الولد من كسب ابيه

لا يعلم دليل صحيح يُفيد أنَّ الأب يُكْتَب له مثلُ ما يعمل ابنُه من أعْمال صالحة، إلاَّ أن يَكون هو مَن دلَّه على الخير، أو دعَاه إلى الهدى، من تعليم علم، أو عبادةٍ، أو أدبٍ، أو ما شابه. وأمَّا قولُه – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «إنَّ أطيَبَ ما أكل الرَّجُل من كسبِه، وإنَّ ولدَه من كسْبِه»؛ رواه أحمد والتِّرْمذي. فمعناه: إنَّ أطيب أكلِكم بما كسبتموه بغير واسطة، أو بواسطة من كسْب أولادِكم؛ فالولد لمَّا كان كسْبَ أبيه وزرْعه، فللأب أن يأخُذ من مال ابنِه ما لا يضرُّ به، وأنَّ مال الابن مباحٌ للأب وملكٌ له، وأنَّ للأب أن يستخدِم الولد ما لَم يضرَّ به، وفيه أيضًا وجوب طاعةِ الابْن للأب، إذا كان العمل مباحًا لا يضرُّ بالابن. فالحديثُ مطابقٌ لقولِه – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «أنتَ ومالُك لأبيك»، وهُو مطابق لقولِه تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2]، وهُم ولدُه؛ كما فسَّره ابنُ عبَّاس ومجاهدٌ وغيرُهُما. وأكَّد شيخ الإسلام في “مجموع الفتاوى”: ” أن قوله تعالى: {وَمَا كَسَبَ} يَتَناول ولده؛ كما في الحديث: «ولدُه من كسْبه»، واستدلَّ بها على جواز الأكْل من مال الولَد. وقال المناوي في “فيض القدير”: “لأنَّ ولد الرجُل بعضه، وحكم بعضه حكم نفسه، ويسمَّى الولد كسبًا مجازًا؛ وذلك لأنَّ والده سعى في تَحصيله، والكسْب: الطَّلب والسَّعي في الرزق، ونفقةُ الأصْل الفقير واجبةٌ على فرعِه عند الشَّافعي – رضِي الله عنْه. والحديث أيضًا يدلُّ على أنَّ الابنَ أوْلى بأبيه بعد موتِه في أن يدعُو له، ويعمل له أعمالاً صالحة وما شابه؛ وقد ثبت في صحيح مسلم، عن أبي هُرَيْرة – رضِي الله عنْه – عن النَّبيِّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – أنَّه قال: «إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلاَّ من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علْم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدْعو له». قال شيخ الإسلام في “مجموع الفتاوى”: “فذكر الولدَ، ودعاؤه له خاصَّين؛ لأنَّ الولد من كسبِه كما قال: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2]، قالوا: إنَّه ولده، وكما قال النَّبيُّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «إنَّ أطْيَبَ ما أَكَلَ الرَّجُل من كسْبِه، وإنَّ ولدَه من كسْبِه»، فلمَّا كان هو السَّاعي في وجود الولَد، كان عملُه من كسبه، بخلاف الأخ والعمِّ والأبِ ونحْوهم، فإنَّه ينتفِع أيضًا بدُعائهم، بل بدعاء الأجانب، لكن ليس ذلك من عمله. والنَّبيُّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: «انقطع عملُه إلاَّ مِن ثلاث: …»، لم يقُل: إنَّه لَم ينتفع بعمل غيرِه، فإذا دعا له ولدُه، كان هذا من عملِه الَّذي لم ينقطِع، وإذا دعا له غيرُه، لم يكُن من عملِه؛ لكنَّه ينتفع به”. وعليْه؛ فما يفعلُه الولد الصَّالح من الأعْمال الصَّالحة، فإنَّ لوالديْه مثلَ أجرِه إن كان الأبُ هو مَن دلَّه على الخير؛ لقولِه – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَن دعا إلى هُدًى، كان له من الأجْر مثلُ أُجُور مَن تبِعَه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالة، كان عليْه من الإثْم مثلُ آثام مَن تبِعه لا ينقص ذلك من آثامِهِم شيئًا». وقوله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «مَن سنَّ سنَّة حسنةً، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن يُنقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء». أمَّا إن كان الأب لم يُرْشِد الابن إلى الخير، ولَم يُعلمه أمور الدِّين، فلا نستطيع الجزْم أنَّ الأب يأخُذ أجرًا على أعمال ابنِه الصَّالحة؛ لعدم وجود دليل عليه. وأما الأب الذي يقِف عقبة في طريق التزامِ ابنه بشرْع الله، أو يهمِلُه تمامًا، فهذا له وزر أمثاله ممن يصدون عن سبيل الله، مع ما يلحقه من إثم التفريط من التربية التي أمره الله بها، والشريعة طافحة بهذا، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه : 132]. وفي “الصَّحيحين” عن عبدالله بن عمر يقول: سمعتُ رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يقول: «كلكم راع وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيَّته، والرَّجُل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيَّتها، والخادم راعٍ في مال سيِّده ومسؤولٌ عن رعيَّته».

يقول الشيخ النابلسي حفظه الله :

أفضل كسْب الرجل ولدُه :
 إذًا : يُعدُّ الغلام بشرى لِما قد يفتح الله على يديه ، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) [ رواه النسائي ]

 النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (( أفضل كسْب الرجل ولدُه … )) [ الطبراني عن أبي بردة بن نيار ، وإسناده ضعيف كما في الجامع الصغير ]

 فحينما تبذلُ مجهودات كُبْرى في رِعايَة أولادك
بِقَصْد أن يُعينوك في كِبَرِك فهذا موضوع ،
-أما إذا بذلْت عِنايةً كُبرى في تعليمهم القرآن ، وتفْقيههم بأحكام الدِّين
ليكونوا دُعاةً إلى الله تعالى من بعدك ؛
فهذا موضوع آخر ، فهذا هو الكسب الذي لا ينقطع ، وهذه هي الصدقة الجارية ، أفضل كسب الرجل ولده.

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،