وقفات.. مع محبة الله تعالى


هناء جادو

تعبت بالفعل من البحث عن السعادة، وظننت بداية أنني سأجدها في الأشياء الممتعة اللذيذة، لكن البحث عن اللذة جعلني أكثر شقاءا. فدائما هناك المزيد الذي اشتهيه. أحصل عليه بعد جهد ثم تنتهي لذته وأشعر بالشبق لها أو لغيرها مرة أخرى. لا أكتفي. أتوقف قليلا ثم تعود الرغبة مرة أخرى. تستعبدني رغباتي وتطلعاتي ولا مجال لإيقافها. ألهث خلفها وأتعذب بها.

لقد ظننت أنني بهذا أسعد نفسي ولكن اكتشفت أن السعادة ليست في البحث عن لذة فأخرى، فهذا لن ينتهي بل كلما تحصل على قدر منها تزداد جوعا ورغبة. السعادة ليست في اللذة التي تشعر بها بالحواس مثل الطعام والنزهات والموسيقى والرقص والضحك والعب.

الاستغراق في البحث عن الاستمتاع بالأمورالمادية مثل لذة الطعام والشراب ومتعة الشراء وركوب أحدث السيارات وأجمل البيوت، ولا تفهموا مني أن هذا مرفوض ولكن يجب ألا يكون له موقع المركز من قلبك.

إن السعادة مصدرها الحقيقي داخلي. ورزقني الله أن عرفت الطريق عندما قرأت هذا المقطع عن ابن القيم الجوزية: “إن في القلب شعث: لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن: لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وفيه فاقة: لا يسدها الا محبته ودوام ذكره والاخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا”.

فعلمت أن محبة الله هي الطريق لتحقيق الحياة الطيبة في الدنيا والخلود في النعيم المقيم في الآخرة، وأن القلب لا يسكن ولا يستريح إلا عندما تكون محبة الله متمكنة من مكان المركز منه. لكن هناك عوائق الآن أمام إشراق هذه المحبة في القلوب، مثل:

الاستغراق في البحث عن الاستمتاع بالأمورالمادية مثل لذة الطعام والشراب ومتعة الشراء وركوب أحدث السيارات وأجمل البيوت، ولا تفهموا مني أن هذا مرفوض ولكن يجب ألا يكون له موقع المركز من قلبك.
الانشغال بالشاشات عموما مثل متابعة التفاهة أو الأفلام والمسلسلات أو الفيديوجيم وما قد تجلبه أيضا من شبهات عقيدية أو ذنوب إباحية وغيرها.
انشغال الأهل بالعمل والدنيا عن تعريف أبنائهم بالله وتحبيبهم فيه، فينشؤون بعيدين تماما عن الاتصال بالله وغارقين في أمور الدنيا.
كثرة الاستماع للغناء حتى لو كانت كلماته جميلة وغير مصحوب بمشاهد سيئة. فلقد أقر أهل العلم أن الموسيقى (لشدة تأثيرها على النفس والروح) تشبه العطر القوي جدا الذي يمنع مستقبلات الشم عندك من إدراك والتفاعل مع أي عطر ألطف وأخف منه. ومثل مستقبلات التذوق، فإن تذوقت السكر المصنع عالي التركيز، يستحيل عليك أن تتذوق حلاوة الفاكهة الطبيعية، مع العلم أن السكر المصنع وإن كان أكثر لذة إلا أنه شديد الضرر وسكر الفاكهة الطبيعي خفيف لطيف شديد المنفعة. نفس الحال لمن يكثر الاستماع للموسيقى فسوف لا يستشعر ولا يتجاوب مع القرآن شعورا أو تلذذا أو رغبة في الاستجابة لحلاله وحرامه.
عرفت أن الإكثار من الملذات والمباحات تورث ضعف الهمة والفتور كما أنها تورث قسوة القلب فلا يتأثر بكتاب الله ولا تشف روحه ليستشعر الوصال بالله. لقد تعبت من هذا الحال، وضاق صدري وأريد أن أعالج قلبي. فأنا بحاجة إلى:

رسم طريقة لنفض المادية والإسراف في المتعة والذنوب عن قلبي.
فتح عين البصيرة وبناء جسور الحب بيني وبين الله.
أن يكون الحب حيا قويا يقود السلوك إلى الالتزام بالطاعة والبعد عن المعصية.
كيف يكون الحب حبا بدون بذل، كما قال السابقون: (إن محبة بغير إنفاق، هي نفاق) والإنفاق ليس مالا فقط وإنما سلوك يرضي المحبوب وتقرب منه وتشبه به. وإن كان مع الله تعالى فهو أولى. علي أن أبذل جهدا في طاعته والصبر عما يغضبه من معاصي، خاصة عندما أعلم أن طاعة الله هي الاختبار الذي يجب أن أنجح فيه حتى أنعم برضا الله وجنته.
الحب شعور وليس شيئا ماديا يمكننا أن نحضره ونملأ به قلوبنا. ولكن لإحلال الحب في القلب طريق. تعهد الله لمن يقبل على محبته أن يصل.

فإذا علمت أن كل أوامر الله تهدف إلى ما فيه صالحي وكل ما ينهاني عنه فيه ضرر لي. فعلمت أن شريعته دليل محبة لنا. ولقد تتبعت أثر كل حرام فوجدت أن العلم قد أثبت ضرره، وتتبعت كل أمر فوجدته قد ثبتت فوائده. فأصبحت أعرف أن الشريعة دليل محبة من الله لنا فزاد حبي له.

ما أعظمه من إله يهدينا ويرشدنا لحياة طيبة في الدنيا ويكافئنا أيضا على الالتزام بما يصالح أمرنا بجنة عرضها السماوات والأرض. نعم لقد ثبتت لدي الآن الفكرة أنه في البداية لابد أن أسعى لمحبة الله أولا.

وبعد أن استقرت تلك الأفكار برأسي تغير حالي، ولاحظت ما يلي:

أصبحت أترفع عن سفاسف الأمور.
وجدت السعادة والأنس بذكر الله.
أصبحت أحب أن أتحدث مع الناس عن الله وأحببه إليهم.
أجد الراحة في طاعته.
أقبل على الطاعات وأنفر من المعاصي.
أصبحت أكثر قدرة على ضبط العواطف ومشاعر الحب في اختيار الأصدقاء وحب الأشياء والأوقات والأماكن وفق ميزان الله تعالى.
معرفة قيمة الوقت وعدم التسويف.
أصبحت في شوق للقاء الله تعالى.
والأمر ليس سهلا، لكن كيف نحقق تمركز محبة الله في قلوبنا؟

لا يمكنك أن تحب من لا تعرف، لهذا فعلينا أن نتعلم أسماء الله وصفاته ومدارسة كلامه (القرآن)

الحب شعور وليس شيئا ماديا يمكننا أن نحضره ونملأ به قلوبنا. ولكن لإحلال الحب في القلب طريق. تعهد الله لمن يقبل على محبته أن يصل.

ستحتاج إلى قطع روافد المادية الشديدة. قطع الاستمتاع بالمحرمات، وإيقاف المبالغة في الاستمتاع بالمباحات، شيئا من صبر ووسطية. لا نقول حرمان كامل ولكن لا تنفق وقتك كله بحثا عن المتعة، قل لنفسك لا، دربها على القبول للقليل.

ثم لا يمكنك أن تحب من لا تعرف، لهذا فعلينا أن نتعلم أسماء الله وصفاته ومدارسة كلامه (القرآن) ويلخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطريق لبلوغ محبة الله في الحديث التالي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قال (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.

سأحول هذا الحديث لإجراءات أتدرب عليها وأرتقي بها حتى أصل للمقام المأمول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *