إخفاء الإصابة ورفض دفن الموتى.. لماذا يتعامل بعض المصريين مع كورونا كأنه عار؟

مواطنون يتجمعون لتصوير مواطن أثناء نقله من منزله بسيارة إسعاف في محافظة الفيوم بعد اكتشاف إصابته بالفيروس، وآخرون يحاولون طرد طبيبة من منزلها بعد أن اكتشفوا أنها تعمل في مستشفى خصصته وزارة الصحة لاستقبال المصابين بفيروس كورونا في محافظة بورسعيد.

نموذجان من مواقف صادمة شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، وكان أبرزها تجمهر أهالي قرية شبرا البهو التابعة لمحافظة الدقهلية (شمال شرق القاهرة) لمنع دفن طبيبة توفيت إثر إصابتها بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

تأتي هذه المواقف لتؤكد ما سبق أن تحدث عنه بعض الأطباء من أنهم لاحظوا حرص بعض المصابين بالفيروس وذويهم على إخفاء هذه الحقيقة وكأن الأمر عار يجب مداراته.

مخاوف الأطباء جاءت متفقة مع تصريحات عمدة قرية المعتمدية التابعة لمحافظة الجيزة والتي وضعتها السلطات قيد الحجر الصحي الأسبوع الماضي، حيث قال لصحف محلية إن “انخفاض نسبة الوعي بين الأهالي، والتعامل مع المرض كوصمة عار، ساهما في انتشار حالات الإصابة بالقرية، مما اضطر السلطات لفرض حجر كامل على القرية”.

بدوره أكد ممثل منظمة الصحة العالمية في القاهرة جون جبور أن 30% من الوفيات بكورونا في مصر قضوا نحبهم قبل الوصول إلى مستشفيات العزل والعلاج، مضيفا أن مخاوف الوصم بالمرض تعتبر من أسباب تأخر الإبلاغ عن الحالات.

تكرار حوادث التنمر بحق الطواقم الطبية والمرضى، دفع شيخ الأزهر أحمد الطيب لإصدار فتوى تحرم الإساءة للمرضى أو المتوفين بسبب فيروس كورونا، كما أطلق عدد من الصحفيين والمثقفين حملة إلكترونية بعنوان “كورونا ليس عارًا”.

ممرضة تخفي إصابتها
ولم يقتصر الأمر على المواطنين العاديين، فقد أعرب الطبيب بمستشفى الجهاز الهضمي بدمياط أحمد أبو طبل عن غضبه الشديد من إخفاء ممرضة إصابتها بالمرض، ولم تكتف بذلك فقد ظلت تمارس عملها وتخالط المرضى والطاقم الطبي لمدة يومين.

واستدرك أبو طبل في تغريدة أخرى على حسابه بموقع تويتر، موضحا أنها ممرضة تعمل ستة أيام، ثلاثة منها بمستشفى الجهاز الهضمي ومثلها بمستشفى حميات دمياط، وظلت كذلك لمدة يومين حتى اكتشفت حالتها، وتم عمل التحاليل وعزل لكل من خالطها بالمستشفيين من مرضى وعمال وطواقم طبية.

الطبيبة بأحد المستشفيات الخاصة بالقاهرة ناهد صالح أبدت دهشتها من هذا التعامل الغريب من قبل المصابين بفيروس كوفيد-19 وكأنهم ارتكبوا جريمة أخلاقية، وتستنكر إخفاء بعض العائلات مرض أي من أبنائها، مؤكدة أن في ذلك خطورة نقل الفيروس إلى مخالطيهم الذين لا يعلمون بالإصابة.

وأشارت صالح في حوارها مع الجزيرة نت إلى الحالة الشهيرة للفتاة ياسمين عباس التي توفت بسبب إصابتها بالفيروس بعد قدومها من السعودية بأيام، وكيف حرص أخوها على إعلان أن شقيقته توفت نتيجة إصابتها بالتهاب رئوي، وعرض شهادة تحاليل تثبت سلبية النتيجة.

لكن عمها الصيدلاني محمد عباس نشر شهادة تحاليل من مستشفى خاص تثبت إيجابية الحالة، مؤكدا أن نجلة شقيقه توفيت بسبب كورونا بعد أن نقلتها سيارة إسعاف فجرا إلى مستشفى الحميات ولكن بعد فوات الآوان، وليس بعيدا أن تكون نقلت العدوى لأفراد من أسرتها أو غيرهم ممن تعاملوا معها.

الصحفي عماد الدين حسين تحدث عن اتصال أحد المحتجزين للاشتباه في إصابته بالمرض بصحفي يرجوه أن يحصل له على توصية بأن يخرجوه من الحجر، وأن لا يخبر أحدا من أقاربه أو معارفه لأنهم يعتبرون ذلك فضيحة.

وقال حسين في مقال له بجريدة الشروق إن صديقه الصحفي أخبره أيضا أنه في إحدى قرى الوجه البحري يتشاجر بعض المواطنين مع الأطباء لو قالوا لهم إن هناك اشتباها في إصابتهم بكورونا، فعدد لا بأس به من المواطنين يتعامل مع الإصابة المحتملة بالفيروس باعتبارها فضيحة وشبه إهانة وقلة قيمة، رغم أن ذلك غير صحيح تماما.

رعب بمستشفيات العزل
أخصائي الطب النفسي والإدمان محمد الشيخ أرجع حالة الخجل من إعلان الإصابة بكورنا إلى ما يخشاه المرضى مما يسمعونه -وربما لسابق معرفتهم- عن شكل المكان الذي يتم فيه الحجر، وما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي من معاناة الموجودين بالحجر.

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى الفيديو المنتشر لإحدى الفنانات وهي تصور وجود برص (سحلية) داخل مستشفى الحميات بإمبابة، أحد أشهر أماكن الحجر الصحي لمصابي كورونا بالقاهرة والجيزة، مؤكدا أن آخرين سبق أن نشروا أشياء مشابهة.

للاسف انا مش لوحدي في الغرفة معايا الضيف ده والموضوع مش كويس ابداً وبحاول التزم ضبط النفس على قد ما اقدر ولكن هتحاسب…

تم النشر بواسطة ‏‎Enas Ezz Eldeen‎‏ في الاثنين، ٣٠ مارس ٢٠٢٠
لذا يفضل المريض البقاء في بيته حيث سيخدمه جميع من في البيت، بالإضافة للإمكانيات المتاحة من طعام وشراب ووسائل ترفيه (تلفاز وإنترنت) ورعاية ونظافة فائقة يخشى عدم وجودها في الحجر العام، حسبما ذكر الشيخ.

وأضاف “أهل المريض خاصة في الصعيد والأرياف يخشون أن تظل وصمة إصابة أبنائهم عالقة في أذهان الناس لفترة طويلة مهما أُعلن عن شفائهم، فينفر منهم الناس، وربما تتسبب في المجتمعات المغلقة في رفض الزواج من المصاب، وربما من أبناء الأسرة، فالناس في هذه المجتمعات لا ينسون بسرعة”.

وهذا الرأي هو ما أكده مواطنون تواصلنا معهم من محافظات عدة بصعيد مصر، حيث قالوا إن المصاب بكورونا أصبح كالمريض بالجرب، ومهما شفي المصاب به فأهالي القرى لا ينسون الإصابة.

ولفت علي الغطريفي الذي يقطن بمحافظة أسيوط، إلى ما نشر حول رفض ابن بالإسكندرية تسلم جثة والدته المتوفية بكورونا، ورد الابن بفيديوهات تثبت أن جميع أفراد أسرته وجيرانه رفضوا الاقتراب منه سواء أثناء الدفن أو بعده.

وأضاف الغطريفي للجزيرة نت أنه يجب أن تتخيل تصرفات أهالي الريف، فمهما أعلن عن انتهاء خطورة الفيروس، فإنهم لا يثقون في التأكيدات المستمرة من وزارة الصحة أو الإعلام أو حتى المؤسسات الدينية، ويلجؤون إلى اتخاذ تدابير أكثر احترازا.

عقوبة إخفاء الإصابة
من الناحية القانونية، أكد مدير منظمة اتحاد المحامين للدراسات القانونية والديمقراطية شادي طلعت أن نشر عدوى وباء قاتل ترتبط عقوبته بعدد من مواد قانون العقوبات، ويجب أن توضح ويتم توصيفها بشكل كامل قبل قرار الإحالة إلى المحكمة.

لذلك تتجه جهة التحقيق، حسب كلام طلعت للجزيرة نت، لبحث الأمور المتعلقة بالنية والإدراك وسبق الإصرار والترصد، كما أن القضاء سيراعي أيضا ما إذا كان الجاني قاصرا أم راشدا، مدركا لحقيقة الوباء وآثاره أم أنه جاهل به.

وأضاف “لو أن شخصا نقل الفيروس من دون قصد فلن يعاقب، أما إذا كان على علم بأنه مريض فسيخضع للمادة 236 من قانون العقوبات التي تقضي بالسجن من ثلاث إلى سبع سنوات”.

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،