دُفن نزار بنات.. فهل ستُدفن معه القضايا التي كانت تشغله؟

الخليل – “رحيله سيطيح بالسلطة الهشّة وسيؤسس لمرحلة جديدة”.. هذا ما توقّعه فايز السويطي الناشط الفلسطيني ضد الفساد وصديق المعارض نزار بنات، الذي توفي بعد اعتقاله من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية فجر أمس الخميس.

ورأى السويطي، في حديثه للجزيرة نت، أن ما وصفه باغتيال نزار سيطيح بالسلطة الفلسطينية لأنها هشّة، وسيفجر غيابه آلاف الأصوات على شاكلته، تنادي بمحاربة الفساد وتطرح قضايا الناس المختلفة.

وشهد الشارع الفلسطيني في مختلف المناطق مظاهرات واسعة منذ صباح أمس الخميس، احتجاجا على ما وُصف بـ”اغتيال” المعارض السياسي المعروف نزار بنات لمجرد انتقاده الفساد والفاسدين. كما شارك آلاف الفلسطينيين في تشييع جثمانه بعد ظهر اليوم الجمعة بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.

ومنذ إعلان “وفاته” من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية صباح أمس الخميس، انتشرت مجموعة من الوسوم (الهاشتاغات) الإلكترونية التي طرحت قضية نزار بنات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحصلت على تفاعل واسع، أبرزها #نزار_بنات #نزار_شهيد.

وربط نشطاء فلسطينيون حادثة وفاته بعد اعتقاله بما حصل مع المعارض السعودي جمال خاشقجي، وتصدر وسم #خاشقجي_فلسطين منصات التواصل الفلسطينية.

بماذا عُرف نزار بنات؟
توجهنا بهذا السؤال إلى صديقه المقرب فايز السويطي، فأجاب: كان يركز على انتقاد قضايا الفساد، ويملك ملفات تدعم ادعاءاته وينتقد الفاسدين بجرأة شديدة، كما أنه قابل رئيس هيئة مكافحة الفساد في السلطة الفلسطينية قبل سنوات، وزوّده بالملفات والوثائق التي كان يتحدث عنها.

وكان بنات، وفق السويطي، يتحدث عن قضايا الناس المطلبية، وينتقد أداء السلطة الفلسطينية بوجه عام لأنه يرى، كما كثير من النشطاء والحراكيين، أنها تحكم منذ 12 عاما بطريقة غير شرعية، أي منذ انتهاء صلاحية آخر انتخابات تشريعية ورئاسية جرت في فلسطين عامي 2005 و2006.

وكان نزار بنات يطالب بإجراء انتخابات وتجديد الشرعيات للنظام الفلسطيني، ورشّح نفسه فعلا في قائمة مستقلة للانتخابات التشريعية التي أعلن الرئيس الفلسطيني تأجيلها نهاية أبريل/نيسان الماضي.

ورغم “اغتياله”، حسب السويطي، لم تنتهِ فكرة نزار “فأهله ومحبوه أولو بأس شديد، ودماؤه لن تذهب هدرا، وسيطاردون المجرمين الذين قتلوه ويحددون خصمهم ويطالبون بالثأر أو القصاص لتحقيق العدالة”.

يقول السويطي “الشعب الفلسطيني واعٍ، ولن يمس بالسلم الأهلي ويعلم أنه خط أحمر، وهو أحرص عليه من السلطة نفسها”. ورغم أن هذه الحادثة حرّكت الشارع الفلسطيني غضبا، فإن “نتائج هذا التحرك ستكون إيجابية”.

ويرى أن “آلاف المناصرين الذين خرجوا بعد مقتله، تحركوا لنصرة فكرته ونهجه الذي يطالب بملاحقة الفساد والفاسدين وفضحهم وإسقاطهم، خاصة في هذه المرحلة الحرجة والصعبة في تاريخ الشعب الفلسطيني، التي لا أحد يستطيع التنبؤ بنتائجها”.

ليس الفساد فقط
من جهة أخرى، يقول الناشط المعارض عيسى عمرو إن نزار بنات كان ينتقد بشدة “ولدرجة التطرف” قضايا أخرى إلى جانب الفساد، مثل التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي واتفاقية أوسلو. وكان يدعم المقاومة بكل أشكالها سواء الشعبية السلمية أو المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشارك في المظاهرات المختلفة.

ولم تكن اتهامات نزار بنات لبعض المسؤولين الفلسطينيين عشوائية، وفق عمرو، بل مبنية على حقائق ووثائق وتحقيقات وبحث، وقبل الخروج بمقاطع الفيديو الناقدة التي اشتهر بها، كان يستشير أصدقاءه وينتقي كلماته، ويدقق فيما سيطرحه، ويأخذ التحضير لحديث معين اتصالات وجمع معلومات كثيرة، “فهو باحث ومفكر وليس عشوائيا في الحديث”.

وعن كيفية جمعه المعلومات أو الوثائق، قال عمرو للجزيرة نت إن “العديد من الأشخاص الذين امتلكوا معلومات ووثائق تكشف فسادا في قضية معينة، كانوا يتجهون بها إلى المعارضين، ويقدمونها لهم، وعلى رأسهم نزار الذي كان يدقق معلوماتها ويطرحها على الجمهور”.

وتوجّه نزار بنات إلى مسؤولي هيئة مكافحة الفساد بوثائق أكثر من مرة، لكنه وبعد عدة لقاءات معهم اتهم الهيئة بالتغطية على الفساد وليس محاسبة الفاسدين

صدمة وغضب
أما مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك فيقول إن الشارع الفلسطيني ما زال في حالة صدمة وغضب مما حصل مع “المرحوم بنات”. وقال إن ملابسات وفاته أصبحت واضحة بعد تشريح جثمانه أمس الخميس.

وحسب دويك، فقد تعرض بنات للاعتقال بشكل عنيف مما أدى إلى وفاته. وقال “هناك تجاوز واضح وجريمة ارتكبت ويجب تحقيق العدالة، فالناس تتوقع أن يكون هناك تغييرات فعلية بمستوى خطورة ما حدث”.

وكان نزار، وفق دويك، يتجه بشكل دائم إلى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، التي تابعت معظم ملاحقاته وعمليات اعتقاله وتوقيفه والاعتداءات الذي تعرض لها، وأولها قبل 7 سنوات عندما اعتدى عليه مرافق أحد الوزراء بالضرب بعد انتقاده الوزير في مؤتمر عقد بمدينة بيت لحم.

كما تم احتجازه واعتقاله أكثر من مرة على خلفية نشره فيديوهات انتقد فيها أشخاصا يتهمهم بالفساد، ورغم أن هذه الفيديوهات لم يكن لها صدى واسع وقتها.

وكان آخر اتصال بينه وبين مدير الهيئة المستقلة عمار دويك قبل قرابة أسبوعين من وفاته، لمتابعة قضية إطلاق النار على منزله في الخليل قبل شهرين.

أعداء كُثر
سألت الجزيرة نت رئيس الهيئة المستقلة عن المعلومات المتوفرة عن نزار بنات، فأجاب “كان يخبرنا أن له أعداء كُثرا، سواء من الأجهزة الأمنية الفلسطينية أو من تنظيم حركة فتح في منطقته. وكان يواجَه منهم بانتقادات لاذعة، كما كان بعضهم يحرض عليه بشكل كبير”.

لكن مدير الهيئة قال “لم نتوقع أن تتطور الأمور في فلسطين لهذا الحد. وأقصى ما كنا نتوقع حدوثه هو الاعتقال أو التوقيف كما كان يجري معه في المرات السابقة”.

واعتبر دويك أن الاعتقال الأخير الذي توفي خلاله نزار بنات تثار حوله عليها علامات استفهام من حيث الشكل والتوقيت. “فادعاء وجود مذكرة إحضار وتنفيذ من أجهزة أمنية غير الشرطة القضائية، فيه مخالفة”.

ويضيف دويك أيضا أن المنطقة الجنوبية في الخليل المصنفة “ج” حسب اتفاق أوسلو، والتي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، يوجد فيها أصحاب سوابق ومنفذو عمليات سطو وسرقة واعتداء، ولا تتم ملاحقتهم من قبل الأمن الفلسطيني، لكنهم اعتقلوا نزار بنات لأنه معارض سياسي، و”هذا يضع علامات استفهام كبيرة حول ما حصل معه”.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

الوضع في سوريا

كل ما يقوله مسترزقو اليوتيوب والشاشات عن تغييير كبير قادم لسورية، كذب، وكل من يقول أن التظاهر السلمي والحل السياسي والقرار ٢٢٤٥ سيسقط النظام، كذاب، أو على الأقل واهم وهماً كبيراً، للأسباب التالية :