عذابات اهالي المعتقلين في مصر

بعد ثلاثة أسابيع من تسجيلها مقابلة للجزيرة نت، ماتت أحلام أحمد عبد الحميد محمد (53 عاما) على أعتاب سجن الزقازيق في محافظة الشرقية شمال شرق القاهرة، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وذلك بعد أربع سنوات من اعتقال ابنها الوحيد ووفاة زوجها في اليوم التالي لاعتقال الابن.

في الطريق تعرض الأب لأزمة قلبية استدعت نقله إلى مستشفى أبو كبير، ليفارق الحياة بعد ساعات من اعتقال نجله، رغم أنه -بحسب زوجته- لم يكن يعاني من أي مرض قبل الاعتقال. وبعد ساعات من وفاة الوالد، ونحو يوم من الاعتقال، ظهر أحمد أمام النيابة.

تقول إحدى قريبات أحمد: في بداية اعتقاله تم إيداعه في سجن مركز شرطة أبو كبير بمحافظة الشرقية، وبعدها رُحّل إلى سجن الزقازيق العمومي في المحافظة ونُقل بعدها إلى سجن “جمصة” الشديد الحراسة في محافظة الدقهلية شمال القاهرة، ثم إلى وادي النطرون على الطريق الصحراوي بين محافظتي القاهرة والإسكندرية، وأخيرا عاد إلي سجن الزقازيق العمومي ليقضي حكما بالسجن خمس سنوات صدر عليه في 27 أبريل/نيسان 2016 بتهمة التظاهر دون تصريح.

الموت كمدا

بدأت مأساة الأسرة منذ فجر التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، عندما اقتحمت قوة ملثمة من الشرطة المصرية منزل محمد عبد السلام في مدينة أبو كبير بمحافظة الشرقية، واقتادت نجله أحمد (20عاما وقتئذ) إلى مكان غير معلوم.

ذهب والده (٥١ عاما) المدرّس في ثانوية البنات في مدينة أبو كبير للإبلاغ عن الاعتقال، وتقديم البلاغات اللازمة عن اختفاء نجله الطالب في الصف الثاني بكلية التجارة في جامعة الزقازيق. وفي نهاية اليوم تلقى خبرا بأن ابنه سوف يُعرض على النيابة بمدينة الزقازيق (مركز محافظة الشرقية)، فذهب لكي يراه وقد ضاق صدره بما حصل.

محمد عبد السلام الوالد المتوفى

وأفادت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر في مايو /أيار 2018 أن السلطات المصرية أقرت منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 قانونا قمعيا عرف باسم ” القانون الخاص بتنظيم الحق بالاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية”، القانون 107 لسنة 2013، وقد مكن هذا القانون السلطات من القبض على متظاهرين سلميين في حملات جماعية لعدم حيازتهم تصاريح بالتظاهر.

تقول أحلام والدة أحمد إن جَدّه -الذي رأى خلال فترة قليلة اعتقال حفيده الوحيد وموت ولده حزنا عليه- تأثر كثيرا بالحدثين. وفي 20 أبريل/نيسان من العام الماضي وبعد ثلاثة أعوام من اعتقال أحمد ووفاة ولده، فارق الجد الحياة عن عمر يناهز الثمانين عاما.

وبعد أربع سنوات من السجن مرت على نجلها متنقلا بين خمسة مقرات للاحتجاز، جاءت ذكرى اليوم الذي توفي فيه زوجها، فذهبت السيدة أحلام لزيارة ابنها أحمد في سجن الزقازيق العمومي لتموت بدورها أمام بواباته.

تقول إحدى قريباتها إن الزيارة انتهت قبل أن تبدأ، بعد أن رفض الضابط إبراهيم فكري رئيس مباحث سجن الزقازيق العمومي إدخالها، لتحصل مشادة أصيبت على إثرها السيدة أحلام بارتفاع شديد في ضغط الدم، وسقطت مغشيا عليها وفارقت الحياة بعد ساعات من نقلها إلى المستشفى.

حِملُ سنوات أربع حملته هذه السيدة وحيدة، ولم تجد إلى جوارها رفيقا يساعدها عليه، بعد أن فقدت خلال هذه السنوات زوجها، واعتقل أخوها الأكبر وولدها الوحيد الذي ماتت على عتبات سجنه.

ما حدث في محافظة الشرقية لوالدي الطالب المعتقل أحمد محمد عبد السلام تكرر على نحو مأساوي مع أسرة المعلم في إحدى مدارس محافظة بورسعيد حسن صقر، وإن اختلفت بعض تفاصيله.

ففي فجر الاثنين 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، غادرت عائلة حسن محافظة بورسعيد شمال شرق القاهرة لزيارته في أحد سجون طرة، وبعد يوم داخل السجن قضاه حسن مع زوجته وأخيه محمد (43 عاما) وأولاده عمر (11 عاما) وسمية (10 سنوات) وحمزة (6 سنوات) وخالد (عام ونصف) للمرة الأولى منذ اعتقاله؛ أذّن عليهم المغرب -كما تقول زوجة حسن- واستعدوا للعودة إلى بورسعيد.

وأثناء رحلة العودة على طريق مظلم لا يُرى فيه إلا الأضواء القادمة من السيارات الأخرى، اختل توازن السيارة رقم “282 رحلات بورسعيد” التي استقلتها الأسرة للعودة إلى محافظتها -بحسب تحريات الشرطة- فانقلبت بمن فيها بالقرب من قرية أبو صوير بمحافظة الإسماعيلية، ومات في الحادث خمسة أشخاص، من بينهم عمر وحمزة ابنا المعتقل حسن صقر وعمهما، وأصيب أخوهما الأصغر خالد إصابات بالغة لا يزال يعاني منها حتى اليوم.

السيارة 282

كان حسن صقر (46 عاما) معلم الدراسات الاجتماعية بمدرسة جمال عبد الناصر الإعدادية بمحافظة بورسعيد، قد اعتقل في ميدان رابعة العدوية الواقع في مدينة نصر شرق القاهرة، أثناء فض قوات الأمن المصرية اعتصام رافضي الانقلاب العسكري في 14 أغسطس/آب 2013.

وبعد عملية الفض بأربعة أيام، تلقت زوجته اتصالا من أحد أفراد الأمن يخبرها بأن زوجها موجود في ملعب القاهرة وسيذهب إلى قسم أول شرطة الخليفة شرق القاهرة، ومن ثم إلى سجن أبو زعبل في محافظة القليوبية شمال محافظة القاهرة.

حوكم حسن في القضية المعروفة بقضية فض اعتصام رابعة العدوية، وحكم عليه في 8 سبتمبر/أيلول 2018 بالسجن المشدد 15 سنة، إضافة إلى العزل النهائي من وظيفته، ووضعه خمس سنوات تحت المراقبة، ومنعه من التصرف في أمواله وممتلكاته لمدة خمس سنوات، وتغريمه قيمة تلفيات ميدان رابعة العدوية شرق القاهرة. في غضون ذلك تتواصل المرحلة الثانية من المحاكمة لإلغاء الحكم أمام محكمة النقض.

ويحاكم حسن أيضا في ما عرف بقضية “اقتحام قسم شرطة العرب” في محافظة بورسعيد، والتي جرت أحداثها يوم 16 أغسطس/آب 2013 حين كان هو معتقلا في قسم شرطة الخليفة بمحافظة القاهرة. وقد حكم عليه بالمؤبد غيابيا 25 سنة في 22 أغسطس/آب 2015، لكن تم قبول النقض فيها، وتعاد الآن إجراءات المحاكمة من جديد.

تلقى حسن وعدا من مأمور السجن بأن يسمح له بحضور جنازة أولاده، وهو الوعد الذي لم يتحقق، بعد أن حاصرت قوات الشرطة المنزل والمسجد الذي خرجت منه الجنازة لمدة ثلاثة أيام، ومنعت الناس من الاقتراب من محيط الجنازة والبيت.

تقول الزوجة بعد الحادث بأسبوعين ذهبنا لزيارته، ودخلنا إلى قاعة الزيارة بانتظار خروج المعتقلين، نزل حسن ولم يتمالك نفسه من البكاء، وقام الجميع بمواساتنا وتقديم واجب العزاء. وبعدها عاد حسن إلى زنزانته، وعادت الزوجة إلى مستشفى الإسماعلية الجامعي في محافظة الإسماعلية شرق القاهرة حيث يرقد رضيعها خالد الذي أصيب في جمجمته إصابة بالغة، استدعت إجراءه ثلاث عمليات جراحية في المخ، واستمر بتلقي العلاج في المستشفى على مدار عام 2014.

شهادة وفاة محمد صقر

بعد اعتقال حسن انقطع دخل أسرته، خاصة مع إيقاف الإدارة التعليمية في محافظة بورسعيد راتبه، بدعوى أنه لم يأت لتسلمه. ويعيش من تبقى من أسرة حسن حاليا على معاش جدهم لأمهم، بعد أن انتقلوا للعيش مع جدتهم. علما بأن دخل الأسرة لم يعد يكفي لنفقات المحامين، خصوصا أن أي إجراء لا يتم دون مقابل مادي، وفي حال وكلت المحكمة محاميا للمعتقل، فإن مسؤولية إنهاء الإجراءات والحصول على المستندات تقع على أسرة المعتقل، أما المحامي فعليه فقط حضور الجلسات.

السائق عبرة للآخرين

ثمة مشكلة من نوع آخر واجهتها زوجة حسن. ففي الشهور الأولى من الاعتقال، كانت تسافر مع أحد السائقين، وخلال إحدى الزيارات وأثناء انتظارها السائق؛ اتصلت زوجته بها بدلا منه، وقالت لها إن قوات الأمن اعتقلته لأنه يسافر معكم. بعد ذلك بدأ السائقون يعرضون عن السفر مع ذوي المعتقلين خشية الاعتقال، وبات الأهالي مرغمون على السفر في أكثر من وسيلة نقل، للوصول إلى السجن وزيارة رب الأسرة.

تحكي زوجة المعتقل عن إحدى المرات التي أعدت فيها متطلبات الزيارة، بالنظر إلى أنها تسافر في الثانية فجرا من محافظة بورسعيد للوصول في السادسة صباحا إلى مجمع سجون طرة. تقول إنها ركبت إحدى سيارات الأجرة من أمام بيتها، لتتجه إلى الموقف المخصص للسفر إلى القاهرة، وفي أثناء وجودها داخل السيارة، ركب شخص آخر إلى جوار السائق دون أن يستأذن منها؛ طلبت منه النزول، فرفض، ووجدت أبواب السيارة كلها مغلقة. فأخرجت هاتفها وتظاهرت بالحديث مع شخص آخر يقود سيارة أخرى تسير خلفها؛ صدّق السائق الرواية المختلقة عندما رأى سيارة أخرى تسير خلفه، فأنزلها وهرب بعيدا.

تقول زوجة حسن: “الناس تنظر إلى زوجة المعتقل على أنها تحتاج لأي رجل، خاصة مع تعاقب سنوات السجن والاعتقال؛ حتى أن نظرات أفراد الأمن أثناء الزيارات كلها بهذا الشكل، يقولون لنا لماذا تصبرون عليهم وربما لا يخرجون من هنا أحياء”.

أصيب حسن صقر بمشكلات في القلب جراء سنوات الاعتقال التي قاربت على الخمس، ثم أصيب بانسدادين في الشريان مما يعني حاجته الدائمة إلى أدوية السيولة التي لا تتوافر في السجن ولا يسمح له سوى بإدخال شريط واحد في كل زيارة، وهو ما يشترى كل شهر أو شهرين على حساب الدخل الشحيح للأسرة، مما يدفعه لطلب “الأسبرين” في كل زيارة كبديل عن دواء السيولة الذي لا يُسمح بدخوله، إلى جانب منع دخول أدوية أخرى كالفيتامينات والمضادات الحيوية وخافض الحرارة.

تقول زوجة حسن إن التفتيش في الزيارات عبارة عن معاناة لا تنقطع، فهو يبدأ بما يحمله الزائر ثم بعدها يأتي تفتيش الأفراد أنفسهم، ولا فرق بين السيدات والرجال والبنات. حتى حفاظات الأطفال والفوط الصحية للسيدات يقومون بتفتيشها. علما بأن القانون رقم 396 لسنة 1956 نظم حق الزيارة في خمس مواد تبدأ من المادة 38 وتنتهي بالمادة 42.

ونصت المادة رقم 38 فيه والمعدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم 106 لسنة 2015 على “مراعاة أحكام قانون الإجراءات الجنائية، (بحيث) يكون لكل محكوم عليه الحق في التراسل، والاتصال التليفوني بمقابل مادي، ولذويه أن يزوروه مرتين شهريا، وذلك كله تحت رقابة وإشراف إدارة السجن ووفقا للضوابط والإجراءات التي تحددها اللائحة الداخلية”.

كان الحرمان من هذا الحق المكفول بالقانون ورحلة العذاب بين السجون، هما مشكلتا فاطمة زوجة الصحفي خالد حمدي رضوان منذ اعتقاله فجر 27 مارس/آذار 2014، والحكم عليه بعد أزيد من عامين بالسجن 15 عاما، في القضية المعروفة إعلاميا بالتخابر مع قطر.

بدأت قصة فاطمة الزهراء زكريا زوجة الصحفي خالد حمدي المنتج السابق في قناة “مصر 25″، عند اعتقال زوجها (35 عاما) في منزله بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، وهي حامل في شهرها الثالث. قال الضابط الذي اعتقله وقتها “ساعتان وسيعود”، لكن الاعتقال امتد لسنوات.

ذهبت الزوجة(31 عاما) إلى كل أقسام الشرطة للبحث عنه، وكلما سألت عنه في أحد الأقسام جاءها الرد نفسه: “لم تخرج دوريات من عندنا الليلة الماضية”. وفي 31 مارس/آذار2014 علمت أن خالدا عُرض على نيابة أمن الدولة في التجمع الخامس بالقاهرة على ذمة القضية التي عرفت لاحقا بقضية “التخابر مع قطر”.

أُودع خالد مباشرة في سجن العقرب الشديد الحراسة، ومنه إلى التأديب فمُنع من الزيارة لمدة شهر، وعندما سُمح له بالزيارة كانت تقتصر على ثلاثة أشخاص من أقارب الدرجة الأولى فقط، باعتبار أن القضية شملت ثلاثة سياسيين أيضا، بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي ومدير مكتبه، وثمانية إعلاميين من داخل مصر وخارجهم بينهم خالد.

بعد الاعتقال حوكم خالد في القضية التي تحمل الرقم 10154 جنايات، وتتضمن تهما بسرقة أسرار الأمن القومي المصري وتسريبها إلى المخابرات القطرية. وفي 18 يونيو/حزيران 2016 حُكِم عليه بالسجن المشدد 15 عاما، ورُفض الطعن على الحكم في 17 سبتمبر/أيلول 2017.

دكتاتورية السجان

في سجن العقرب لا يسمح لأهالي السجناء بإدخال الطعام إلا بكميات لا تكفي الطفل الصغير(على حد قول فاطمة)، ويختلف المسموح والممنوع في الزيارات بحسب رغبة عنصر الأمن المناوب، والبديل أن يقوم أهل المعتقل بوضع أموال في الأمانات –كما تقول زوجة خالد- تُعطى للمعتقل على شكل قسائم (بونات)، تبدأ المبالغ فيها من 1500 إلى 2000 جنيه، بحسب الحالة الصحية للمريض.

استفادت زوجة خالد من كونها خريجة قانون، واستخرجت بطاقة من نقابة المحامين لكي تتمكن من زيارته كمحامية له، وبعد الاعتقال تحّمل والده كافة المصاريف وكان يحاول توفير الأموال.

كان والد خالد قد اعتقل أيضا وحصل لاحقا على إخلاء سبيل، وبعدها لم يستطع أن يزور نجله بسبب مطاردة قوات الأمن له، ومات دون أن يرى ابنه في السجن. وقد منعت عنه الزيارة منذ عام وثمانية شهور، وحتى الآن.

في إحدى الزيارات، شعرت الزوجة بأنها سوف تلد ابنها، وكانت تُمني نفسها بأن تلد في السجن أثناء الزيارة لكي تشعر بأن زوجها إلى جوارها، ويكون هو أول من يحمل ولده. وبعد عودتها من الزيارة بساعة، أنجبت “ثائر”.

أخذت الأم وليدها لزيارة زوجها، وكانت الزيارة من وراء الزجاج. ظلت تتوسل الضابط أن يسمح لخالد برؤية ولده وحمله، لكنه رفض؛ تقول إنها شعرت بقهر شديد ولم تتمالك دموعها أمام الضباط وأفراد الأمن.

في العقرب يختلف مكان الزيارة عن بقية السجون، فهو عبارة عن زجاج عازل وسماعتين منفصلتين يتحدث الزائر والمعتقل من خلالهما. وتخضع المكالمة -ومدتها لا تزيد عن ثلاث دقائق- لرقابة الحراس، والزيارة نفسها لا تزيد مدتها على عشر دقائق.

وهذا السجن خصصته السلطات للذين ترى أنهم يشكلون خطرا خاصا على الأمن القومي، مثل العناصر القيادية في الإخوان المسلمين، والذين أدينوا باستخدام العنف ضد منشآت الدولة أو مسؤوليها.

مرت خمس سنوات على ذكرى زواج خالد وفاطمة، وخلال وجوده في السجن وجدت نفسها تتحمل كل أعباء العائلة دون سابق إنذار. تحكي فاطمة عن تشكل شخصية ابنها ثائر في غياب الأب الذي لم يعرفه.

انتهاكات ومنع

ذات مرة زارت فاطمة زوجها باعتبارها محاميته، فوجدت الضابط والعسكري والحارسة جالسين في مكان الزيارة، فقالت لهم “هو أنا كده جايه أزوركم أنتم مش هو!”، فقالوا لها يجب أن يكون صوتكم مسموعا حتى نعرف ماذا تقولون.

ومن الوجهة القانونية يشكل ذلك مخالفة لنص المادة 38 من قانون تنظيم أحكام السجون، الذي ينص على أنه على إدارة السجن معاملة زائري المسجونين المعاملة الإنسانية، وأن تكفل لهم الأماكن الملائمة للانتظار والزيارة، والترخيص لمحامي المسجون بمقابلته على انفراد، شرط الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة.

أدى مَنعُ خالد حمدي وبقية المعتقلين في سجن العقرب من الزيارة إلى حراك قضائي، وجهد كبير من أسر المعتقلين الذين قدموا عددا من الدعاوى لمنع مثل هذه الإجراءات. وصدرت العديد من الأحكام التي تبطل قرارات المنع وتحث على السماح بالزيارة لأهالي المعتقلين؛ لكن أيا منها لم ينفذ.

بدأت قصة هذه الأسرة بعد يومين من فض اعتصام رابعة العدوية، فقد ألقت أجهزة الأمن القبض على المهندس محمد زكريا، أمين عام حزب الحرية والعدالة في محافظة بورسعيد، مباشرة بعد دفن نجله الأكبر الذي مات في ميدان رابعة. كما اعتقل أيضا ثلاثة من أبنائه الذكور الباقين على فترات مختلفة خلال عام 2014؛ وتمت محاكمتهم أمام القضاء العسكري.

حوكم محمد زكريا -وهو مدير لشركة الكهرباء في المدينة في بورسعيد- في قضيتين. الأولى: فض اعتصام رابعة، وحكم عليه فيها في 22 أغسطس/آب 2015 بالمؤبد 25 عاما، والثانية هي قضية حرق مقر حزب الحرية والعدالة في بورسعيد والتي حكم عليه فيها 15 عاما بعد اتهامه بحيازة أسلحة ومفرقعات داخل مقر الحزب.

خضع نجله الأكبر عبد الله إلى محاكمة عسكرية بتهمة حيازة متفجرات والهجوم على قسم شرطة الشرق بمحافظة بورسعيد، وصدر عليه حكم بالسجن المؤبد 25 عاما في 8 أبريل/نيسان 2015. وحوكم نجله الأصغر إبراهيم بتهمة حيازة أسلحة وذخيرة، وحكم عليه بالمؤبد 25 عاما، وتجري كذلك محاكمته في قضيتين أخريين بالتهم نفسها.

تشتت شمل العائلة بين السجون. تقول ابتسام البدري زوجة زكريا “حياتنا توقفت منذ يوم فض رابعة، بعد غياب الزوج والأبناء كل شيء متوقف”. تعيش ابتسام حاليا مع ابنها الوحيد الذي لم يعتقل، وتغلق على نفسها باب المنزل ولا تفتحه إلا لزيارة السجون أو قضاء حاجيات قليلة. تحمل في قلبها غصة عن هجران الأقارب والأصحاب والجيران ونكران الأصدقاء.

عائلة تتشتت بين السجون

سحل وإهانات

لا تخفي ابتسام ألمها من تشتت شمل الأسرة واضطرار نجلها لفسخ خطوبته حتى لا يظلم خطيبته في انتظار لا يعرف متى ينتهي. تقول الأم: هي “أسرة إخوانية ربها في السجن وكبير أبنائها في القبر، وثانيهم وثالثهم في المعتقل، ورابعهم سُجن وخرج، ولا يكاد يظهر بسبب المطاردة، وخامسهم كنت أتصبر بوجوده في المنزل، فلما هاجر وترك البلد زادت مرارة القلب بفقدان الضنا”.

تتذكر ابتسام كيف أهينت زوجة ابنها السجين في قسم شرطة العرب عندما كانت تزوره في أحد أيام شهر رمضان، حيث سحلت على الأرض وخلعوا نقابها وانكشف شعرها، ووضعوا في يديها الأصفاد إلى ما بعد الإفطار، وهددوها بالاعتداء عليها وخلع ملابسها، لأنها اعترضت على منع الزيارة وفق مشيئة أحد عناصر الأمن.

حدث ذلك، رغم أن المادة 42 من قانون تنظيم السجون لم تحدد الجهة المنوط بها إصدار قرارات منع الزيارة، بالمخالفة لنص المادة 141 من قانون الإجراءات الجنائية التي حددت جهة منع الزيارة وحصرتها في النيابة العامة أو قاضي التحقيق في القضايا التي يندب إليها.

الممنوعون

ورغم كل ما يعيشه أهالي المعتقلين، فإن هناك من يعيش حياة أصعب حينما يغيب العائل، وتنقطع أخباره وتمنع عنه الزيارة، ولا يعرف أهله كيف يعيش، وكيف هي أحواله. علما بأن مركز الشهاب لحقوق الإنسان ذكر في تقرير له في أغسطس/آب الماضي أن في مصر حاليا ما يقرب من ستين ألف معتقل موزعين على 54 سجنا و320 مقر احتجاز.

وتمنع الزيارة عن بعض المعتقلين في سجون مصر لأسباب منها السياسية، كما في حالة الرئيس المعزول محمد مرسي الذي قال أمام جلسة محاكمته فيما يعرف بقضية إهانة القضاء بتاريخ 6 مايو/أيار 2017 إنه لم يلتق بعائلته منذ أربع سنوات، مما جعل السلطات المصرية تسمح له بزيارة واحدة لم تتكرر.

كما تُمنع الزيارة عن قضية بعينها، مثل القضية المعروفة بقضية النائب العام المساعد التي منع المعتقلون على ذمتها من الزيارة منذ اعتقالهم حتى الآن، ولا سبيل أمام أهاليهم للاطمئنان عليهم إلا وقت العرض على النيابة، أو أثناء جلسات محاكمتهم، أو بالجري وراء عربات الترحيلات.

شاهد أيضاً

300الف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،