برلمان ابليس يعقد جلسة طارئة

كتب الشيخ كمال خطيب حفظه الله

لكل من يقرأ لعقلاء الغرب المنصفين فإنه يتبنى وبسهولة إدراك هؤلاء أن الغرب قد بدأ مرحلة الهرم والشيخوخة، وإن قد وصل إلى الذروة في المجالات العلمية والصناعية والعسكرية، إلا أنه يعاني حالة إفلاس روحي وخواء إيماني لن تسد مسدها الطفرة العلمية والصناعية.
وأن هؤلاء يدركون أن الأمة الإسلامية وإن كانت في ذيل القافلة العالمية في مجالات العلم والصناعة وهي عالة على دول الغرب في ذلك، إلا أن الأمة الإسلامية هي الوحيدة التي تملك الطاقة الروحية والإيمانية التي يمكن أن تسعف بها البشرية وتنقذها من وحدتها وسقطتها، وأن قراءة التاريخ قد أوصلت هؤلاء العقلاء أن المسلمين قد مروا بهذا الظرف وأصعب منه لكنهم سرعان ما كانوا ينهضون بفعل إعادة استمداد طاقاتهم من المناجم الروحية والإيمانية التي يملكونها والتي كانت تؤهلهم لنهضة علمية واقتصادية وعسكرية.

إن مواقف العداء التي تقفها اليوم الدول الغربية للعالم الإسلامي وإن كانت لا تعلنها صراحة لكن حقبة ما بعد الاستعمار والتحكم في رقاب عكاكيزهم من الرؤساء والملوك والأمراء وقيام هؤلاء نيابة عنهم بإعلان الحرب السافرة على من ينادون بالعودة للإسلام والتمسك به حيث يحارب هؤلاء حربًا بلا هوادة ويوصفون بالإرهاب والتطرف، وما يحصل اليوم في كل الدول العربية والإسلامية دليل على ذلك، وما فعل السيسي وابن سلمان وغيرهم إلا الشاهد الأوضح.

إنها قصيدة كتبها شاعر وحكيم وفيلسوف الإسلام المرحوم محمد إقبال تحت عنوان “برلمان ابليس” وقد كتبها قبل عشرات السنوات يصوّر فيها تخطيط أعداء الإسلام لحربه خوفًا من عودته ووقوفه في وجههم بل والانتصار عليهم. إن برلمان إبليس هو ليس فقط برلمان السيسي ولا مجلس وزراء آل سعود وآل زايد ولا أمثالهم وإنما هي المنظمات الدولية التي تتحكم فيها أمريكا والغرب ومقراتها في واشنطن وأوروبا وهي تمكر للإسلام مكر الليل والنهار، فقال رحمه الله في قصيدته التي كتبها باللغة الأوردية وترجمت معانيها إلى العربية لتخرج بهذه النثرية الرائعة:

🔸”اجتمع إبليس وأعوانه من الشياطين في مجلس شورى وتباحثوا في سير العالم وأخطار الغد وفتنته، وما يتوجّسون خيفة على نظامهم الإبليسي ومهمتهم الشيطانية، فتذاكروا في فتن وأخطار قد أحدقت بهم وهددت نظامهم وجلّلوا خطبها وتناذروا شرّها، فذكر أحدهم الجمهورية “النظام الجمهوري” الذي يحكم بعض الدول وحسب لها حسابًا كبيرًا، فقال الثاني من أعضاء برلمان إبليس لا يهولنك أمرها فإنها ليست إلا غطاء للملكية ونحن الذين كسونا الملكية اللباس الجمهوري إذ رأينا الإنسان بدأ يتنبه ويفيق ويشعر بكرامته، وخفنا ثورة على نظامنا قد لا تحمل عاقبتها فألهيناه بلعبة الجمهورية وليس الشأن والمشكلة في الأمير أو الملك. إن الملكية لا تنحصر في وجود شخص ترتكز فيه الملكية وفرد يستبد بالسلطان، إنما الملكية أن يعيش الإنسان عيالًا على غيره مستشرفًا إلى متاع غيره، سواء في ذلك الشعب والفرد. أما رأيت نظام الغرب الجمهوري وجه مشرق وضّاح وباطنه أفضل من جنكيز خان؟ “ما الفارق بين الملك سلمان الذي سلّم الحكم لابنه محمد ليحكم بلاد الحرمين وبين الرئيس حافظ الأسد الذي مهّد الطريق لابنه بشار ليغتصب الجمهورية السورية”.

🔸قال نائب آخر من برلمان إبليس: لا بأس إذا بقيت الملكية ولكن ماذا يقول النائب المحترم في هذه الفتنة الدهماء التي أثارها هذا اليهودي الذي يدعى كارل ماركس، هل عندك نبأ أنه أقام العالم وأقعده وأثار العبيد على السادة حتى تزعزعت معاني الإمارة والسيادة؟.

🔸فقال الآخر مخاطبًا رئيس المجلس: يا صاحب الفخامة إن سحرة أوروبا “قادة الغرب” وإن كانوا مريديك المخلصين لكنني لم أعد أثق بفراستهم، منها اليهودي السامري “لينين” قد كاد يأتي على العالم وأصبح الصعاليك يزاحمون الملوك ويدفعونهم “الانقلابات العسكرية”. يا سيدي إن العالم الذي كنت تحكمه سينقضّ عليك وينقلب نظام العالم ظهرًا لبطن.

🔸فتكلم رئيس المجلس “إبليس” وقال: إني أملك زمام العالم وأتصرف به كيف أشاء، وسيرى العالم عجبًا إذا حرّشت بين الأمم الأوروبية “الصراع بين الشرق والغرب، الرأسماليّة والاشتراكيّة” فتهارشت تهارش الكلاب وافترس بعضها بعضًا مثل الذئاب، وإذا همست في آذان القادة السياسيين والدينيين فقدوا رشدهم وجنّ جنونهم، أما ما ذكرتم من الاشتراكية فكونوا على ثقة أن الخرق الذي أحدثته بين الإنسان والإنسان فلن يرتقّه ولن يرقّعه منطق ماركس ولا لينين، إنه لا يخوّفني هؤلاء الطرداء والصعاليك السفهاء.

🔸وأكمل رئيس المجلس “إبليس” قائلًا: إنني إن كنت خائفًا، فإنني أخاف أمة لا تزال شرارة الحياة والطموح كامنة في رمادها، ولا يزال فيها رجال تتجافى جنوبهم عن المضاجع وتسيل دموعهم على خدودهم سَحَرًا.
إنه لا يخفى على الخبير المتفرس أن الإسلام هو فتنة الغد وداهية المستقبل والشر القادم.
انا لا أجهل أن هذه الأمة قد اتخذت القرآن مهجورًا، وأنها فُتنت بالمال وشغفت بجمعه وادّخاره كغيرها من الأمم، وأنا خبير أن ليل الشرق داج مكفهر، وأن علماء الإسلام اليوم وشيوخه ليست عندهم تلك اليد البيضاء التي تشرق له الظلمات ويضيء لها العالم ولكني أخاف أن عاديات هذا العصر ستقضّ مضجعها وتوقظ هذه الأمة وتعيدها إلى شريعة محمد “صلى الله عليه وسلم”. إني أحذركم وأنذركم من دين محمد “صلى الله عليه وسلم” حامي الذّمار وحارس الذمم والأعراض، دين الكرامة والشرف، دين الأمانة والعفاف، دين المروءة والبطولة، دين الكفاح والجهاد، يلغي كل نوع من أنواع الرق، ويمحو كل أثر من آثار استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، لا يفرق بين مالك ومملوك، ولا يؤثر سلطان على صعلوك، يزكي المال من كل دنس ورجس، ويجعله نقيًا صافيًا ويجعل أصحاب الثروات والملّاك مستخلفين في أموالهم {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} آية 7 سورة الحديد. أمناء لله وكلاء على المال، وأي ثورة أعظم، وأي انقلاب أشد مما أحدثه هذا الدين في عالم الفكر والعمل يوم صرخ أن الأرض لله لا للملوك ولا للسلاطين.

🔸وأضاف رئيس المجلس “إبليس” قائلًا: فابذلوا جهدكم أن يظلّ هذا الدين متواريًا عن أعين الناس، فخير لنا أن يبقى المسلم مشتغلًا بمسائل علم الكلام والالهيات والفلسفات وتأويل كتاب الله والآيات، اضربوا على آذان المسلم ليظلّ نائمًا في سبات فإنه يستطيع أن يكسر طلاسم العالم ويبطل سحرنا بأذانه وتكبيره، واجتهدوا أن يطول ليله ويبطئ سحره، أشغلوه يا إخواني عن الجد والعمل حتى يخسر الرهان في العالم، خير لنا أن يبقى المسلم عبدًا لغيره ويهجر هذا العالم ويعتزله ويتنازل عنه لغيره زاهدًا فيه واستخفافًا لخطره. يا ويلتنا ويا شقوتنا لو انتبهت هذه الأمة التي يعزم عليها دينها أن تراقب العالم وتعود لقيادته”.

كان ما تقدم وهو اقتباس لما قاله وكتبه المرحوم محمد إقبال في قصيدته “مؤتمر ابليس” والتي أوردها الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه الرائع – ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين – مع قليل من التصرف ببعض الكلمات، فيه أراد أن يوصل منذ عشرات السنين رسالة لنا نحن أبناء الإسلام عن طبيعة الكيد الذي تتعامل بها القوى العظمى وخاصة الغرب بقيادته الأوروبية والأمريكيّة مع الإسلام.

وإذا كان برلمان ابليس “قادة الغرب” قد عقد جلسة طارئة تلك التي نصّت عليها رسالة المرحوم محمد إقبال، إلا أن الحقيقة والواقع يؤكدان أن مؤتمر ابليس هذا في انعقاد دائم ومستمر وأنه دائم الاستنفار والتواصل والتنسيق بين أعضائه في سبيل ومن أجل الوقوف أمام الإسلام ونهضته وعودته لقيادة العالم.

لقد سبق لقادة الغرب أن قالوا: إننا لا نخاف العدو الأحمر “الشيوعية” وقد تفكك، ولا نخاف العدو الأصفر “الصين” لأن مصالح كثيرة تجمع بيننا وبينهم، وإنما خوفي الحقيقي هو من العدو الأخضر “الإسلام”.
وإنها جملة بن غريون المشهورة: “إننا لا نخاف الثوريين ولو اجتمعوا، ولا نخاف القوميين ولو اجتمعوا ولكننا نخاف هذا المارد الذي نام طويلًا وبدأ يتململ، إنه مارد الإسلام”.

إن برلمان إبليس هو الذي أسقط دولة الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1923 وإنه هو الذي دعم وساند وموّل بالمال والسلاح تنفيذ المشروع الصهيوني بإقامة دولة لليهود على حساب نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وإنه برلمان ابليس أمر بمزيد من الثورية والقومية والبطولة على زعماء لم تشهد أمتنا العربية في عصرها الحديث انتكاسات وخيبات وهزائم أكثر مما شهدته في زمانهم، وما جمال عبد الناصر وحافظ الأسد عنا ببعيد.

إنه برلمان إبليس الذي انعقد في جلسة استثنائية منذ مطلع العام 2011 وما تزال جلسته منعقدة لمواجهة كيفية التعامل مع ثورات الربيع العربي والتي ظهرت ملامح هويتها مبكرًا عبر جموع الإسلاميين الذين كانوا عمودها الفقري، وعبر المساجد وأيام الجمعة مكان وموعد انطلاق مظاهراتها، بل وما أفرزته هذه الثورات عندما اتيح للشعب أن يختار من يحكمونه كما حصل في مصر وتونس وليبيا وما حصل هنا في فلسطين في العام 2006.

إنه برلمان إبليس الذي قرر ضرورة إسقاط الرئيس الشهيد محمد مرسي ودعم السيسي بكل أسباب الدعم وهو الذي قرر ضرورة بقاء بشار الأسد ولو على حساب قتل مليون سوري وتهجير نصف الشعب السوري، لأن في ذلك ضمان لمصلحة إسرائيل التي يعتبرها مؤتمر إبليس ثمرة من ثمار قراراته وسياساته.

إنه برلمان إبليس الذي يرسم ما يكون عليه حكام الخليج وكيف لابن سلمان وابن زايد أن يبقوا في منصبهم، وكيف لأوسلو ومهندسها محمود عباس أن يستمر وهو نهجه. إن كل ذلك ليس إلا لعلم أعضاء برلمان ابليس أن الشعوب العربية والاسلامية وقد نفضت يدها من كل المناهج الرأسمالية والاشتراكية، وأن كل شعارات الثورية والقومية كانت مثل الزبد يذهب جفاء، وأن هذه الشعوب إذا ما خيّرت فإنها لن تختار إلا الإسلام وإلا أبناء المشروع الإسلامي، لأنهم الأوفياء لدينهم وشعوبهم وأوطانهم.
إننا نعلم يا هؤلاء أن مكركم لتزول منه الجبال، لكننا على يقين أكثر أن الله هو خير الماكرين {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} آية 30 سورة الأنفال.

وإننا على يقين يا هؤلاء أن أموال الدنيا وفي مقدمتها أموال العرب كلها في بنوككم وتحت تصرفكم، وأنكم تستخدمونها لحرب الإسلام، لكننا على يقين أنها ستكون عليكم حسرة ثم تغلبون {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} آية 36 سورة الأنفال.

وإننا على يقين يا هؤلاء أن جولة باطلكم هذه ستزهقها جولات للحق زاحفة {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} آية 18 سورة الأنبياء.

فانتظروا يا أعضاء وقادة برلمان إبليس في الشرق والغرب، موسكو وواشنطن وكل عملائكم وعكاكيزكم، انتظروا أيامًا ستتحقق فيها نبوءاتكم السوداء يوم لا تهتف الدنيا إلا للإسلام، ولا ينادى إلا باسم محمد صلى الله عليه وسلم. أما أنتم ومناهجكم وراياتكم وعواصمكم فإلى مزابل التاريخ.

أفلت شموس الأولين وشمسنا
أبدًا على فلك العلا لا تغرب

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،