الدين حركة لا خمول

– قرأت حديث أبي هريرة المشهور الذي سأل فيه النبي أصحابه:
مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ.
قرأت هذا الحديث فوقع في نفسي معنى أسأل الله صوابه.
وقع في نفسي أن الأعمال الأربعة التي في الحديث، ثلاث منها للناس وواحدة لنفسه..
ثلاث منها حركة للدين في عالم الناس، وواحدة يتقوى بها على طاعة ربه فيما بينه وبين نفسه..
الصيام عبادته الخاصة… والجنازة وعيادة المريض وإطعام المسكين عامة..
كأنه يقول لك:
ليس كل العبادات مصاحف وصيام وصلاة… إنما العبادة الحركة للدين، والسعي على الأرملة والمسكين، وتفقد أحوال المسلمين..
وما تفعله من صلاة وصوم… إنما هو شحن لقلبك حتى يتحمل متاعب القوم!!
فلو عكف العابد على مصحفه ومصلَّاه، من الذي سيوصل للمجتمع صلاحه وهداه؟!
لذلك لم يكن غريبا علي أن أعلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في حجة الوداع مائة وأربعة وعشرين ألف صحابي، دفن منهم في الجزيرة العربية عشرة آلاف بينما بقيتهم ماتوا ودفنوا في أصقاع الأرض بعدما ذهبوا إليها دعاة وهداة ومجاهدين..
ولو كان مبتغاهم من العبادة مصحفا ومسجدا فقط لكان المسجد الحرام والمسجد النبوي أولى بهم وأحب إلى نفوسهم.
الدين حركة، الدين سعي، الدين بناء، الدين إصلاح… والصلوات شواحذ للهمم على فعل ذلك.
“يا أيها المزمل” هدفها “إن لك في النهار سبحا طويلا”
ولو لم يفهم ذلك كل مزمل لاستمر انحدار أصحاب كل نهار.
ليت الذين يبحثون عن مرضاة الله يفهمون أن حروف المصاحف إن لم تتحول في نفس صاحبها إلى غيرة على الدين، وهداية للحيارى التائهين، وإيصالا لحقوق المساكين، إن لم تتحول لذلك ففهمهم قاصر، وحظهم من المرضاة قليل.
رؤي الإمام الجويني في المنام بعد موته في حال حسنة، فقيل له: بم نلت هذه المنزلة؟
فقال: بالفاتحة علمتها امرأة من عجائز نيسابور!!
سبحان الله!!
كأن الذهاب بالعلم الذي في الكتب إلى الناس أحب إلى الله من تأليفه مع الاحتباس عن الناس!!
ما أروع حديث أبي بكر، لو فهم الناس دينهم كما فهمه أبوبكر!!
#خالد_حمدي