إن رحمة الله قريب…

قال تعالى: { إِنَّ رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ }يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ ثَوَاب اللَّه الَّذِي وَعَدَ الْمُحْسِنِينَ عَلَى إِحْسَانهمْ فِي الدُّنْيَا قَرِيب مِنْهُمْ . وَذَلِكَ هُوَ رَحْمَته ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنهمْ وَبَيْن أَنْ يَصِيرُوا إِلَى ذَلِكَ مِنْ رَحْمَته وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ كَرَامَته , إِلَّا أَنْ تُفَارِق أَرْوَاحهمْ أَجْسَادهمْ ; وَلِذَلِكَ مِنْ الْمَعْنَى ذَكَرَ قَوْله : { قَرِيب } وَهُوَ مِنْ خَبَر الرَّحْمَة وَالرَّحْمَة مُؤَنَّثَة , لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْقُرْب فِي الْوَقْت لَا فِي النَّسَب وَالْأَوْقَات بِذَلِكَ الْمَعْنَى , إِذَا رُفِعَتْ أَخْبَارًا لِلْأَسْمَاءِ أَجْرَتهَا الْعَرَب مَجْرَى الْحَال فَوَحَّدَتْهَا مَعَ الْوَاحِد وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيع وَذَكَّرَتْهَا مَعَ الْمُؤَنَّث , فَقَالُوا : كَرَامَة اللَّه بَعِيد مِنْ فُلَان , وَهِيَ قَرِيب مِنْ فُلَان , كَمَا يَقُولُونَ : هِنْد قَرِيب مِنَّا , وَالْهِنْدَانِ مِنَّا قَرِيب , وَالْهِنْدَات مِنَّا قَرِيب , لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : هِيَ فِي مَكَان قَرِيب مِنَّا , فَإِذَا حَذَفُوا الْمَكَان وَجَعَلُوا الْقَرِيب خَلْفًا مِنْهُ , ذَكَّرُوهُ وَوَحَّدُوهُ فِي الْجَمْع , كَمَا كَانَ الْمَكَان مُذَكَّرًا وَمُوَحَّدًا فِي الْجَمْع. وَأَمَّا إِذَا أَنَّثُوهُ أَخْرَجُوهُ مُثَنًّى مَعَ الِاثْنَيْنِ وَمَجْمُوعًا مَعَ الْجَمِيع فَقَالُوا : هِيَ قَرِيبَة , مِنَّا , وَهُمَا مِنَّا قَرِيبَتَانِ , كَمَا قَالَ عُرْوَة بْن الْوَرْد : عَشِيَّة لَا عَفْرَاء مِنْك قَرِيبَة فَتَدْنُو وَلَا عَفْرَاء مِنْك بَعِيد فَأَنَّثَ قَرِيبَة , وَذَكَّرَ بَعِيدًا عَلَى مَا وَصَفْت . وَلَوْ كَانَ الْقَرِيب مِنْ الْقَرَابَة فِي النَّسَب لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُؤَنَّث إِلَّا مُؤَنَّثًا وَمَعَ الْجَمْع إِلَّا مَجْمُوعًا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : ذُكِرَ قَرِيب وَهُوَ صِفَة لِلرَّحْمَةِ , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَب : رِيح خَرِيق , وَمِلْحَفَة جَدِيد , وَشَاة سَدِيس . قَالَ : وَإِنْ شِئْت قُلْت : تَفْسِير الرَّحْمَة هَهُنَا الْمَطَر وَنَحْوه.

﴿إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾

قال ابن تيمية “اختص أهل الإحسان بقرب الرحمة لأنها إحسان من الله -عز وجل- أرحم الراحمين، وإحسانه – تبارك وتعالى- إنما يكون لأهل الإحسان؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وكلما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته”.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.