التَدّين الشّكَلي

بقلم : توفيق دبوان

على أي حال من الأحوال يبقى المُتَديّن الشكلي دون المعاملة المصاحبة للفعل عاجز أن يصل قيم الدين وأصوله التي تسعى لإصلاح الفرد مع ربه ، ومع مخلوقاته ، ويبقى الأهم ، والأكثر أهمية علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان .

فقد تجد شخص يفهم أن الدين منطويا في زاوية مجسد يقرأ ، يصلي ، يفهم أن الدين شكلا ، لحية ، ثوبا ، وإن كانت هذه مستحبه وسنة ، لكنه لا يرى سنة في كيف يصنع معروفا لأحد لا يتبعه ؟ ولا يرى أن الدين المعاملة! حتى يكسب خير سنة الشكل ، وخير سنة الفعل !

وهناك شخص آخر سعى ليرسم بسمة في فم يتيم ، أو يقضي حاجة لمحتاج ، أو يعين منكوبا، فهذا الأخير هو الأكثر تأثيرا وأثراً وخيراً ،لأنه حول ما يقوله الإسلام الى واقع عملي ، والأول أبقى الدين في الواقع النظري .

فقد تجد من يتقمص شكل الدعاة المصلحين مظهراً لا جوهراً ،ولا يقل عن المشبه به ، وهذا لا عتب فيه إن تشبه ، ولكن يكون الضَيّر عندما يتشبه به ، ويخل بسلوكه ، ويظهر نفسه أنه أصبح ذو شأن كبير وغيره هم في مسلك الشيطان ليس إلا أنه رأء أن هذا لا يتبع ما يقوله شيخه فلان ، وفي حقيقة الأمر لم يجد إلا نفور الناس منه .

قد تجد شخص لا يفهم من أمور الدين الشيء الكثير ولكنه أكثر نفعاً ومنفعةً للناس ، تجد في سلوكه واقعاً قول الحبيب “خير الناس أكثرهم نفعا للناس “*
وفي المقابل هناك من يفهم من الدين الشيء الكثير وتجده محتال في تصنيفه للناس ، وحكمه عليهم بالظواهر فكل ما سواه على باطل ، وكل ما قيل دون نهجه الذي يريده فهو رد ، ثم يأتي للناس برداء فهمه للدين كي يلبسهم ما يشاء ، ويجردهم متى ما شاء، فهو من يحدد المُصْلح من المُفسد ، والمُحِق من المُبْطل .

فلذا لا غرابة عندما تجد أكثر الناس رهبة من المتدين الشكلي الذي لا يفهم شيء ، وإن فهم فهو متزمت لا يستطيع أن يصل رسالة، فهو إما شخص تَديّن ولا يتقن أسلوب الدعوة ولو الشيء اليسير ، وإما متّدين يُريد أن يفرض على الناس ما يراه صحيحا ضاربا كل شيء يخالف توجهه ، دونما أن ينظر إلى أن الدين لم يعد حكرا على طائفة ، فدين محمد تفرع الى خمس مذاهب وكلهم يصبون إلى نفس المورد ، وهذا ما يعني أن هناك خلاف في الإجتهاد والقياس لا يخل بأصول الدين وفروضه وأركانه .
إن الدين عند الخوارج كان تدينًا في الشكل فقط، أخذوا الشكل دون المضمون، فأصبح تدينًا لا قيمة له، فالرسول قال عنهم: “يمرقون من الدين” فالدين لا يجاوز حناجرهم، ولم يتعمق في نفوسهم.

فالتدين الشكلي لمن لا يفهمون فقة التوجه ، وأسلوب الدعوة التي يريدها الإسلام على القواعد القرآنية “بالتي هي أحسن ” “وقل له قولا لينا “، هو ما يجعل أكثر المتديين لا يستطيعون أن يغييرو مجتمعا يعيش في وحل الرذيلة والفسوق.

فلذلك يتوجب الأمر على من يريد أن يغيير مجتمعا، أن يعدّ دعاة فعل ، لا دعاة شكل ، وأن يتحلى كل داعية لغة اللين ، والطريقة التي تكسب القلب قبل أن تخاطب العقل ولاسيما في المجتمعات الأُميّة ، وبعدها سيسهل الخطاب الذي يصفي الأرواح ، ويخرجها من واقعها البعيد عن الله.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.