تساؤلات حول معنى الوجود

الإنسان الذي يتولى مهمة تعمير الأرض والتحكم في جريان الأمور على ظهرها وتدحرجها، ويستفيد من عناصر العالم لتحقيق مصالحه الخاصة، فإنه بلا منازعة معمر الأرض وباني حضارتها: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ﴾ ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

فالإنسان ممكن في الأرض؛ يبني، ويغرس، ويحرث ما شاء الله، ينتفع بمنافعها، ويستغل مصالحها، وهو مع ذلك متيقن أنه سيغادر ذلك كله يوما من الدهر، وأنه سيرحل من وجوده في هذا العالم إلى وجود آخر مجهول لديه ومخوف.

أليس من الاحترام لوجودك أيها الإنسان أن تتساءل عن السبب الذي صار به وجودك في الكون ما هو، وأنت ترى أن لوجودك في العالم ارتدادات ونتائج لا تظهر ولا تقع أثناء حياتك الدنيا ؟

ألا يعطل معنى وجودك ويهينه اعتقاد أن لا غاية له ينتهي إليها، ولا مسؤولية عليك في شيء مما جلبته أو جنيته في الوجود؛ مع كونك عاقلا واعيا لما تأتي أو تذر ؟

فعلى العاقل أن يطرح على نفسه هذه القضية لتحليلها، فإنه متى خاض فيها بموضوعية وعقلية انتهى إلى نتيجة حتمية هي أن حركة هذا الكون مآلها السكون، وأن كل مرتفع فيه فنهايته الانهيار لا محالة، وأن ليس من المتصور أن يكون ذانك السكون والانهيار هما نصيب سكانه من وجودهم فيه، فلا بد وأن يكون من ورائهما امتداد لما جرى فيه، ولولا ذلك لصار كل ذلك ضربا من العبث الذي ليس وراءه طائل، ولا استخفاف للإنسان ووجوده أكبر من قول كهذا.

ثم بعد تحصليه لهذه النتيجة يغرمه سؤال آخر هو: ما هي الغاية من وجود الإنسان في هذا الكون ؟ وما السبيل والوسائل لتحقيقها ؟

فبقدر قدرة الإنسان على الإجابة عن هذه التساؤلات يكون نجاحه في حياته الحقيقية؛ إذ له حياتان: حياة جسمية مادية، هو فيها كغيره من الحيوانات. وحياة روحية معنوية، هو بها إنسان مفضل مكرم، فمن حسب أن نجاحه في الأولى دون الثانية هو الغاية من وجوده، فهو حيوان يغالب حيوانا؛ لا غير.

ومثل هذا الصنف خاطب القائل بقوله:

يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته — لتطلب الربح مما فيه خسران

أقبل على النفس واستكمل فضائلها — فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.