“عنصرية خيالية”.. قضية حصان طروادة لا تزال تلاحق المسلمين في عالم الإسلاموفوبيا

في عام 2014 تناول الإعلام في بريطانيا والعالم الغربي رسالة مزيفة وصفت بأنها مخطط لأسلمة المدارس وتغيير بعض القوانين التعليمية في الصفوف الدراسية لصالح إضفاء صبغة إسلامية عليها في مدينة برمنغهام ومدن بريطانية أخرى.

وأعاد بودكاست جديد لصحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) تسليط الضوء على تفاصيل المؤامرة المدعاة التي تتضمن الزعم بأن مسلمين “متشددين” يهدفون إلى “السيطرة” على حوالي 20 مدرسة حكومية في مدينة برمنغهام، ورغم فتح العديد من التحقيقات في ذلك الوقت لم يتم العثور على أي دليل يثبت وجود تلك المؤامرة.

وفي تقرير نشره موقع “ذا كونفرسيشن” (The Conversation) الأسترالي، يقول الكاتب كريس ألين الأكاديمي بجامعة ليستر إن الصحفيين براين ريد وحمزة سيد سعيا إلى اكتشاف كاتب الرسالة المجهولة التي أثارت هذه الفضيحة.

ويقر الكاتب بأنه خاض بدوره صراعا نفسيا حول مدى صحة هذه المزاعم لكونه عاش في برمنغهام لأكثر من عقدين، وأجرى بحثا مكثفا حول المجتمعات المسلمة في المدينة.

وفي حين كان من المثير للاهتمام التحقيق في خفايا تلك الادعاءات يذكر الكاتب أنه كان قلقا من أن يصرف ذلك الانتباه عن الآثار السلبية لهذه الفضيحة على حياة الأشخاص العاديين.

وبالنسبة له، من المهم أن يفهم الآخرون أن إرث هذه القضية لا يزال محسوسا حتى يومنا هذا، وأنه لا يزال يُنظر إلى مدينة برمنغهام والمجتمعات المسلمة على حد سواء باعتبارها مصدرا للمشاكل.

اتهامات بالتطرف
وردت في رسالة مجهولة المصدر نشرت في صحيفة “صنداي تلغراف” (Sunday Telegraph) البريطانية مزاعم تفيد بأن المعلمين والمديرين في بعض المدارس تم الاستعاضة عنهم بشكل منهجي بأشخاص يسعون لإدارتها وفقا للمبادئ الإسلامية “المتشددة”.

وعلى خلفية ذلك عيّن وزير التعليم آنذاك مايكل جوف الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب بيتر كلارك للتثبت من مدى صحة هذه الادعاءات، وهو قرار يشير إلى تحول مهم، فمن خلال تعيين رئيس وحدة مكافحة الإرهاب أكد جوف أنه لا يُنظر إلى هذا الموضوع باعتباره قضية تعليمية فحسب، وإنما هو تحقيق في التطرف المحتمل، حتى أن شرطة ويست ميدلاندز أعربت عن قلقها بشأن كيفية فهم مسلمي المدينة لهذا القرار.

وبالفعل، لم يتوصل التحقيق إلى أي دليل حول الإرهاب أو التطرف العنيف أو التشدد في أي من المدارس التي تم فحصها، ومع ذلك نصت الحكومة على ضرورة بذل المزيد من الجهود لمعالجة مشكلة التطرف في المدارس، وكان الحل الذي قدمته حكومة المملكة المتحدة إدراج “القيم البريطانية الأساسية” ضمن البرنامج التعليمي في المدارس، وبذلك نُسبت “المشكلة” بشكل فعال إلى المسلمين، وبينما استمرت معظم المؤسسات التعليمية في العمل كالمعتاد ظلت المدارس المحلية والمجتمعات المسلمة تعاني من عواقب هذه الفضيحة.

إرث دائم
وفي لحظة معبرة من بودكاست “نيويورك تايمز”، أوضح تلاميذ سابقون في مدرسة طالتها فضيحة حصان طروادة أنهم يخشون ذكر اسم المدرسة التي التحقوا بها خشية التأثير الضار المحتمل لهذه المعلومة على تعليمهم المستقبلي أو آفاق مسيرتهم المهنية، إنهم يخشون أن يكونوا ضحايا ما تسمى “مغالطة الذنب بالارتباط”، أي أن يُنظر لهم بصفتهم متطرفين أو مؤيدين للمبادئ المتطرفة.

وعلى حد تعبير الكاتب، فإن جيلا كاملا من مسلمي برمنغهام مهددون بالوصم الاجتماعي بسبب فضيحة حصان طروادة.

وفي الحقيقة، بدأت هذه الوصمة قبل فترة طويلة من ذلك، حيث يقول الكاتب إنه عندما أثيرت هذه القضية كان يُجري بالفعل بحثا حول “مشروع البطل” الذي تم في إطاره تركيب أكثر من 200 كاميرا مراقبة بالفيديو ونظام تعرف تلقائي على لوحات الأرقام في المناطق التي تضم أكبر عدد من المسلمين في المدينة.

في البداية، تم تفسير ذلك على أنه مبادرة للحد من جرائم الشوارع، ولكن تبين في ما بعد أن شرطة ويست ميدلاندز ومجلس مدينة برمنغهام كانا يكذبان، لأن المشروع كان بتمويل برنامج مكافحة الإرهاب.

وبحلول الوقت الذي جرى فيه تفكيك هذه الكاميرات في عام 2011 كانت المجتمعات المسلمة تشعر بمخاوف أكثر وتهميش أكبر.

في المقابل، خلص البعض الآخر من سكان المدينة إلى أنه لا يوجد دخان من دون نار.

بؤرة التطرف
ويشير الكاتب إلى أن الاعتقاد السائد لدى العديد من الأشخاص خارج المملكة المتحدة حول برمنغهام قائم على تصريح أدلى به خبير الإرهاب ستيف إيمرسون على قناة “فوكس نيوز” (Fox News) عندما وصف المدينة بأنها ذات أغلبية مسلمة.

وتعرض إيمرسون للسخرية، ولكن منذ ذلك الحين أصبحت برمنغهام ومجتمعاتها المسلمة وجهين لعملة واحدة، وكان ذلك واضحا في أعقاب قتل خالد مسعود 5 أشخاص في لندن في عام 2017.

وعلى خلفية ذلك، وصفت صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) برمنغهام بأنها “بؤرة” للتطرف الإسلامي، فيما وصفتها صحيفة “ذي إندبندنت” (The Independent) باعتبارها “أرضا خصبة للإرهاب البريطاني”.

وحسب ما يوضحه البودكاست، كانت الأدلة التي تدعم مزاعم فضيحة حصان طروادة واهية للغاية، وأخذ هذه المزاعم على محمل الجد أمر محير للغاية من نواح كثيرة، وينطبق الأمر ذاته على تأثير الادعاءات المجهولة على الرغم من ثبوت عدم صحتها، كما أن الاعتقاد القائل إنه لا يوجد دخان من دون نار كان له تأثير ملموس وضار على برمنغهام ومجتمعاتها المسلمة.

إرث عنصري
“الإسلاموفوبيا” مفهوم يعني حرفيا الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، إلا أنه في الواقع نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة المعادية للإسلام والمسلمين.

ويُرجع مؤرخو الحقبة الاستعمارية أول استعمال لمفهوم “الإسلاموفوبيا” (Islamophobia) -الذي يعني “رهاب الإسلام” أو الخوف المرضي من الإسلام- إلى بدايات القرن الـ20.

فقد استعمل علماء اجتماع فرنسيون هذا المفهوم لوصف رفض جزء من الإداريين الفرنسيين ومعاداتهم للمجتمعات المسلمة التي كانوا يتولون إدارة شؤونها في زمن الاحتلال ويُفترض أن يتعايشوا معها ويندمجوا في أنساقها الاجتماعية، نظرا لما تمليه المهام الإدارية والسياسية المسندة إليهم.

ويرى الفيلسوف الفرنسي المعاصر باسكال بروكنر -في كتابه “عنصرية خيالية.. الإسلاموفوبيا والشعور بالذنب”- أن الإسلاموفوبيا محض افتراء يستخدمه الإسلاميون كسلاح للترهيب الجماعي، ويخلص إلى أن مناهضي العنصرية أصبحوا هم أنفسهم عنصريين، داعيا للدفاع عن “القيم الغربية” في وجه هؤلاء.

واعتبر الباحثان في الدراسات الإسلامية والعلوم السياسية جون إسبوزيتو وفريد حافظ -في مقال لهما بموقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) أن السنوات الأخيرة شهدت “حربا ثقافية” ضد دراسات الإسلاموفوبيا في دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا والنمسا، حيث أنكرت الحكومات والأحزاب السياسية ومفكرون في هذه البلدان وجود مشكلة رهاب الإسلام لديهم أو في تعامل مجتمعاتهم مع الأقليات المسلمة.

وذكرا أنه على مدى العقدين الماضيين برزت دراسات الإسلاموفوبيا بشكل متزايد كمجال أكاديمي فرعي يوثق ويتحدى العنصرية والتمييز وخطاب الكراهية والعنف ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم.

المصدر : الصحافة الأميركية + الصحافة البريطانية + مواقع إلكترونية

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،