لعلكم تتقون…

‌‏{لعلكم تتقون} {لعلهم يتقون}
وقد أظلتنا المنحة السنوية والنفحة الربانية، فاقبل علينا شهر رمضان الذي كتب الله علينا صيامه وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه حتى نحقق منه التقوى ونتحلى بها، قال الرازي: “الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى؛ فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا ورياستها، وذلك لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، وإنما يسعى الناس لهذين، كما قيل في المثل السائر: المرء يسعى لعارية بطنه وفرجه؛ فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين وخفت عليه مؤنتهما، فكان ذلك رادعاً له عن ارتكاب المحارم والفواحش ، ومهوناً عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى، فيكون معنى الآية: فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم” .
فليس المقصود من الصيام الجوع والعطش المجردين من تأثيرهما على المسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” ، والزور يشمل الكذب والجهل والسفه، وقد بين الله تعالى أن القصد من كل ما شرعه سواء في العقيدة أو الشريعة أن تصبح التقوى صفة لازمة للمسلم، ففي ست مواضع من القرآن يعقب الله تعالى على التشريع بقوله: [لعلكم تتقون] وفي ست مواضع أخرى بلفظ: [لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ]، ولذلك جاء الأمر بالتقوى والوصاية بها لكل من أرسل الله تعالى لهم الرسل فقال تعالى: ” [وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ] (النساء: 131)، وكانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه الأمر بالتقوى، فقال لأبي ذر: “اتق الله حيثما كنت” ، وعن العرباض بن سارية قال: “صلى بنا رسوله الله صلى الله عليه وسلم الصبح فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة…” ، وقال أنس رضي الله عنه : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أريد سفرا فزودني فقال : “زودك الله التقوى”..الحديث فأول ما بدأ به التقوى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا” وكان الأمر بالتقوى وصية الرسل لأقواهم فها هو ذا نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام كل منهم يقول لقومه: [ أَلَا تَتَّقُون ] وكانت وصية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد ذلك، فها هو ذا أبو بكر رضي الله تعالى عنه خطب في المسلمين فقال: “أوصيكم بتقوى الله”.
افتتحت آيات الصيام واختتمت بالتقوى ..‏ فمن صام الصيام الشرعي وحفظ جوارحه من خدش الصيام،وأدرك معاني الصوم فقد عاش التقوى وتحققت له.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.