غربة الإسلام في آخر الزمان

ثبت عن النبي ﷺ في حديث طويل <<يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي الرجل مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل>>

يَقولُ أبو هُريْرةَ رَضيَ اللهُ عنه : إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قالَ : بادِروا بالأعمالِ ، أيْ : سارِعوا بالأعمالِ الصَّالِحةِ قَبلَ الانشِغالِ عَنها بوُقوعِ الفِتَنِ الَّتي تُثبِّطُ العامِلَ عَن عَملِه.

– فِتنًا كَقِـطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ ، يَعني : أنَّ شِدَّةَ الفِتَنِ يَكونُ المَرءُ في الْتِباسٍ مِنها ؛ لأنَّها تَكونُ كَقِـطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ لا يَتميَّزُ بَعضُها مِن بَعضٍ.

– يُصبِحُ الرَّجلُ مُؤمِنًا وَيُمسي كافِرًا ، أو يُمْسي مُؤمِنًا ويُصبِحُ كافِرًا ، أي : يَأتيهِ مِنَ الفِتنِ ما تَزِلُّ به قَدمُه عَن صِفَةِ الإيمانِ ؛ وَهذا لِعِظَمِ الفِتنِ يَنقَلِبُ الْإنسانُ في الْيومِ الواحِدِ هذا الانقِلابَ.

– يَبيعُ دِينَهُ ، أي : يَترُكُه بعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا ، أيْ : يَترُكُ دِينَه مِنْ أجلِ مَتاعٍ دَنيءٍ وَثَمنٍ رَديءٍ.

فوائد الحديث:

الفائدة الأولى: في الحديث الحث على العمل الصالح قبل قدوم ما يحجبها من الفتن، لأن الفتن إذا حلت فإنها تحول بين الإنسان والعمل الصالح، وإن بادر فيها قبل حلولها وأقبل على الله كان العمل الصالح حماية له منها.
قال النووي: “معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة، المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر، ووصف صلى الله عليه وسلم نوعاً من شدائد تلك الفتن، وهو أن يمسي مؤمناً ثم يصبح كافراً أو عكسه، وهذا لعظم الفتن، ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب”.
وذكر الصباح والمساء في الحديث ليس مقصودا لذاته بل هما كناية عن سرعة التحول فقد يكون التحول بين الصبح والظهر أو بين الظهر والعصر فالعبرة بالتحول وهذا يحدث بأقصر من هذه المدة، والزمان يحكي نماذج من ذلك والله المستعان. فليحذر العبد وليتحصن قبل حلول الفتنة قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}.
الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن الأعمال الصالحة سبب للنجاة من الفتن، ويشهد لذلك أيضا حديث أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم -قالت: “استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول: «سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات، يريد أزواجه، لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» (رواه البخاري)، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أوحي إليه بما سيكون من الفتن بعده إلى الصلاة، فالعبادة حجاب للعبد من الفتن، وفي حديث الباب إشارة إلى أن من قلَّ عمله كانت الفتنة إليه أسرع، وأن من كثر عمله ينبغي ألا يغتر بما عنده بل يستزيد فخطاب النبي -صلى الله عليه وسلم -للأمة عامة المجتهد والمقصر.
الفائدة الثالثة: في الحديث ذم الحياة الدنيا الفانية بما فيه من عرض (مال أو منصب أو جاه أو شهرة ونحوها)، والحذر من تقديمها على الآخرة الباقية، بل والحرص على الدين والاحتياط عند التمتع بعرض الدنيا، لأنها تقلب دين العبد وتحول دونه ودون عبادة ربه، ولذا الولوج في الفتن يضعف العمل الصالح.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.