طائرة الدرونز ” العنقاء أنكا” التركية التي غيرت مجرى المعارك في ليبيا وسوريا

عاشت تركيا سنوات من الصراع مع القوى الغربية، من أجل تمكينها من تقنية الطائرات بدون طيار، والتي كانت دول معدودة على رؤوس الأصابع التي تمتلك هذه التقنية على رأسها الكيان الصهيوني، وأمريكا، وهذه الأخير ضربت حصارا على تصديرها لتركيا .

الحصار الذي ضربته أمريكا على تركيا ورفضها بيع هذه التقنية للدولة العثمانية، جعل الأتراك يتجهون لتطوير قدراتهم الذاتية فيما يخص الصناعة الحربية وخاصة في مجال الطائرات بدون طيار، وذلك بعدما تأكدوا أن أمريكا لن تبيعهم هذا الصنف من الطائرات، تم تعرضهم للخداع في صفقة شراء لطائرات بدون طيار من الكيان الصهيوني الذي زودهم بطائرات غير فعالة ومزودة بأنظمة تجسس لصالح استخبارات الكيان، وهكذا بدأت أولى المحاولات التركية لصناعة الدرون .

اليوم وبعد مرور سنوات، تجمع كل التقارير الإعلامية المختصة بالمجال العسكري على تصنيف تركيا بأنها حاليًا قوة كبرى في عالم الطائرات بدون طيار “الدرونز”، وبل وتصنف كقوة ثالثة بعد الولايات المتحدة وإسرائيل على مستوى حرفية تشغيل الدرونز في العمليات العسكرية بتزامنات دقيقة سواءً كانت مسلحة أو للمراقبة والرصد والاستخبارات

اوحسب تقرير نشره موقع ترك بريس المقرب من دوائر القرار في أنقرة فإن تركيا بدأت خطوات لتطوير هذه التكنولوجيا ( صناعة درونز) بموارد محلية. وفي هذا الإطار، طورت شركة صناعات الفضاء والطيران التركية (TAI) في عام 1992 طائرة “IHA_X1″، وأنتجت منها طائرتين، لكنها لم تواصل إنتاجها.

وفي عام 1996طورت طائرة “Turna_keklik”، وفي عام 2003 طائرة “Pelikan _ Martı”، وفي عام 2007 طائرة “Gözcü”، وفي عام 2008 طائرة “Öncü”، وفي عام 2012 طائرة “Şimşek”. وأخيرًا طائرة “أنكا” (العنقاء)، كما بدأت في عام 2012 دراسات لصناعة الدرون الدوّار.

وحسب اذات التقرير فإن عمل القطاع العام إلى جانب شركات في القطاع الخاص بتركيا على اكتساب هذه التكنولوجيا وتطويرها. وكانت إحدى هذه الشركات “بايكار” (Baykar savunma) التي أثبتت تقدمها في هذا القطاع إلى يومنا هذا.

وبدأ مشروع “بايكار” في عام 2000 بولاية شرناق جنوب شرقي تركيا على يد “أوزدمير بايراكتار” وأبنائه هالوك وسلجوق بايراكتار في أثناء زيارة لهم إلى لواء الأمن الداخلي السادس في الولاية. حينها عرض الضابط مليح كولوفا، أحد قادة اللواء، على أوزدمير بايراكتار، قصص سقوط قتلى من الجيش التركي ثم قال له: “أعمل على إيجاد حل تكنولوجي لمواجهة الإرهاب”. وبعد الزيارة أنشأ بايراكتار ورشة عمل بالقرب من اللواء على مشارف جبل “غابار” (Gabar).

عمل المهندسون تحت إشراف أوزدمير وسلجوق بايراكتار مدة ثلاث سنوات في ورشة جبل غابار، بهدف تطوير تكنولوجيا دفاعية تسد حاجة الجيش التركي وتحويلها إلى منتج. أما الضابط مليح كولوفا، فاستشهد في عام 2007 بولاية شرناق بقنبلة انفجرت عن بعد من قبل إرهابيين.

ولدى سؤال أوزدمير عن الإنجازات التي حققتها الشركة حتى اليوم، قال: “لقد كان نجاح عملنا في الواقع نتاجًا لعملهم (في تلك الورشة)، فقد أكملنا وصية قائدنا” في إشارة إلى الضابط مليح كولوفا. وفي 24 دجنبر 2004، وقعت ورشة بايراكتار اتفاقية مع رئاسة الصناعات الدفاعية والشركة التركية لصناعات الطيران والفضاء (TAI) لصناعة طائرة “أنكا” (العنقاء ANKA).

وسعت تركيا منذ تسعينيات القرن الماضي إلى امتلاك تكنولوجيا الدرونز. وأبرمت في عام 2005 اتفاقيات مع الكيان الصهيوني لاستئجار طائرة من طراز “Heron” مقابل 4 ملايين دولار. أعادت تركيا الطائرة بعد ثلاثة أعوام. وفي عام 2007، اشترت تركيا طائرة من دون طيار من شركة “Aero Star” الإسرائيلية بتكلفة قدرها 15 مليون دولار، وكان يفترض أن ترتفع هذه الطائرة 18 ألف قدم لمدة تتراوح بين 6 و8 ساعات. لكن هذه الطائرات كلها سقطت لعدم كفاءتها.

لاحقًا سعت تركيا لشراء 10 طائرات “Heron” من إسرائيل بقيمة 188 مليون دولار بمواصفات مقبولة، لكن إسرائيل خفضت الارتفاع الأقصى للطائرات من 30 ألف قدم إلى 24 ألف قدم وقللت من مدة بقائها في الجو، وأخرت تسليمها ثلاثة أعوام أخرى. ورغم كل ذلك لم تكن الطائرات ذات كفاءة وكانت تتعطل وتفشل في أثناء الهبوط والإقلاع، وكانت تابعة لإسرائيل بكل شيء وترسل إليها الصور و أهداف تنظيم “بي كي كي” الإرهابي الذي كانت تستهدفه تركيا.

استلمت القوات المسلحة التركية أول طائرة بدون طيار محلية الصنع من شركة “بايكار” في وقتها المحدد عام 2007، التي أجرت عشرات الآلاف من ساعات الاختبارات للدرونز محلية الصنع. وفي نوفمبر 2006، طلب لواء المشاة الميكانيكي السادس بولاية شرناق من “بايكار” تطوير نظام درونز لاستخدامه في عمليات مكافحة الإرهاب. وفي أيار/ مايو 2009، استلمت قيادة القوات الجوية التركية من الشركة درونز من طراز “ملاذكرد” صغيرة الحجم الأولى من نوعها في العالم.

في عام 2012، أجرت “بايكار” اختبارات على طائرة “أنكا”. ووقعت رئاسة الصناعات الدفاعية عقدًا مع الشركة لاستلام 10 طائرات من طراز “أنكا أس” (ANKA_S) في 25 أكتوبر 2013، لتستلمها بناء على هذه الصفقة القوات الجوية التركية لأول مرة.

في عام 2007، شكلت رئاسة الصناعات الدفاعية التركية ائتلافًا للشركات، انضمت له “بايكار” أيضًا، بهدف تطوير درونز قادر على حمل حمولة بوزن 35 كيلوغرامًا، والبقاء في الجو 10 ساعات على ارتفاع 18 ألف قدم، والوصول إلى مدى 150 كيلومترًا. ونجحت الرحلة الأولى للنموذج الأولي من طائرة “بايراكتار” في 8 حزيران بمطار “كاشان” في ولاية أدرنة شمال غربي تركيا. وصُدّرت إلى قطر في بداية عام 2012.

وفي 29 دجنبر 2014، كانت الرحلة الأولى لطائرة “بايراكتار TB2″، التي تميزت بالقدرة على البقاء بالجو 10 ساعات، والطيران على ارتفاع 18 ألف قدم. واختبرت في مطار أدرنة العسكري، وحققت خلال التجارب الأولى 24 ساعة و34 دقيقة بقاء في الجو، وسجلت ارتفاع بقدر 27 ألف قدم. كما سجلت “بايراكتار “TB2 رقمها القياسي للطائرة المحمولة جوا ببقاء 27 ساعة و3 دقائق في الجو في دولة الكويت تحت ظروف صحراوية قاسية في تموز/ يوليو 2019.

سلّمت شركة “بايكار” 104 طائرات بدون طيار من طراز “بايراكتار TB2” لأول مرة إلى القوات المسلحة التركي في عام 2015، ولا تزال تعمل حتى اليوم. وتمكنت “بايراكتار TB2” في عمليات القوات المسلحة التركية من إكمال 175 ألف ساعة عمل بحلول شهر شباط/ فبراير 2020، محققة نجاحًا باهرًا، ووصلت صادراتها إلى أوكرانيا وقطر في عام 2019، وكانت السلاح التركي الأول من حيث التصدير.

شاركت “بايراكتار TB2” أيضا بعدة عمليات لمكافحة الإرهاب، منها درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام، ولا تزال تواصل مهامها الاستراتيجية في شرق البحر المتوسط وفي عملية درع الربيع.

عملت شركات أخرى في تركيا على تحسين مجال الطائرات من دون طيار. فقد أنتج قسم الصناعات الدفاعية في شركة “فيستل” نموذجه الأولي من طائرة “Efe Mini” من دون طيار في عام 2005، لكنها لم تنتج كميات كبيرة منه. وفي عام 2007، بدأت بتطوير درون “Karayel” الذي خضع لأول تجارب اختبار في عام 2009، وقررت إنتاجه على نطاق واسع في عام 2010. نجح مشروع الطائرة “Karayel” وحلقت في سماء تركيا عام 2014، وشاركت في أول عملية عسكرية لها في عام 2016.

وحتى اليوم، أجرت طائرة “Karayel” عشرة آلاف ساعة طيران اعتبارا من العام الماضي في خدمة القوات المسلحة التركية، بالإضافة إلى العديد من الأنشطة التجريبية للرحلات بعد تطويرها من قبل قسم الصناعات الدفاعية في شركة “فيستل” التركية.

بعد نجاح طائرة “أنكا إي” (ANKA_A)، أجريت أول رحلة تجريبية لطائرة “أنكا بي” (ANKA_B) المصممة لنقل معدات مهمة جديدة مثل الرادارات بأداء فائق، في 30 يناير 2015. كما صممت الطائرة “أنكا أس” (ANKA_S)، وكانت رحلتها الأولى في أيلول/ سبتمبر 2016 بعد شهر من نجاح تجارب طائرة “أنكا بي”.

دخلت طائرة “أنكا بي” إلى أسطول القيادة العامة لقوات الدرك التركية في آذار/ مارس 2017، واستخدمت ميدانيا في أبريل من نفس العام مع نظام “MAM_L”. ونالت طائرة “أنكا إس” في تموز/ يوليو من ذلك العام لقب أول طائرة بدون طيار تركية يتم التحكم بها من خلال الأقمار الصناعية، وبالتحديد قمر “توركسات 4B”.

سُلّمت أول دفعة من طائرات “أنكا إس” للقوات المسلحة التركية بعد اختبارها في 1 فبراير 2018. وشكّلت هذه الطائرة ثورة في قطاع الطيران والفضاء، وعززت أيضا المنظومة الصناعية لهذه الطائرات، إضافة إلى نظمها الفرعية المتطورة كأجهزة الكمبيوتر والمحركات وأنظمة تسجيل البيانات ومعالجتها.

استخدمت طائرة “أنكا إس” بشكل فعال في عمليات مكافحة الإرهاب، وفي عمليات الأمن الداخلي، وكذلك في منطقة البحر الأسود، وفي بحر إيجة، وفي سوريا، والعراق، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وليبيا، وكانت عيون وآذان تركيا في كل مكان. فقد دمرت الأهداف بنجاح ودقة كلما دعت الحاجة لاستخدامها.

واصلت شركة “بايكار” أداء مهامها بنجاح في هذا المجال، وطوّرت مشاريع أخرى لبناء أنواع أخرى من الدرونز محلية الصنع، حجزت لتركيا مكانةً مهمة في قطاع الطائرات من دون طيار عالميًا، خاصة من خلال أدائها في الأشهر الأخيرة. وفي 20 مارس 2019، كانت أول رحلة لطائرات “أنكا أقسونغور” (ANKA _ Aksungur) الذي تبلغ حمولته 700 كيلوغرام، ووصل إلى ارتفاع 40 ألف قدم. ويتوقع كبار مسؤولي القطاع والخبراء أن يحقق هذا الطراز من الدرونز قفزة مهمة للقدرات الجوية للقوات المسلحة التركية.

أثار تطور آخر إعجاب الجميع في هذا القطاع، وهو اختبار طائرة “بايراكتار أقنجي الهجومية” (Akıncı Taarruzi) الهجومية في أواخر عام 2019. الذي وضع تركيا بين ثلاث دول في العالم تصنع هذه الفئة من الطائرات بدون طيار، وتتميز بقدرة على حمل ألف و350 كيلوغرامً، ويبلغ وزنها عند الإقلاع 5.5 طنًا. وهي مزودة بذخائر متطورة مثل الصواريخ الموجهة، وصواريخ كروز من طراز (SOM) محلية الصنع.

يمكن التحكم بهذه الطائرة المتطورة من أي مكان من خلال تقنية فائقة، وتتميز بتجهيز حواسيبها بأنظمة ذكاء اصطناعي متطورة. وقد عملت شركة “بايركتار” أيضًا على تخفيف حمولة طائرات “أقينجي” من خلال استخدام الذخائر الجوية المتطورة “غوكدوغان” (Gökdoğan) و”بوزدوغان” (Bozdoğan)، التي طورتها مؤسسة “سيج” (SAGE) التابعة للمجلس التركي للبحوث العلمية والتكنولوجية “توبيتاك” (TÜBITAK).

التطور الذي عرف قطاع صناعة الطائرات بدون طيار في تركيا، جعل من تركيا لاعبا أساسيا على المستوى جيوسياسي، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتمكنت تركيا من استغلال هذه الطائرات لقلب موازين القوى لصالحها ولصالح حلفائها في المنطقة، حيث استغلتها في تتبع واغتيال القادة البارزين في الحزب الكوردستاني، كما كانت لاعبا أساسيا في معاركها في العمق السوري خاصة في مدينة إدلب، ولعل آخر إنجازاتها ما قامته من دعم لحكومة الوفاق في ليبيا في مواجهة قوات حفتر .

شاهد أيضاً

مجازر جديدة بمخيمي النصيرات وجباليا والاحتلال يقر بمقتل جنديين في رفح

أفاد مراسل الجزيرة باستشهاد 42 فلسطينيا وإصابة العشرات بجراح متفاوتة في مجزرة إسرائيلية جديدة بمخيم النصيرات (وسط) وجباليا (شمال) قطاع غزة، في المقابل أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل جنديين وإصابة 3 بينهم ضابط بمعارك في رفح (جنوب) مؤكدا أنه يخوض قتالا عنيفا بجباليا.