نيويورك تايمز: لماذا أصبحت أوروبا مركز إسلاموفوبيا؟ وما هو دور الحكومات بشرعنتها؟

تساءلت الباحثة في جامعة إكستر، نازانين ماسومي، محررة كتاب “ما هي الإسلاموفوبيا؟ العنصرية، الحركات الاجتماعية والدولة”، عن السبب الذي يجعل أوروبا كارهة للإسلام، وقالت في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”: “إننا نعيش في زمن الإسلاموفوبيا”، ففي شباط (فبراير) حدث هجومان عنيفان ضد المسلمين في أوروبا، واحد في هاناو بألمانيا والثاني في لندن، وكلاهما حدث خلال 24 ساعة من الآخر. ورغم اختلاف الظروف إلا أن مهاجم هانوا ترك “بيانا” يحمل الكثير من نظريات المؤامرة فيما كان هدف مهاجم لندن أقل وضوحا مع أن الهدف كان المسلمين.
وتعلق الكاتبة أن الحادثين يضيفان إلى الهجمات العنيفة ضد المسلمين في داخل أوروبا.
ففي عام 2018 شهدت فرنسا وحدها زيادة بنسبة 52% من الهجمات ذات الطبيعة المعادية للإسلام. وفي النمسا زادت الهجمات ذات نفس الطابع بنسبة 74% بمجموع 540 حادثا. وتضيف أن عقدا شهد زيادة في الهجمات ضد المسلمين يظهر مستوى الكراهية الواسعة للإسلام.
فنسبة 44% من الألمان ترى أن هناك تناقضا أساسيا بين الإسلام والثقافة والقيم الألمانية. وبنفس المستوى هناك نسبة 63% من البولنديين يؤمنون بتناقض ثقافتهم مع الإسلام و53% في إيطاليا. ومن هنا “فأن تكون مسلما في أوروبا يعني الشك بك وتعرضك للخطر ووضوحك”. وصار بمقدور الأفراد والمنظمات المعادية للإسلام في القارة الأوروبية تعزيز أجندتهم. وباتت المنظمات المعادية للإسلام والأحزاب السياسية تحظى بشعبية. وفي بعض الأحيان دمجت أفكارها بالدولة الحديثة التي تقوم بمراقبة ومسح المسلمين وتصورهم كتهديد على حياة الأمة. ومن الشارع إلى الدولة اندمجت معاداة الإسلام في الحياة السياسية للقارة الأوروبية.
وترى الكاتبة أن هذه الحالة تتطور منذ عشرين عاما. فالحرب على الإرهاب والتي استهدفت الإسلام والمسلمين كتهديد حضاري “للغرب” خلقت الظروف لمعاداة واسعة ضد المسلمين والإسلام. وعلى المستوى الدولي أدت الحرب على الإرهاب لزيادة العنف وصعود تنظيم الدولة. وعلى المستوى المحلي، سواء في بريطانيا أو الولايات المتحدة، استهدفت سياسات مكافحة الإرهاب المسلمين تحديدا. وفي بريطانيا هناك نسبة 150% لإيقافك وتفتيشك بناء على البند 7 من قانون مكافحة الإرهاب -وهو قانون متعسف يسمح للسلطات بوقف أشخاص “لا يشكلون تهديدا”- خاصة إن كنت من أصول باكستانية وليس أبيض. وهناك أيضا السياسات التي تقوم بالتركيز على مواجهة العنف المتطرف باسم التهديدات المفترضة للتشدد والتطرف. وفي أماكن من أوروبا بما فيها الاتحاد الأوروبي يتم توسيع هذه السياسات لمكافحة الإرهاب لاستهداف مظاهر التعبير السياسية الأيديولوجية والهويات الدينية.
ومن الناحية العملية يتم استهداف المسلمين كهدف مشروع للشك بهم. وفي هذا السياق من الشكوك، انتعشت شبكة من المنظمات والأفراد التي تروج للتهديد الذي يمثله الإسلام. وبحسب ليز فيكيت، مديرة معهد العلاقات العرقية، فإن هذه الحركات المعروفة بـ “بحركة مقاومة الجهاد” ظهرت كطيف في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة و”كقوة مقاتلة في الشارع من جهة وككتاب من المحافظين والمحافظين الجدد من جهة ثانية”. ففي أوروبا جماعات مثل “أوقفوا أسلمة الدنمارك إلى مجلس الدفاع الإنكليزي” كانت أساسية في تعزيز العنف ضد المسلمين. وفي أمريكا فإن غياب الجماعات على مستوى الشارع والجماعات الشعبية عوضه الثقل المؤسساتي للحركة، وهناك خمس منظمات تضم منبر الشرق الأوسط والمركز للسياسة الأمنية على علاقة بالسلطة والتأثير. ويتم تمويل الحركة من خلال المركز للتقدم الأمريكي ويطلق عليها “شبكة إسلاموفوبيا” وعلى علاقة قوية مع المسؤولين البارزين في المؤسسة السياسة الأمريكية. واستطاعت الحركة وبنجاح ربط المسلمين بالتهديد الإرهابي الإسلامي الخارجي وكان قرار منع المسلمين الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب التعبير الأوضح عنه.
وتقول الباحثة إن ما فعله اليمين المتطرف بشأن نشر الإسلاموفوبيا وسياسة مواجهة الجهاد أصبح أداة انتخابية ناجحة. وفي بلجيكا تحول “فلامز بيلانغ”، والحزب الديمقراطي في السويد، وحزب البديل في ألمانيا، في السنوات الأخيرة إلى أحزاب مهمة تحظى بدعم كبير. وانتشرت أفكارها وتصريحات قادتها وسياساتها بين أحزاب يمين-الوسط في كل أنحاء أوروبا.
وحذر عدد من قادة هذه الأحزاب -يمين وسط- مرارا من “الإرهاب الإسلامي” (مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل)، وتحدثوا عن عدم توافق قيم الفصل الإسلامية مع القيم الأوروبية (كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون)، بالإضافة لمنع أشكال الحجاب في الأماكن العامة كما في الدانمارك وبلجيكا وفرنسا، وتكشف كل هذه السياسات والتصريحات عن المدى الذي تحركت فيه المشاعر المعادية للمسلمين من الهامش الأوروبي إلى قلب الحكومات الأوروبية.
وتعتقد الباحثة أن بريطانيا هي التي قادت الطريق، ففي عام 2011 وسعت من منظور سياسات مكافحة الإرهاب، والتي تعرف باسم “بريفنت” وشمل المظاهر “اللاعنفية” وكذا “العنف”. ويمكن رد التغير في السياسة إلى عناصر اليمين الجديد وحركة مكافحة الجهاد- وهي جزء من عمليات لوبي قام بها “بوليسي إكستشنج” ومركز “سوشيال كوهيجين” وهو جزء من جمعية هنري جاكسون المرتبطة بحركة المحافظين الجدد وأثرت على هذا التحول. وكان توسيع منظور السياسات سببا في تحويل أساتذة المدارس والأطباء والممرضين إلى عملاء للشرطة. وأصبح بموجب هذا كل مسلم هدفا. و”في بريطانيا نستطيع مشاهدة دائرة مفرغة من إسلاموفوبيا وتم نسخها في مناطق عدة من أوروبا، حيث تقوم الحكومات بتشريع سياسات تستهدف المسلمين، تشجع بدورها وتجرئ الحركات المعادية للجهاد، والتي يدفع خطابها وتظاهراتها الدولة إلى توسيع التشريعات والتي تجرم المسلمين وهويتهم”.
و”بالنتيجة تؤدي لإثارة المشاعر المعادية للمسلمين في الفضاء العام. وأدى جو كهذا لزيادة العنف وتعقيده، مشيرة إلى الجريمة التي ارتكبها النرويجي أندريز بريفك وقتل فيها 77 شخصا وبنى رؤيته على “يوروبيا” التي دعا إليها بات يئور وتبنتها حركة مواجهة الجهاد. وتقوم النظرية على أن “العالم العربي” سيقوم باستعمار أوروبا. وكان المهاجم في هاناو قد تحدث عن هجوم ضد المهاجرين غير البيض وقالت السلطات إنه كان يحمل تفكيرا عنصريا. وكلاهما استفاد من السياسات الحكومية التي جعلت من المسلمين خطرا أمنيا، مع أنهما تصرفا بطريقة فردية بدون أية علاقة من منظمة أو حزب”. وفي النهاية يصعب رسم الخط من السياسة إلى التحرك والبلاغة إلى العنف، مثل انتشار الإسلاموفوبيا في أوروبا التي تظل صعبة وذات أسباب متعددة، لكن لا يعني أنها جاءت من فراغ.

شاهد أيضاً

الوضع في سوريا

كل ما يقوله مسترزقو اليوتيوب والشاشات عن تغييير كبير قادم لسورية، كذب، وكل من يقول أن التظاهر السلمي والحل السياسي والقرار ٢٢٤٥ سيسقط النظام، كذاب، أو على الأقل واهم وهماً كبيراً، للأسباب التالية :