مطار إسطنبول الجديد سيساعد «الخطوط الجوية التركية» على تحدي منافسيها الخليجيين في الهيمنة على المنطقة

بعد عراقيل متعددة، تفتتح تركيا بالكامل هذا الأسبوع مطارا جديدا في إسطنبول سيتيح لشركة طيرانها الرئيسية سريعة النمو قاعدة لتحدي منافسيها الخليجيين في الهيمنة على المنطقة.
وتعتزم السلطات تحويل الرحلات من مطار أتاتورك في المدينة على ساحل بحر مرمرة إلى المطار الجديد الواقع على مسافة 30 كيلومترا في اتجاه الشمال على البحر الأسود وذلك من خلال عملية نقل هائلة تستغرق 45 ساعة وتبدأ اليوم الجمعة.
والمطار الذي بلغت كلفته ثمانية مليارات دولار واحد من عدة مشروعات عملاقة في البُنية التحتية أيدها الرئيس رجب طيب أردوغان. وسيمكن للمطار أن يستقبل في البداية 90 مليون مسافر سنويا وهو عدد تأمل تركيا أن تتجاوز مثليه بحلول عام 2027. وهذا سيجعله أكبر مطار في العالم ما لم يظهر مطار أكبر منه.
وقال وزير النقل التركي جاهد طورهان للصحافيين في صالة السفر التي يتلألأ كل شيء فيها «مطار إسطنبول سيرتقي إلى المرتبة الثانية من حيث أعداد المسافرين الذين يخدمهم في غضون حوالي خمس سنوات». وأضاف «عندما تكتمل كل المراحل سيكون مطار إسطنبول في مقعد القيادة».
ومن المفترض أن يعمل المطار بالكامل يوم الأحد بعد أن تنقل السلطات عشرة آلاف قطعة من المعدات، من عربات قطر الطائرات العملاقة إلى أجهزة الفحص الأمني الحساسة، عبر المدينة في عملية معقدة تستغرق يومين سيُغلق بعدها مطار أتاتورك أمام رحلات الركاب.
وستدعم هذه الخطوة طموح تركيا في أن تجعل من yسطنبول مركزا عالميا لحركة الطيران، وستتيح للخطوط الجوية التركية فرصة النمو بما يتجاوز قيود المساحة المحدودة في مطار أتاتورك.
فبعد 15 عاما من النمو السريع، أصبحت طائرات الشركة تصل إلى عدد أكبر من الدول من أي شركة منافسة لها بفضل قاعدتها في إسطنبول القريبة من وجهات السفر في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط.
وهذا الموقع يعني أن مدنا كثيرة تقع داخل دائرة تتراوح فيها ساعات الطيران إليها بين أربع وخمس ساعات بالطائرات ذات الممر الواحد في الوسط والتي تتميز بكفاءة استهلاك الوقود. وساعد الانخفاض النسبي في التكاليف الشركة في تحقيق أرباح قدرها 4.05 مليار ليرة (716 مليون دولار) في العام الماضي.
ومع تزايد المساحات المتاحة، تعتزم الشركة زيادة إجمالي حجم أسطولها من 338 طائرة إلى 476 طائرة خلال السنوات الأربع المقبلة. ويقول محللون أنها ستتحدى الشركات الثلاث الكبرى المنافسة لها على المستوى الإقليمي، وهي «طيران الإمارات»، و»الخطوط الجوية القطرية» و»الاتحاد للطيران».
وقال خبير الطيران جون ستريكلاند «هذا يضعها على قدم المساواة في ساحة المنافسة مع شركات الطيران الخليجية».
غير أن المستقبل يحمل في طياته مخاطر محتملة. فالمطار يفتح أبوابه في وقت بدأت تتوقف فيه عجلة النمو الاقتصادي القوي الذي شهدته تركيا على مدار سنوات، وأي ضعف في السوق المحلية قد يصبح عبئا على نشاط شركة الخطوط الجوية التركية.

تهديد هائل للناقلات الخليجية

يأتي فتح مطار إسطنبول قبل عقد من توسعة مطار آل مكتوم الدولي في دبي والمُصَمِّم لاستقبال 130 مليون راكب سنويا في المرحلة الأولى بعد تأجيل التوسعة إلى العام 2030.
وستنتقل «طيران الإمارات»، ومقرها دبي، في المستقبل إلى هذا المطار، الذي يستهدف في النهاية القدرة على استقبال 260 مليون راكب سنويا. وفي الوقت الحالي، تعتزم دبي التركيز على المركز الحالي لـ»طيران الإمارات» في مطار دبي الدولي الذي استقبل ما يقرب من 90 مليون مسافر في 2018.
وتواجه شركات الطيران الخليجية أوقاتا صعبة بالفعل. وقالت «الخطوط الجوية القطرية» الشهر الماضي أنها ستعلن عن تكبد خسائر للسنة الثانية على التوالي هذا العام ،بعد أن خسرت حق تسيير رحلاتها إلى 18 وجهة في الشرق الأوسط بسبب خلاف مع دول مجاورة في الخليج.
وحذرت «طيران الإمارات» في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من أوقات صعبة، بعد أن انخفضت أرباح النصف الأول إلى أدنى مستوياتها منذ عشر سنوات. كما تخلت أبوظبي عن هدف التحول إلى مركز رئيسي للسفر جوا يشبه دبي.
وقال مدير تنفيذي كبير في واحد من مطارات الشرق الأوسط ان قطاع الطيران في تركيا أصبح يمثل «تهديدا هائلا» لشركات الطيران الخليجية وكذلك لمنافسيه في آسيا وأوروبا.
وقال محلل ان من هؤلاء المنافسين مطار فرانكفورت، وهو مركز شركة «لوفتهانزا» التي تعد من أكبر شركات الطيران الأوروبية. وقد استقبل 69.5 مليون راكب في العام الماضي. ويبعد المطار نحو ثلاث ساعات تقريبا بالطيران عن إسطنبول وهو أقرب قليلا من منطقة الخليج.
و»الخطوط الجوية التركية» ليست المنافس الناشئ الوحيد.
ففي العام الماضي، اقتنصت إثيوبيا من دبي مكانتها كمحطة لرحلات الركاب الطويلة إلى أفريقيا، الأمر الذي سلط الضوء على نجاح شركة الطيران التابعة للدولة في الفوز مرة أخرى بنصيب من السوق على المسارات من أفريقيا وإليها، كانت في السابق تهيمن عليها «الخطوط الجوية التركية» و»طيران الإمارات».
وقد استهدفت «الخطوط الجوية التركية» دول آسيا التي تشهد نموا اقتصاديا سريعا، ووقعت في ديسمبر/كانون الأول الماضي اتفاقا للمشاركة في الرمز مع شركة «إنديغو» الهندية، أكبر شركة لرحلات الطيران الداخلية، وأقامت مشروعا مشتركا مع شركة «زد.تي.أو» الصينية لتوسيع نطاق عمليات نقل البضائع.
وقال إرديم كايلي كبير المحللين لدى «تي.إي.بي انفستمنت» التابعة لبنك «بي.إن.بي باريبا» الفرنسي، ان «الجانب الإيجابي في المطار الجديد…هو إمكانية الاستفادة من الأسواق الصينية والهندية وغيرها من الأسواق الآسيوية الناشئة.

مخاطر سياسية

غير أنه تجب الإشارة إلى مشروع إنشاء مطار إسطنبول الجديد واجه عدة تأجيلات واحتجاجا عماليا في العام الماضي على ظروف العمل بعد أن قالت الحكومة إن 27 عاملا توفوا منذ بدء الانشاءات في العام 2015.
,تعطل التشغيل الكامل للمطار من قبل ثلاث مرات. وافتتحه الرئيس أردوغان رسميا في أكتوبر/تشرين الأول. ولم يتمكن سوى استقبال أقل من 20 رحلة يوميا بعد تأجيل الافتتاح الكامل إلى يناير/كانون الثاني أولا، ثم إلى مارس/آذار ثم إلى أبريل/نيسان.
ويأتي الافتتاح في وقت يشهد توترات متكررة في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وأوروبا. ويمثل ذلك خطرا آخر محتملا على «الخطوط الجوية التركية»، إذ ان الخلاف بين قطر ودول عربية أخرى أوضح أن السياسة يمكن أن تضر بأي شركة طيران تابعة لبلد ما.
وقال ستريكلاند «ثمة غموض يكتنف علاقات تركيا مع مناطق أخرى في العالم ليس أقلها الولايات المتحدة. وهذا يخلق حالة من عدم اليقين».
ويمثل المطار أحد الانجازات الكبرى في طفرة الانشاءات التي شهدتها البلاد في عهد أردوغان على مدار 16 عاما، أشرف خلالها على إنشاء جسور وموانئ وخطوط سكك حديدية غيرت وجه البلاد.
وقد تعرض بعض من أكبر المشروعات للانتقاد باعتبارها إهدارا للمال، ومنها خطة إنشاء قناة موازية لمضيق البسفور طولها 40 كيلومترا.
ويتشكك بعض المحللين فيما إذا كان من الممكن تحقيق الهدف النهائي للمطار المتمثل في استقبال 200 مليون راكب سنويا وذلك في ضوء وجود مطار دولي ثان، هو مطار صبيحة كوكجن في الشطر الآسيوي من إسطنبول.
وقال محلل متخصص في مجال الطيران في شركة عالمية للوساطة المالية طالبا عدم نشر اسمه «يبدو غير واقعي أن نتوقع الوصول إلى أعداد الركاب هذه بسبب قيود المجال الجوي. فالمدينة فيها مطار آخر وثمة علامة استفهام على ما إذا كان من الممكن أن تتجاوز أعداد الركاب الإجمالية في المطارين 150 مليونا».

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.