المرء بلا إيمان أتعس الخلائق

إنّ اﻹيمانَ بالله حاجةٌ وضرورة، وتعلمُ هذا حينَ تُدركُ كما أدركَ المؤمنونَ ان اﻹيمان هو: أُسُّ الفضائل، ولِجامُ الرذائل، وقِوامُ الضمائر، وسندُ العزائمِ في الشَّدائد، وبَلْسَمُ الصبر عند المصائب، وعمادُ الرِّضا والقناعةِ بالمقادير، ونورُ اﻷمل في الصدور، وسكنُ النفوسِ إذا أَوْحَشَتْها الحياة، وعَزاءُ القلوبِ إذا نَزَلَ الموتُ أو قَرُبَت أيامُه، والعُرْوةُ الوُثْقَى بين اﻹنسانيةِ ومُثُلِها الكريمة.

ولا يخدعنَّك عن هذا مَن يقول إنّ مكارمَ اﻷخلاقِ تُغْنِي بِوازِعِ الضميرِ عن اﻹيمان؛ ﻷنّ مكارمَ اﻷخلاقِ التي تَواضَعْنا عليها للتوفيقِ بين غرائزِنا وحاجاتِ المجتمع لابد لها عند اعْتِلاجِ الشهواتِ في الشدائدِ واﻷزْمات أن تعتمدَ على اﻹيمان، بل إنّ هذا الشئ الذي نُسميِّه ضميرًا إنما يعتمد في حقيقتِه على اﻹيمان.

ولو تركنا مكارم اﻷخلاق جانبًا ونظرنا إلى حاجتِنا إلى اﻹيمان مِن حيثُ هو سَنَدٌ في الشدائد، وبلسمٌ للمصائب، وسكنٌ للنفوس، وعزاءٌ للقلوب، وعلاجٌ لشقاء الحياة، لوجدنا أننا عند فَقْدِ اﻹيمان نكون أسوأ حظًا في الحياة، وأدْنى رُتْبَةً في سُلَّمِ المخلوقات مِن أذلِّ البهائم،ِ وأضعفِ الحشرات،ِ وأشرسِ الضَّواري؛ فالبهائمُ تجوع كما نجوع ولكنّها في نَجْوَة مِن هَمِّ الرزق، وخوف الفقر، وكَرْبِ الحاجة،ِ وذُلِّ السؤال، وهي تلدُ كما يلدُ البشر، وتفقدُ أولادها كما يفقدون، ولكنّها في راحةٍ من هَلَعِ المَثْكَلَة، وجَزَعِ المَيْتَمَة، وهَمِّ اليتامى المستضعفين. وهي في أجسادِها تَلَذَّذُ نلْتَذّ، وتَأْلَمُ كما نألم، ولكنّها في راحةٍ مما يأكلُ القلوب، ويُقَرِّحُ الجُفون ويُقِضُّ المضاجِع، ويُقَطِّعُ اﻷرحام، ويفرِّق الشَمْلَ، ويخرب البيوت مِن المُهلِكات،ِ كالكذِب والحسدِ والنميمة والفِرْيَةِ والقَذْفِ والنفاقِ والخيانة والعقوق وكُفر النعمة ونكران الجميل.
وهي تعرفُ بنوعٍ مِن اﻹدراكِ ما يضرُّها وما ينفعُها لكنها في نَجْوَة من أعباءِ التكليف، وأثقالِ اﻷوزار، ومَضَضِ الشَّك،ِّ وكَرْبِ الحَيْرَة، وعذاب الضمير، وهي تمرضُ كما نمرض،ُ وتموتُ كما نموت، ولكنّها في راحةٍ من التفكير في عُقْبَى المرض، وفِراق اﻷحبة، وسكرات الموت، ومصير الموتى وراء القبور. والضَّواري تسفك الدماء لتشبع بلا سَرَف ولكنّها لا تسفِكُها أنَفًا ولا جَنَفًا ولا صَلَفًا ولا تَرَفًا ولا عُتُوًّا في اﻷرضِ ولا استكبارًا.

أمّا هذا المخلوق الضعيف ، اﻹنسان، فإنه لا علاجَ لشقائه إلّا باﻹيمان؛ فباﻹيمانِ يُسَكِّن اللهُ قلبَه، واﻹيمانُ هو الذي يقوِّيه، وهو الذي يُعزِّيه، وهو الذي يُسلّيه، وهو الذي يُنمِّيه، وهو الذي يُرضِّيه، ومِن دون هذا اﻹيمان يكونُ هذا اﻹنسان المسكين أتعسَ الخلائق، وأسوأَها حظًا، وأعظمَها شقاء،ً وأشدّها بلاءً، وأحطَّها رَتبَة، وأرذلَها مصيرًا.

لذلك كان حقًا علينا مِن باب الحاجةِ والضرورة، إن لم يكن مِن باب الحقّ والعبادةِ والتقوى، ومِن أجل سلامةِ عقولِنا، وسلامةِ قلوبنا، وسلامةِ ضمائرِنا، وسلامةِ إنسانيتِنا ومُثُلها العليا، ومِن أجل سلامةِ المجتمع، فحقٌّ علينا أن ندعوَا إلى اﻹيمان بالله وأن يُيَسِّرَهُ للعقول لتنشرحَ له الصدور.

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *