد الرئيس وأجبروه على التنحي وبدأوا بإدارة البلاد أنفسهم. واستبدلت الآمال التي انتعشت برحيل الرئيس السابق بالتوتر النابع من رفض الجيش الإستجابة لمطالب المتظاهرين وتسليم السلطة للمدنيين. ثم جاء القمع الأسبوع الماضي. واضطر المحتجون بعد تحرك قوات الدعم السريع ضدهم للعمل من تحت الأرض وبسرية وعبر مجموعات مختلفة في داخل وخارج البلاد. وحاولوا يوم الأحد أخذ السلطة من الجيش عبر الإعلان عن إضراب عام، شل مرافق الحياة في العاصمة الخرطوم وبقية مدن السودان. وبدت الشوارع مهجورة والمحلات مقفلة، وأقام المحتجون حواجز في الضواحي فيما قتلت قوات الأمن ثلاثة من المحتجين. ويعلق وولش إن المعتصمين أمامهم مساحة واسعة لاستعادة السيطرة عليها، فمنطقة الإعتصام أمام مقر القيادة العامة والتي خلق فيها المحتجون مشهدا حيا تحولت إلى رماد. ولاحظ الصحافي بجولة داخل العاصمة أن المكان الذي كان يحفل بالشعارات الجدارية مقفر وتم تنظيف الجدران فيما انطلقت عدة سيارات بسرعة في شوارع أشباح. ويقول وولش إن قوات الدعم السريع، الميليشيا التي قادت هجوم الإثنين الدموي أحكمت السيطرة على العاصمة بيد من حديد. ففي الشوارع الرئيسية ظهرت القوات وهي متجمعة تحت شجرة أو حول بيكب محمل برشاشات. وفي جنوب العاصمة اصطفت عشرات العربات داخل استاد رياضي، فيما توقفت عشرات أخرى منها إلى جانب متنزه. ويعتبر محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع أقوى رجل في العاصمة، مع أن المجلس العسكري الإنتقالي هو بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان. ويعلق وولش إن حميدتي الذي عمل تاجر جمال قبل أن يصبح قائدا للقوات المثيرة للرعب الجنجويد المتهمة بارتكاب الجرائم في دار فور بداية القرن الحالي نقل الآن قوات إلى الخرطوم بعدما أغدقت عليه السعودية والإمارات المال والأسلحة والنصيحة. وتتحكم العربات المصفحة المصنعة في الإمارات بشوارع العاصمة الخرطوم. وتعهد السعوديون والإماراتيون بـ 3 مليار دولار دعما للإقتصاد السوداني المتداعي.

وفي الشهر الماضي، سافر حميدتي إلى السعودية وقابل ولي العهد فيها محمد بن سلمان. وبحسب الطيار السابق، صديق أبو فواز فقد هبطت طائرات سعودية وإماراتيةبمطار الخرطوم خلال الأسابيع الماضية محملة على ما يبدو بالمواد العسكرية. وقال “لقد أفرغوا الكثير من الصناديق الثقيلة وأنزلوا عربات عسكرية”. وبسبب القمع الشديد اضطر المحتجون ومعظمهم شباب وأطباء للعمل من تحت الأرض. وتأثرت تحركاتهم بسبب قطع خدمة الإنترنت التي أعانتهم طوال الإحتجاج ضد البشير الذي استمر 11 أسبوعا. ولا تتوفر الخدمة إلا في بعض الفنادق والبيوت مما ترك حركة الإحتجاج محاصرة. وتحدث وولش إلى طبيب الأسنان أحمد بابكر عبر الهاتف من بيته في منطقة بري التي شهدت احتجاجات ساخنة “لا يريدون أن تكشف الحقيقة للعالم”. وقال إن المرة الوحيدة التي غادر فيها بيته هي للحلاق لتجنب قوات الدعم السريع التي تتجول في الشوارع وتحلق رؤوس المشتبه بهم بالقوة. ولا تتوفر خدمة الإنترنت إلا لعدد قليل من المحتجين الذي شجعوا الآخرين على التجمع خارج بيوتهم للحصول على الخدمة فيما اضطر بقية المحتجين لمتابعة برامج تلفازية قديمة لا علاقة لها بالواقع. وأعلن التلفزيون السوداني يوم الأحد أن التظاهرات فشلت وحاول تصوير المحتجين باعتبارهم جماعة غير أخلاقية وفاسقة وبث لقطات لرجل قال إنه انضم للتظاهرات كي يتمكن من تناول الكحول والحشيش. إلا أن الناجين من قمع يوم الإثنين قدموا صورة مختلفة. فقد برر الجيش العملية بأنها لم تستهدف المتظاهرين بل منطقة “كولومبيا” على جانب النيل المعروفة بأنها وكر لتعاطي وبيع المخدرات. وكان مقر الإعتصام قد فرغ نوعا من رواده بسبب مغادرة الكثيرين لإحياء عيد الفطر فيما انقطع التيار الكهربائي عنه بسبب المطر. وكان من بين الباقين مصطفى وإبراهيم الطالبان في السنة الأخيرة بكلية الطب حيث بدءا يساعدان في معالجة الجرحى الذين أخذوا يتدفقون إلى خيمة العلاج، بعضهم أصيب برصاص وآخرون بكسور بسبب العصي والسياط. ثم اقتحمت عناصر الدعم السريع العيادة الطبية وبدأت بضرب الجرحى. ويقول إبراهيم إن واحدا منهم لا يتجاوز عمره 16 عاما كان على ما يبدو قد تناول منشطات. وتم جر المرضى وضربهم “إنها مثل فيلم حيث يقوم الممثل بضرب آخر ببندقيته” “جنون”. وعندما حاولوا نقل الجرحى المخطرين على نقالة للمستشفى القريب اندهشوا عندما وجدوا أن هناك ألافا من المقاتلين يملؤون المكان في كل اتجاه. وكان كل واحد يضرب ويكسر أو يحرق الخيام. وعندما دفعا النقالة بمساعدة ضابطين عسكريين ضرب آخرون المسعفين فيما التقط آخرون صورا للجريح ورددوا ” نأمل أن يموت، هذا ما تحصلون عليه عندما تقومون بثورة”.

وفي الوقت الذي دعا فيه تجمع المهنيين السودانيين المحتجين تجنب المواجهة مع قوات الامن أثناء الإعتصام الذي سيستمر حتى يتخلي الجيش عن السلطة. ولكنه يواجه مشكلة الآن مع أجهزة الأمن التي أقامها البشير بعدما فرضت نفسها على الشارع. ويقول المعارض رضوان داوود، إن الدولة العميقة لا تزال موجودة وتدير البلاد، مشيرا إلى أن البلاد لا تزال تعيش في زمن البشير. ويأمل الجيش مواجهة الإضراب من خلال الإستفزاز وفي الوقت نفسه استمرار مطار الخرطوم بالعمل. وعندما أخبر عادل المفتي موظفيه في شركة السياحة والسفر أن من الإفضل البقاء في البيت استدعته قوات الامن. وبعد ذلك قالت زوجته إنه أصيب بغيبوبة بسبب حجب دواء السكري عنه وتخشي وفاته. ويلاحظ وولش أن مظهر الوحدة في حركة المعارضة يخفي وراءه تصدعات في صفوفها. فهناك من يلوم القادة لأنهم فشلوا في التفاوض على اتفاقية مشاركة للسلطة مع الجيش، وهناك من يلوم نفسه لأنه لم ير أن القمع قادم من حميدتي

شاهد أيضاً

300الف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،