للعام الخامس.. الحرب تحرم فقراء اليمن من تكافل رمضان

تبذل سعيدة موسى جهدًا مبالغًا للوصول إلى منزل قريبها منير، لعلها تجد عنده إجابة كافية عن موعد وصول المعونات التي درج أحد أثرياء الحي الذي تسكنه في صنعاء على توزيعها للفقراء في الأيام الأولى من شهر رمضان.

غير أنها عادت هذه المرة بخطى وئيدة وهي تندب حظها، بعد أن تلقت تأكيدًا بأن تلك المعونات لن تشملها هذه المرة، وهي التي بالغت في انتظار “شهر الخير”، شأنها شأن فقراء اليمن الذين ينتظرون رمضان “الذي يجيء ورزقه معه”.

وظلت المرأة الخمسينية تنتظر حلول شهر رمضان على أحر من الجمر، ففي شهر الصوم تبرز مظاهر التكافل، ويخصص فيه الأغنياء توزيع زكاة أموالهم، مما جعله محطة سنوية يتزود فيها الفقراء لمدة طويلة.

تقول موسى “كنا نلاقي في رمضان الخير الكثير، لكن هذا العام الوضع مختلف فالتكافل بين الناس انعدم”.

دائرة الفقر توسّعت
وتسببت الحرب المندلعة في اليمن منذ مطلع 2015 في انهيار الوضعين الإنساني والاقتصادي، ووفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة فإن نحو 22.2 مليون يمني بحاجة إلى شكل من أشكال الحماية أو المساعدة الإنسانية.

وسحقت الأوضاع المتدهورة الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود، ليصبحوا فقراء ومحتاجين، ولذا غابت مظاهر التكافل التي كانت واحدة من سمات اليمنيين في رمضان، وتحسس الآلاف من الفقراء منازل الميسورين لكن دون جدوى.

تقول سعيدة موسى “كان التجار يمنحوننا الدقيق والسكر والأرز والمال، واليوم ذهبنا إليهم لكنهم ردوا علينا بأن المساعدات مُنحت للنازحين، حتى جيراننا لم يمدونا بالطعام”.

ويقول محمود العدلة -مسؤول محلي في حي الحصبة (وسط صنعاء)- إن عدد الفقراء والنازحين زادوا بنسبة كبيرة، ولم يعد التجار قادرين على توزيع المعونات كما كانوا في السابق، ولهذا يحصرونها في فقراء عائلاتهم ومناطقهم.

ويضيف “الشعب كله جائع، ومن كان ميسور الحال أصبح فقيرا، كل شخص يقول نفسي نفسي”.

ويوضح “كان الناس حريصين على إبداء مظاهر التكافل من الإفطار الجماعي ودعوة الفقراء لتناول الفطور، أما اليوم فإن التفكير في دعوة ثلاثة أشخاص يكلّفك الكثير من المال بسبب الغلاء، وقلة اليد”.
أزمات عدة
وأدى توقف صرف رواتب نحو مليون ومئتي ألف موظف من العاملين في القطاع الحكومي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى بقاء 11.3 مليون يمني في أمس الحاجة للمعونات من أجل البقاء على قيد الحياة، حسب الأمم المتحدة.

وأصبح معظم الموظفين -وهم أرباب عائلات يعيلون نحو سبعة ملايين- فقراء، واضطروا إلى مد يدهم طلبًا للمساعدة. يقول صلاح الكميم -وهو موظف في وزارة الإدارة المحلية- إنه يضطر للتواري عن الناس، والانطواء على نفسه في منزله.

ويوضح أن “التكافل والتراحم بين الناس أصبح شبه منعدم إلا من رحم، أنا مثلًا كنت أنفق على بعض الفقراء في الحي الذي أسكنه، لكنني اليوم أحتاج لمن ينفق عليّ وعلى أسرتي”.

غير أن الكارثة الأكبر تتمثل في ترحيل السعودية آلاف العمال اليمنيين من أراضيها، ووفق دراسة لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية فإن مليون يمني مهددون بالطرد من أعمالهم.

وتمثل تحويلاتهم أحد مصادر الدخل للفقراء، وفي قرية من قرى ذمار (وسط اليمن)، يتقاطر الآلاف على منزل رجل أعمال يعمل في السعودية للحصول على الزكاة، لكن الأخير لم يتمكن من الوفاء لكل السائلين بسبب الأوضاع المستجدة.

جهود محدودة
واقتصرت مظاهر التكافل بين اليمنيين على جمعيات محلية تعمل بجهود محدودة لتوزيع وجبات للفقراء، ورغم ذلك تبقى آثارها قليلة حيث يعود العشرات من المحتاجين فارغي الوفاض.

ويقول ماجد ياسين -وهو رئيس مطبخ عطاء الخيري في مدينة إب (وسط اليمن)- للجزيرة نت إن حجم التكافل الذي كان يُقدم لعمل المطبخ تراجع بصورة كبيرة مع عودة آلاف المغتربين في السعودية، الذين كان يُعول عليهم في الدعم الأكبر.

ويضيف “حجم المحتاجين زاد، وفي المقابل قلّ الداعمون وارتفعت أسعار المواد الأساسية إلى الضعف، بما في ذلك غاز الطهي الذي ما يزال شبه منعدم”.

واضطر رئيس المطبخ -الذي يتكفل بإطعام 1200 أسرة بالدجاج والأرز والخبز والإدام- إلى إطلاق نداء عبر فيسبوك للمطالبة بتوفير غاز الطهي بالأسعار الرسمية، لكنه حتى اللحظة لم يجد أي مساعدة.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.