الحرب على غزة: لماذا تكون حماس قد “انتصرت بالفعل” على إسرائيل؟

نشر موقع “ميدل إيست آي” مقالا بعنوان “الحرب على غزة: لماذا ربما تكون حماس قد انتصرت بالفعل؟” للكاتب الإسرائيلي، ريتشارد سيلفرشتاين، أكد فيه أن “حماس” ليست مجرد كيان عسكري، بل تقدم نفسها كحركة نضال الفلسطيني، وأنه لا يمكن أبدا القضاء عليها. واعتبر أن “حماس” انتصرت في الجولة الأخيرة في الصراع، بعدما دفعت تل أبيب ثمناً باهظاً في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما تبعه من خسائر في جنودها واقتصادها وغضب شعبها المتصاعد ضد حكومة بنيامين نتنياهو التي بدأت في الانهيار.

وقال الكاتب الذي يقدم نفسه كـ”صهيوني تقدمي ناقد”، إنه في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شنت “حماس” عملية جريئة “غزت فيها جنوب إسرائيل واحتلت عدداً من البلدات والكيبوتسات”، مما أسفر عن مقتل 1140 شخصاً، وهو الهجوم الجوي والبري والبحري الذي يوصف بأنه كان “منسقا بعناية”، وأذهل إسرائيل والعالم.

وبحسبه فالهجوم جاء بعد أكثر من عام من التخطيط والتدريب، وتمكن فيه ألف مقاتل من اختراق الدرع الدفاعي الذي تبلغ قيمته مليار دولار، والذي أقامته إسرائيل بشق الأنفس حول غزة على مدى عقد من الزمن أو أكثر.

وأكد أن الهجوم أظهر للجميع أن كل التكنولوجيا المتطورة في العالم يمكن هزيمتها بواسطة قوة حرب عصابات صغيرة تستخدم تكتيكات المراقبة والتخطيط والاحتشاد في ساحة المعركة، وفق التحليل، الذي يقول إن “حماس” نجحت من خلاله في انتهاك الإجراءات الأمنية التي اعتقد الإسرائيليون أنها غير قابلة للاختراق، وحطم كل الافتراضات التي قدمتها المخابرات العسكرية الإسرائيلية بشأن الحركة الفلسطينية.

أدى الغزو الإسرائيلي الدموي إلى تدمير التصورات العالمية عن إسرائيل، فبدلاً من أن يُنظر إليها على أنها دولة ديمقراطية ومبتكرة تكنولوجية، أصبح العالم الآن ينظر إليها باعتبارها نظاماً متعطشاً للدماء ويمارس الإبادة الجماعية

وأشار إلى أن جهاز “الشاباك” والجيش الإسرائيلي اعتقدا بشكل “متعجرف”، أن “حماس” لديها الكثير لتخسره حتى تتمكن من شن عملية كبرى ضد إسرائيل؛ وأنها كانت مهتمة بالحفاظ على حكمها لغزة أكثر من خوض الحرب، مضيفا: “لقد كانوا مخطئين تمامًا في ذلك”.

وأكد أن إسرائيل وحصارها المستمر منذ 17 عاماً لغزة أدى إلى يأس سكان القطاع، ولا يرى معظمهم أي أفق للأمل في حياة أفضل ومستقبل أفضل، فهم يعيشون، ولكن في معاناة الآخرين.

وتابع: “لقد كانت تلك الهجمات بمثابة تمرد ضد القدر، وإعلان بأن الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن التكاليف الباهظة، سوف يحارب مضطهديه، رغم أن العالم فقد الاهتمام بفلسطين، خاصة بعد اتفاقيات أبراهام، مع 4 دول عربية أعلنت في السابق ولاءها للقضية الفلسطينية”.

ولفت إلى أنه حتى هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تتودد إلى السعودية للانضمام إلى الاتفاقيات، “لكن حماس حطمت أحد الإنجازات الإقليمية القليلة التي حققها بايدن”.

وأكد أن الهجوم جعل الفلسطينيين يحتلون مركز الصدارة مرة أخرى، وأجبروا العالم على مواجهة محنتهم، بل والمطالبة بحقوقهم، وذكر الجميع بأن الفلسطينيين صامدون ولن يرحلوا بهدوء.

وأضاف: “لقد أدى الغزو الإسرائيلي الدموي، الذي كلف حياة أكثر من 22 ألف فلسطيني (وأكثر من ذلك كل يوم)، إلى تدمير التصورات العالمية عن إسرائيل، فبدلاً من أن يُنظر إليها على أنها دولة ديمقراطية ومبتكرة تكنولوجية، أصبح العالم الآن ينظر إليها باعتبارها نظاماً متعطشاً للدماء ويمارس الإبادة الجماعية”.

وتابع “لقد تغلبت حماس مرة أخرى على السلطة الفلسطينية باعتبارها حاملة لواء القومية الفلسطينية، ففتح الآن ليست أكثر من مجرد متعاون فاسد مع العدو الإسرائيلي، ونجحت حماس في تذكير الفلسطينيين بأن المقاومة المسلحة، مهما كانت التكلفة، هي كل ما يفهمه العالم”.

واعتبر الكاتب أنه من تداعيات الهجوم كذلك، تعزيز حماس يد إيران وما يسمى “محور المقاومة” التابع لها، والذي شن هجمات ضد المصالح العسكرية والتجارية الأمريكية والإسرائيلية، من العراق إلى اليمن.

وبرأي الكاتب فرغم أن الولايات المتحدة لا ترغب في الانجرار إلى صراع إقليمي طويل الأمد، فإن دعمها الثابت لإسرائيل أدى حتماً إلى جرها إلى ما تسعى إلى تجنبه، وإذا كنت لا تريد أن ينجر إليك حليف يسعى وراء اهتمامات لا تشاركه فيها، فيجب أن تجعله على دراية بحدود العلاقة، مضيفا: “رفض بايدن ذلك بتكلفة سياسية”.

وأكد أن دعم بايدن للإبادة الجماعية الإسرائيلية، يقدم احتمالا حقيقيا للغاية بإمكانية إخراجه من البيت الأبيض في عام 2024، واستبداله برئيس لن يدافع عن إسرائيل فحسب، بل سيشجع أخطر مغامراتها العسكرية، في إشارة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب.

وأضاف: “كان الهجوم على إسرائيل بمثابة إشعار بأن لا حماس، ولا الفلسطينيين بشكل عام، يؤمنون بوهم حل الدولتين، الذي طالما استمر العالم في دعمه كحل سحري، ولكن حماس كشفت كذبها”.

كان الهجوم على إسرائيل بمثابة إشعار بأن لا حماس، ولا الفلسطينيين بشكل عام، يؤمنون بوهم حل الدولتين، الذي طالما استمر العالم في دعمه كحل سحري

كما أن الفلسطينيين لا يتوقعون الكثير من الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، وهم يعلمون أن لا أحد على استعداد لإنفاق رأس المال السياسي اللازم للتغلب على المقاومة الإسرائيلية.

ويزعم الكاتب أنه “بكل المقاييس القياسية للصراع المسلح، فإن إسرائيل تكسب حربها ضد غزة، بعدما قتلت ما يقدر بنحو 8 آلاف من مقاتلي “حماس” من أصل 30 ألفا، والقضاء خلال ما يقرب من 3 أشهر، على أقل من 25% من قوات “حماس” العسكرية”.

وأضاف: لقد دمر الجيش الإسرائيلي أميالاً من أنفاق حماس، لكنه لم يقترب من القضاء على 300 ميل من هذه المعاقل تحت الأرض، وهو يرفض إرسال جنوده إليها لأن التكاليف ستكون باهظة.

وتابع: فرضت إسرائيل الحصار لمعاقبة الفلسطينيين في غزة وللضغط على “حماس”، لجعل الحياة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، وهي تتمتع بالسيطرة الفعلية على الأرض والبحر والجو المحيط بالجيب، وهي تعمل في كل مكان بحرية نسبية.

وبحسب الكاتب فـ”رغم هذه المكاسب العسكرية، فهي لا تزال تخسر الحرب، وبتكلفة باهظة، وهو مقتل 500 جندي إسرائيلي وإصابة أكثر من 5000 آخرين، والعديد منهم يعانون من بتر الأطراف وغير ذلك من الإعاقات الخطيرة”.

وكتب: كما أنه قد يكون من غير البديهي أن نقول هذا، لكن لا توجد طريقة تستطيع بها إسرائيل أن تفوز بالحرب التي بدأتها، وكل ما على “حماس” أن تفعله لكي تفوز هو البقاء، وأنه كثيرا ما ردد نتنياهو أن هدف بلاده هو القضاء على “حماس”، وقد أضاف بايدن دعمه الخاص لهذا الهدف، ولكنه لن يتحقق على المدى المنظور على الأقل.

وتابع: “يدرك القادة الإسرائيليون أن هناك طريقة واحدة فقط للقيام بذلك، وهو القضاء على سكان غزة بالكامل أو طردهم”.

وزاد: لم تقم وزارة الاستخبارات بإصدار خطة للقيام بذلك من خلال طرد الفلسطينيين إلى صحراء سيناء فحسب، بل سافر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أيضًا إلى الشرق الأوسط لعرض الخطة التي أعدتها إسرائيل على مصر والأردن، وهم بدورهم رفضوا ذلك رفضا قاطعا.

وأضاف: نشر اثنان من أعضاء الكنيست الإسرائيليين في صحيفة “وول ستريت جورنال”، خطة لطرد جميع الفلسطينيين في غزة إلى الدول العربية والإسلامية في المنطقة، لم يتم تلقي ذلك بشكل أفضل أيضا.

وشدد الكاتب: “لن تقضي إسرائيل على الفلسطينيين من غزة مثلما لن تستطيع أن تقضي على حماس، فكل الأحاديث التي يجريها نتنياهو وبايدن هي مجرد ثرثرة ووعود لا يمكن الوفاء بها..هذا جزء من مأساة هذا الصراع، فلا أحد يتحدث بوضوح وصدق، ولدى الجميع أوهام مفادها بأن حماس سوف ترضخ بطريقة أو بأخرى، لأنه لا بد من ذلك”.

وأكد “لكن حماس لا ترضخ، وهي مستمرة في المقاومة، ولا شيء يمكن أن يوقف هذا بغض النظر عن الأكاذيب التي قيلت، التي كلما زادت، قلت ثقة العالم في أي شيء تقوله إدارة بايدن أو إسرائيل”.

وشدد “حتى لو نجحت إسرائيل في التطهير العرقي لغزة، فإنها لن تنهي الصراع، فحماس ليست مجرد كيان سياسي أو عسكري، بل هي حركة تهدف إلى تعزيز حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، ولا يمكن قتل مثل هذه الحركة، وإنما محاربتها فقط”.

حتى لو نجحت إسرائيل في التطهير العرقي لغزة، فإنها لن تنهي الصراع، فحماس ليست مجرد كيان سياسي أو عسكري

واستطرد “الحركة لا تزال قادرة على البقاء، وهذا يعني فشل إسرائيل وتآكل ردعها العسكري في مواجهة منافسيها الإقليميين، وهذا من شأنه أن يشجع أعداءها على تكثيف المقاومة المسلحة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، داخل غزة أو خارجها”.

واعتبر أنه “قد تتمكن من هزيمة حركة ما في ساحة المعركة، أو القضاء على مقاتليها وقتل أنصارها، لكن لا يمكنك القضاء عليها”.

وأمام كل ذلك، أكد الكاتب أن إسرائيل دفعت ثمناً باهظاً لهذا “النصر”، إذ تخسر ما معدله 10 جنود أسبوعياً، وفي الشهر الماضي، قُتل 10 جنود في معركة واحدة بعد تعرضهم لكمين نصبه مقاتلو “حماس”.

وقال “كما قتل الجيش الإسرائيلي أسراه في معاركه ضد “حماس”، وفي إحدى الحالات أطلق النار عن طريق الخطأ على 3 أسرى فروا من خاطفيهم، وهو ما أثار ضجة بين عائلات الأسرى، وأجج الغضب في جميع أنحاء إسرائيل”.

وأضاف: يتظاهر الآلاف أمام مقر قيادة الجيش في تل أبيب، بشكل دوري، واتهم شقيق أحد الأسرى المقتولين الجيش الإسرائيلي بإعدامه.

ومن التداعيات كذلك، حسب الكاتب، هو أن الجبهة الموحدة التي أقامها الإسرائيليون منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بدأت في الانهيار، وبات نتنياهو، الذي كان حكمه في حالة من التوتر بالفعل قبل هجوم حماس، في موقف أكثر خطورة.

وختم بالقول: “أمام ذلك، يفضل نتنياهو محاولة إطالة أمد الحرب لتجنب غضب الناخبين الإسرائيليين، الذين يريد معظمهم رحيله”.

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *