العيد .. مهرجان التكبير

بقلم الأستاذ الشيخ سفيان أبوزيد

يأتي العيد في الاسلام بعد دورة مكثفة من التطهر والعبادة والتقرب والتصالح ومراجعة الاوراق…

دورة فيها بعد إيماني أظهر لك كفاءتك الإيمانية وقدراتك الروحية..
أذاقك لذة قد كانت مجهولة او غائبة او متغيبة عن حياتنا إنها حلاوة الانسجام مع هذا الكون الخاضع والمسبح لرب العزة والحكمة..
عشت أجواء من التقوى والقرب والتذلل بين يدي من بيده ملكوت السموات والارض..

لذلك ختمت الآية الاولى من آيات الصيام ب(لعلكم تتقون) وختمت الآية الاخيرة ب(لعلهم يتقون)

دورة فيها بعدها العقلي…
عرفت من خلالها قدراتك العقلية وإمكاناتك الفكرية في تدبر كلام الحكيم الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه…وفي التفكر في تلك الافلاك التي انتظمت في حركة كونية دقيقة بديعة ليقبل عليك النهار من هاهنا ويدبر الليل من هاهنا ليتم صيامك وتكمل فرحتك وتنال ثوابا هو يجزي به سبحانه…
ونبهتك الى مدى نفسك الطويل في القراءة وملازمة الكتاب إذ كنت تقرأ عشرات الايات القرآنية يوميا دون ان تتعذر بضيق الوقت او داء العزوف عن القراءة…

لذلك قال تعالى في آيات الصيام (وان تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)

دورة في بعدها الجسدي…
إذ كشفت لك عن قواك الجسدية في تحمل الجوع والعطش وترك بعض المباح الذي كنت مدمنا عليه لتترك كل الحرام فتكون حرا أبيا عزيزا لا يستطيع أحد على وجه الارض أن يستذلك او يستضعفك أو يأخذك من جهة ضعفك…
كشفت لك عن مدى تحملك لقلة النوم واغتنامك للممكن من الوقت في ما يفيد وينفع…
كشفت لك عن حمية جسدية آمنة نافعة ينبغي ان تمارسها بين الفينة والاخرى
كشفت لك عن نعمة وفرصة سانحة كانت غائبة او مجهولة قد عشت نعيمها خلال أيام معدودات…
لذلك قال ( ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)

دورة في بعدها الاجتماعي…
دفعتك الى التعرف على واقعك ومجتمعك في مهرجان تصالحي بين طبقات المجتمع غنيها وفقيرها…
فبعد ان عشت أياما من الجوع والعطش وتذكرت عناء قوم كتب عليهم الصيام طيلة سنتهم ختم صيامك بحملة تكافلية جماهيرية يشارك فيها الكبير والصغير والذكر والانثى…

لذلك قدمت آيات الصيام بأحكام الوصية والقصاص وختمت بالحديث عن الاموال…

هذا نزر يسير من تلك المعاني التي التقطناها في تلك الدورة المكثفة…

تختم تلك الدورة بمهرجان جماهيري

شعاره التكبير…

تكبير لذلك الرب الرحيم الحكيم الذي سخر لنا كونا بأكمله لتتحقق لنا مصلحة الصيام وشرع لنا شرعا منكها وممرغا في مسك اليسر ورياحين الرحمة

تكبير لمنهجه
الذي نظم لنا حياة شاملة لتلك الابعاد (الايماني.العقلي.الجسدي.الاجتماعي) دون ان يطلب منا الخروج عن فطرتنا البشرية ودون ان يطغى جانب على جانب…

تكبير لقدره وحكمته
الذي ما قدر شيئا أو حكم به إلا كان وراءه مصلحة قد تدرك بعد حين…

ذلك التكبير الذي يجعل جذع حريتك وعزتك راسخا شامخا لا تهزه أي ريح استذلال…

ذلك التكبير الذي تصرح من خلاله بروعة هذا الدين الذي أكرمنا الله به…

ذلك التكبير الممزوج بفرحة التتويج وسرور الوصول ونشوة الانتصار…

ذلك التكبير الذي ترك للمكبر المجال في التعبير به بأي صيغة شاء وبأي لفظ أحب لأنه تكبير نابع من شعور داخلي مندفع لا ينبغي أن تكبله حروف أو رسوم معينة…

الله أكبر الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر
ولله الحمد

إنه مهرجان العيد…

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.