تأملات قرآنية

بقلم سفيان أبوزيد

قوله تعالى { ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض }

وانا استمع لما تيسر من القرآن استوقفتني هذه الآية وتجلى لي هذا التساؤل:
التساؤل الوارد في هذه الآية هو ان الظاهر ان يقول: يفرقون بين الرسل ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض…
فالتفريق كان بين الرسل!!
فلماذا قال يريدون ان يفرقوا بين الله ورسله؟

الجواب:
فالذي أنزل الرسل ووسمهم بوسام الرسالة ومنحهم مصداقية الرسالة، وأعلاهم مقام النبوة واختصهم وشرفهم بهذا الشرف، وكلفهم بهذه المسؤولية وأهلهم لها، إنما هو الله عزوجل، إذن فعلى كل مؤمن بالله تعالى – وهنا الخطاب موجه خاصة للمؤمنين بالله – فعلى كل مؤمن بالله أو مدع لذلك الإيمان او زاعم له أن يؤمن بكل مؤهل مكلف من عند الله ليقوم بمسؤولية الرسالة وتبليغ الخطاب الإلهي، بل من مقتضيات ذلك الإيمان، الإيمان بكل من ثبت يقينا أنه مرسل من عند الله، دون إقصاء او تمييز او نفي، لأن المرسِل واحد أحد هو الله عزوجل، وأي إقصاء او تمييز او تعطيل فهو لمز ونقص في الإيمان بالمرسِل، والتفريق هنا فيه احتمالان:

الأول ذكره المفسرون وهو بمعنى الإبعاد أي أبعدوا تلك الفئة المقصية عن الجهة التي منحتها تلك الصفة وكلفتها بتلك المسؤولية وشرفتها بذلك التشريف، فأقالوهم إقالة تحكمية دون إصدار تلك الجهة قرارا بذلك، فهو إبعاد لهم ففرقوا بين الله ورسله..
وهذا الاحتمال لي عليه إشكال، فلو كان التفريق هنا بمعنى الإبعاد لقال: يفرقون بين الله وبعض رسله، وإنما قال يفرقون بين الله ورسله، فإرادة التفريق حاصلة بين الله وكل رسله سواء منهم المؤمَن به او المكفور به..

وهذا الإشكال يقودنا إلى الاحتمال الثاني: وهو أن التفريق بمعنى التمييز والمفاصلة والندية والخروج عن قانون الإيمان المقتضي لإدخال كل الرسل في ذلك التصديق والإيمان، وذلك أنهم تحكموا دون اعتبار لذلك القانون فاعترفوا ببعض الرسل وانكروا البعض، ولا شك بأن دافع اعترافهم بالبعض وإقصاءهم للبعض الرسل ليس قانون الإيمان، وإنما هو تحكم ناتج عن هوى واعتبارات ومصالح خاصة لا علاقة لها بالإيمان بالله حتى بالنسبة لإيمانهم ببعض الرسل، إنما كان لتقاطع مصالح لا أقل ولا أكثر… فهم فرقوا بين قانون الإيمان بالله وقانون الإيمان بالرسل، وهذا التفريق لا يمكن ان يكون بأي حال من الأحوال، وبأي منطق، لأنه تفريق تحكمي بعيد عن أي منطق، وكأنهم جعلوا تلك الفئة المعترف بها من الرسل في ميدان ندية لله تعالى وإن لم يصرحوا بذلك وهذا لون من الوان التفريق، وجعلوا الفئة غير المعترف بها بعيدة عن الله ظلما وعدوانا، فهو تفريق في جميع أحواله بين قانون الإيمان بالله، وقانون الإيمان بالرسل أساسه الهوى والتحكم واللامنطق، وجاءت الآية مصدرة بفعل أراد المضارع للدلالة الواضحة على استحالة ذلك التفريق وعدم إمكانيته فهم يريدون ويحاولون بشتى الطرق والأساليب حفاظا على مصالحهم الموهومة، ولكنه تفريق مرفوض غير معترف به في دائرة الإيمان والمنطق، مبعد موضوع في دائرة الكفر واللامنطق،
وهنا إشارة إدارية لطيفة، إلى أمرين:
أن غير المُجَزَّئِ لا يمكن تجزيئه بحال من الأحوال، فإذا كنت مؤمنا حقيقة فلابد ان تأخذ حقيبة ذلك الإيمان كاملة ومن مكوناتها الإيمان بكل الرسل..
لذلك قال لهم في نهاية المصحف (لكم دينكم ولي دين)
والأمر الثاني: دفاع الله عزوجل عن فريقه الرسالي وعدم التفريط او التضحية بواحد منهم مهما كانت المصالح المرجوة، فاعتبر عدم اعترافهم ببعض الرسل كفرا به وتفريقا بينه وبين كل رسله، وفيه معنى الحب الذي ينبغي أن يعبر به القائد لعناصر فريقه، فاعتبر هنا مجرد التفريق بينه وبينهم جريمة لا يمكن قبولها او استساغتها، وفي هذا تقدير لعناصر الفريق، وتحميس لهم ودفع لهم للاستمرار ومزيد من العطاء، فالإيمان بواحد منهم هو إيمان بالله عزوجل، وإقصاء واحد منهم هو إلغاء لأصل الإيمان ويعد إقصاء للمرسِل وليس للمرسَل لذلك عبر عنه بالتفريق فقال يفرقون بين الله ورسله…

شاهد أيضاً

الوضع في سوريا

كل ما يقوله مسترزقو اليوتيوب والشاشات عن تغييير كبير قادم لسورية، كذب، وكل من يقول أن التظاهر السلمي والحل السياسي والقرار ٢٢٤٥ سيسقط النظام، كذاب، أو على الأقل واهم وهماً كبيراً، للأسباب التالية :