عملة بريطانية بنقوش عربية.. كيف مزج الملك أوفا تصميما عباسيا وإنجليزيا؟

منذ نحو 1240 عاما، صُكّت عملة معدنية فريدة تحمل نقوشا عربية، وتعود للملك أوفا ملك مرسيا -إحدى ممالك إنجلترا الأنغلوسكسونية- بين عامي 757 و796.

ونسخ تصميم العملة من الدينار الذي صكه الخليفة العباسي المنصور، الذي كان معاصراً للملك أوفا، ونُسخ التصميم بالكامل بما في ذلك الإشارة إلى الخليفة العباسي وحتى تاريخ العملة، التي صدرت عام 157 هـ. ومع ذلك، فمن الواضح أن الناسخ لا يقرأ اللغة العربية، إذ وردت أخطاء بسيطة في النقش العربي.

ورصدت العملة لأول مرة في قاعة بيع في روما، وربما تم العثور عليها هناك، وأكد الخبراء أن العملة التي تُعرض حالياً في المتحف البريطاني أصلية، وربما كانت هدية إلى البابا من الملك أوفا، حيث وعد ملك ميرسيان بإرسال 365 قطعة ذهبية له كل عام.

وإذا كانت العملة المعدنية جزءًا من هذه الهدية الدبلوماسية، فمن المفارقات أن تتضمن النسخة العربية المنسوخة عبارة “لا إله إلا الله وحده”.

وإضافة إلى الشهادتين، كتبت على العملة أجزاء من آية قرآنية، وتاريخ سك الدينار الأصلي باللغة العربية، إلى جانب اسم الملك أوفا باللغة الإنجليزية.

ولا ينبغي أن يفسر اختيار الدينار الإسلامي كنموذج لعملة أوفا الذهبية على أنه مؤشر على معتقدات أوفا الدينية، لأن الأدلة التاريخية لا تدع مجالًا للشك في أنه مسيحي.

مقارنة بين نقوش الدينار العباسي وعملة الملك أوفا(مواقع إلكترونية)

ولكن، ربما تعكس العملة بدل ذلك أهمية الدينار الذهبي في التجارة الدولية؛ فلقد كان العملة المهيمنة في البحر الأبيض المتوسط، وألهم إعادة تصميم العملات الذهبية في شمال أوروبا.

وفي زمننا المعاصر تبدو الخطوط الفاصلة بين الثقافات العربية والأوروبية كبيرة، وتزداد صعوبة التجارة العالمية، لكن ربما في زمن العباسيين والملك أوفا كانت مثل هذه القطع الأثرية بمثابة تذكار على تقارب الثقافات والمزيد من الحكايات التي لم ترو بعد، وربما يجري الكشف عن خفاياها بالبحث والتنقيب.

إذن ما سر النقش العربي على عملة الملك أوفا الذهبية؟ هناك عدد من النظريات لتفسير ذلك؛ ومنها أن أوفا تحول إلى الإسلام، ولهذا قام بصك العملات بالنص العربي.

ولكن هذا التفسير غير مرجح لأن أوفا قدم التماسا للبابا لتنصيبه مطرانًا، ووعد بدفع مبلغ سنوي من الذهب للكرسي الرسولي. وبعد غزو كينت من قبل أوفا في عام 775، أقر أساقفة كانتربيري بأن أوفا هو سيد فرسانهم، واشتملت العملات المعدنية التي صكها أساقفة كانتربيري (الذين كانوا يمتلكون حق صك النقود في تلك الفترة) على اسم الملك أوفا.

وربما نظر أوفا خلال تعاملاته الخارجية للنقوش العربية باعتبارها مجرد زخرفة، وأحب أن ينقلها ويضيف إليها اسمه دون أن يفهم أهمية النص ومعناه، وفعل ذلك أكثر من ملك أوروبي بالفعل في غمرة الإعجاب بالتفوق الأندلسي والمشرق العربي.

وربما أراد أن يسهل على الحجاج المسيحيين الذين كانوا يسافرون من إنجلترا إلى “الأراضي المقدسة” في الشرق الأوسط، فقام بضرب العملة المعدنية، بحيث يمكن قبولها بسهولة أكبر من قبل العرب والمسلمين في فلسطين وأراضي العباسيين.

وربما كانت العملة واحدة من تلك التي تم إرسالها كهدية إلى البابا، لكن هل كانت ستحتوي على نص إسلامي إذا استخدمت لهذا الغرض؟ لقد تم العثور على عملات معدنية أخرى تحتوي على نقوش مكتوبة بالأحرف الرومانية والإسلامية تحمل أسماء الأمراء المسيحيين، لذا فمن الممكن أن يكون أضاف لها عملة ذهبية ذات نقوش تعود لأصول عربية وإسلامية.

ولم يتم العثور على أي قطعة نقدية أخرى من هذه العملة، ومن الممكن أن تكون عبارة عن “طبعة محدودة”، وربما أعطيت للبابا كجزء من تعهد أوفا بدفع مبلغ معين، ويبدو أن ظهورها المفاجئ في روما يضفي مصداقية على هذا الاحتمال.

ومهما كانت الإجابة، فإن العملة لا تزال قطعة أثرية جميلة ورمزية، تخبرنا بعالم من الثقافات والهويات المختلطة قبل 12 قرنا

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.