غزة تناديكم.. ففروا إلى الله

ياسر سعد الدين

ما يحدث في غزة غير مسبوق، لا في التاريخ الحديث ولا القديم. هل مر في التاريخ حصار لشعب أعزل في منطقة جغرافية ضيقة، ثم يجتمع ويجمع على البطش فيه أبالسة العالم وأكابر مجرميها ليقصفوه بأحدث ما أنتجته التقنية العالمية ليل نهار بلا توقف ولا كلل لأشهر طوال؟

كيف سيصف التاريخ ما يحدث في غزة من انهيار في المنظومة الأخلاقية العالمية ومن تواطؤ حكام عرب ومسلمين مع المعتدي ومن تخاذل آخرين؟

في غزة إجرام لا مثيل له وسقوط للقيم الأخلاقية الغربية قل نظيره، تدعم واشنطن الصهاينة في إجرامهم بالسلاح والتغطية السياسية في مجلس الأمن، ثم يتحدثون عن معاناة أهل غزة والحاجة لفتح معبر رفح والضغط على مصر لتفعل ذلك. يريدون شراء الوقت حتى تنجح “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” في إفناء أهل غزة وتهجير من بقي منهم على الحياة.

كيف سيصف التاريخ ما يحدث في غزة من انهيار في المنظومة الأخلاقية العالمية ومن تواطؤ حكام عرب ومسلمين مع المعتدي ومن تخاذل آخرين؟ إن ما يقع من معاناة في غزة لو نزل في أهل الأرض لأوجعهم وأرهقهم. لله درك يا غزة، إن الصبر الذي رأيناه فيك وفي أهلك الكرام الكبار والجلد ليسع البشرية كلها. سيكتب التاريخ أن رجال غزة ونساءها وأطفالها نهضوا ليدافعو عن مقدسات جميع المسلمين ويذودوا عن كرامتهم والتي أهدرت مرات ومرات، فما وجدوا من أمتهم ناصرا ولا معينا؟ أيعقل أن يموت أطفال غزة جوعا وفي شعوبنا من ينتظر طويلا ليحصل على موعد لقص المعدة ولمعالجته من التخمة؟ ولماذا أُنفقت تريليونات الدولارات على تسلح جيوش عربية وإسلامية ولتقبع الشعوب في مستنقعات الفاقة ومنحدرات الفقر؟ ما هي مهمة الجيوش العربية والإسلامية ومن أين وكيف ولماذا حصل قادتها على تلك النياشين التي تثقل صدورهم؟ فيما تلك الجيوش لا ترد عدوا ولا تسند صديقا وتعجز عن أن تدافع عن كرامة أمة أو تصون مقدساتها.

إن ما يحدث في غزة أمر جلل وله تبعات خطيرة وكبيرة، ستظهر نتائجها تباعا وربما لعقود أو قرون قادمات. الأنكى والأدهى من ذلك أن العرب ما زالو يتكلمون عن السلام مع مجرمي الحرب ممن يشنون حرب الإبادة على غزة وأطفالها ونسائها ومساجدها ومدارسها بل وجميع مظاهر الحياة فيها. لو انتصر الصهاينة لا قدر الله، فسيكون منطق السلام معهم هو منطق السادة والعبيد، والاستعلاء والصغار.

يريد الصهاينة من خلال حرب غزة والموقف الغربي المتواطئ معهم أن يفرضوا علينا حقائق جديدة لتصبح من المسلمات، الشعوب العربية والإسلامية لا قيمة لها بل هي مجرد أرقام وقوانين حقوق الإنسان وحفظ كرامته البشرية لا تنطبق عليهم. إنها فلسفة شعب الله المختار والجوييم الموجودة في توارتهم المحرفة والتي يطبقونها واقعا يوميا نراه ونلمسه ومنذ بدء طوفان الأقصى بل ومن قبله.

إن واجبنا وعلى المستوى الفردي في نصرة غزة يستوجب منا المساهمة في التخفيف عن معاناة كبيرة للغاية لشعب يقاتل نيابة عن جيلنا وأجيال سبقتنا ورثتنا الذل والصغار وبلاد محتلة ومقدسات مباحة.

في المفهوم الدنيوي يجب علينا مناصرة غزة لكي نتجنب حياة الذل والاستعباد ولتجنب فاتورة الدم المثقلة بمعاناة غير مسبوقة كالتي يقدمها أهل غزة نيابة عن أمة الرقص والطرب والمهرجانات والعبث واللهو والتطبيع المهين. في المنطق الإسلامي خذلان أهل غزة جريمة ونصرتهم واجبة وفريضة. إننا نحتاج وعلى المستوى الفردي أن نتغير وأن تتغير حياتنا، فلا يليق بنا أن نرى صورا مؤلمة ومبكية من غزة تقطع نياط القلب ثم نعود لسهراتنا وأفراحنا ومسابقاتنا وحياة المرح والدعة وكأننا نعيش في كوكب آخر.

إن واجبنا وعلى المستوى الفردي في نصرة غزة يستوجب منا المساهمة في التخفيف عن معاناة كبيرة للغاية لشعب يقاتل نيابة عن جيلنا وأجيال سبقتنا ورثتنا الذل والصغار وبلاد محتلة ومقدسات مباحة. علينا أن نفر إلى الله سبحانه وتعالى، نفر من ظلم العالم المتوحش وبؤسه وكذبه ونفاقه وشذوذه السياسي والأخلاقي والقيمي، نفر إلى الله من ظلمنا لأنفسنا ببعدنا عن المنهج الرباني، وباستغراقنا في لذات الحياة الحلال منها والمحرم. ماذا سنجيب الله سبحانه وتعالى حين نقف بين يديه عن غزة وما فعلناه لنصرتها ولرد الظلم عنها؟ إن أضعف الإيمان الرفض القلبي والتعاطف والاهتمام والذي ينبغي أن يغير من طريقة حياتنا ومنهجنا في التفكير. وإذا كنا عاجزين عن الوقوف المادي مع شعب مسلم عربي يباد ويجّوع ويتعرض لأبشع الجرائم وأحطها وأحقرها، فلا أقل من نتضرع إلى الله ونكثر من الاستغفار والدعاء والخلوة مع الدعاء والإنكسار: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) ]الأنعام: 42[.

في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له”. فيا أيها المقهورون من الظلم، ومن الخيانات، ومن النفاق العالمي، فروا إلى الله. فروا إليه في الأسحار، تضرعا وانكسارا ودعاء واستغفارا نصرة لغزة، ونصرة لأنفسنا من التخاذل، ولعل الله سبحانه وتعالى لا يهلكنا أو يؤاخذنا بما السفهاء منا، وما أكثرهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

ياسر سعد الدين

شاهد أيضاً

شاهد.. أميركي ذهب لنصرة غزة ضمن أسطول الحرية فأشهر إسلامه في إسطنبول

وثق مقطع فيديو لحظة إشهار ناشط أميركي إسلامه أثناء انضمامه لأسطول الحرية الذي من المقرر أن ينطلق من إسطنبول إلى قطاع غزة مساء غد الجمعة 26 أبريل/نيسان 2024.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *