الطفل الموهوب.. عزّزي شعوره بالتميز ولا تجبريه على التشبّه بالآخرين

المصدر : الصحافة الإسبانية

يدرك الطفل الذي يتمتع بقدرات عقلية استثنائية منذ سن مبكرة أنه مختلف عن أترابه. ومن هنا ينشأ لديه شعور مرير بالعزلة والمعاناة يصاحبه لبقية حياته، في انتظار أن يفهم نفسه، ويفهم المحيطون به سبب اختلافه عنهم.

الشعور بالوحدة لدى الإنسان يبدأ منذ بداية تشكّل الوعي بالذات الفردية. والطفل الذي يتمتع بموهبة عالية يدرك اختلافه عن الآخرين دون أن يكون قادرا على تفسير ذلك. وينشأ لديه شعور بالوحدة يستمر لديه طويلا، وأحيانا يسلط عليه ضغطا لا يطاق في كافة مراحل حياته.
شعور دائم بالفضول والقلق
وتقول الكاتبة والأخصائية النفسية أولغا كارمونا في مقال نشرته صحيفة “البايس” الإسبانية، إن الطفل الموهوب يتعلم بسرعة الحروف والأرقام والقراءة، ويكون مهتما بالكلمات والقصص والكتب، ويشعر دائما بالفضول والقلق بشأن كيفية عمل الأشياء من حوله، وبعض الظواهر والحقائق مثل الموت واستحالة العودة بالزمن إلى الوراء. وهو يحاول مشاركة هذه الأفكار في الحضانة أو مع زملائه في المدرسة، إلا أنهم ينظرون إليه باستغراب، أو يتجنبونه، لأن لا أحد يفهمه.

من هنا يستبطن الطفل شعورا بأن أمرا ما في داخله ليس طبيعيا، وأنه مختلف عن الآخرين. وعندما يضطر الطفل للاختيار بين التأقلم مع ممارسة الألعاب والأنشطة التي يقوم بها أقرانه، أو التقوقع والاختلاء مع أفكاره لأنه يجد ألعابهم مملة، فإنه سيتجه مباشرة نحو الانعزال.
المعاناة من الوحدة
ويبدو الأمر مختلفا قليلا بالنسبة للفتيات، حيث إنهن سوف يفضلن الانخراط في المجموعة والحصول على القبول الاجتماعي، ويتعلمن في سن مبكرة كيفية التحكم في أنفسهن، وإخفاء الاختلافات حتى يندمجن في المجموعة، بحثا عن الشعور بالتقدير الذاتي من خلال الحصول على اعتراف الآخرين.

ولكن مع مرور الوقت، فإن هذا التمثيل والسلوك المصطنع سوف يتجاوز حدود الاحتمال، ولن تكون البنت قادرة على التعرف على شخصيتها الحقيقية، وستشعر في قرارة نفسها بأنها تعاني من وحدة قاتلة.

وهؤلاء الأطفال يتقدمون عبر مختلف المستويات في المدرسة دون أن يتراجع شعورهم بالوحدة. وأولئك الذين يتمتعون ببعض المهارات الاجتماعية سوف يجدون طريقة لتخفيف هذا الشعور، أما الانطوائيون والمتمسكون بميولاتهم ومعاييرهم الاجتماعية، الذين تتجاوز اهتماماتهم مجموعة أقرانهم المحيطين بهم، سيجدون أنفسهم بمفردهم، ممتنعين عن لعب كرة القدم أو ألعاب الفيديو، ولا تتم دعوتهم لحفلات أعياد الميلاد.

من السهل ملاحظة العزلة التامة التي يعاني منها هؤلاء الأطفال من خلال إلقاء نظرة على ساحة اللعب في المدرسة أثناء الاستراحة، حيث يكون الطفل جالسا بمفرده، أو يمشي دون هدف محدد، ويكون مستغرقا بالتفكير، أو يجلس في الركن ليلعب مع النمل دون أن يقتله، لأن مستوى التعاطف لديه يتجاوز الاعتيادي، وهو لا يسمح لنفسه بإيذاء الآخرين.

شخصية عاطفية وخيال واسع
ويرى البروفيسور جيم ديلايل من جامعة أوهايو في الولايات المتحدة “بعض العلامات المميزة، مثل قوة المشاعر، والشخصية العاطفية، والخيال الواسع، والتفكير الذاتي، والتي تُفسر بشكل خاطئ على أنها دليل على افتقار الطفل للمنطق واتصافه بالغرابة. ويكمن المشكل هنا في أننا نأخذ هذه الصفات التي تميز الطفل الموهوب، وننظر إليها من زاوية سلبية، ونحاول إجباره على التشبه بالآخرين والالتزام بالمعايير السائدة لدى المجتمع”.

ستمر سنوات طفولة الموهوبين، وتكون فيها أوقات الحزن أكثر من أوقات السعادة، حيث سيعانون من الوحدة داخل الفصل وخارجه. والمحظوظون منهم سيجدون من يلاحظ عبقريتهم، ويشرح لهم بكثير من الحب والتفهم أنهم لا يشكون من أي عيب.

أما الباقون فلن يلاحظ الناس تميزهم، ويضمحل تقديرهم لذاتهم بشكل كامل، حتى لا يعودوا قادرين على استعادة الثقة في أنفسهم.

الهوة بين الموهوبين وأقرانهم
والطفل الموهوب عندما يصل لمرحلة المراهقة، سيكون عليه مواجهة مجموعة من التحديات تضاف للآثار التي يحملها معه منذ مرحلة الطفولة. وتصبح الهوة بين الموهوبين وأقرانهم كبيرة. في هذه المرحلة، يحتاج لبناء شخصيته من خلال التشبه بأقرانه باعتبار أن والديه لم يعودا هما القدوة والمعيار بالنسبة له كما كان الأمر في الماضي، وهذا يترك المراهق الموهوب بحالة من الضياع بسبب الهوة السحيقة بينه وبين أبناء جيله.

فكيف له أن يتمكن من هذه النقلة دون وجود مرآة ينظر فيها ليرى نفسه؟ البعض من هؤلاء الموهوبين سوف يقومون بمحاولات يائسة وفاشلة للشعور بالانتماء، وذلك من خلال تقليد الكلمات السائدة والتفوه بالعبارات العدائية، أو حضور الحفلات الصاخبة، والتظاهر بالاستمتاع مثل الآخرين، أو حتى إخفاء موهبتهم التي تحولت بالنسبة لهم إلى لعنة.

وبالنسبة للفتيات، فهذه الفترة من حياتهن تشهد الانهيار التام لكل المحاولات المبذولة سابقا للاندماج والتشبه بالآخرين. وتفتقر البنت إلى من ترى فيهن نفسها، وتكتشف أن شخصيتها اختفت تماما لأن إستراتيجية التصنع لأجل الاندماج التي استخدمتها في الطفولة ستكون كلفتها عالية جدا.

بعد ذلك، يصل الموهوب لمرحلة النضج، ولكن بكثير من آثار الحروب التي خاضها، والتي حولته إلى كائن غريب. ولحسن الحظ، إن السنوات الأخيرة شهدت تطورا في الوعي العام بمدى موهبة هؤلاء الناس والقدرات الخاصة التي يتمتعون بها.

ولا يختلف هؤلاء الموهوبون عن الآخرين من حيث قدراتهم الذهنية فقط، وهو أمر يلاحظه الآباء والأمهات الذين ينجبون أطفالا موهوبين. فالكبار الذين يتميزون بقدرات استثنائية، ويمرون بكافة مراحل المعاناة بسبب عدم فهمهم لأنفسهم، يتمكنون من فهم موهبتهم عندما ينجبون أطفالا يحملون الموهبة نفسها، وهو ما لاحظه الأخصائيون في مجال البحوث الطبية.

استكشاف ذات الكبار الموهوبين
من هنا، تبدأ مرحلة جديدة من استكشاف الذات لدى هؤلاء الكبار الموهوبين، الذين قد ينتهي بهم الأمر إلى الشعور بالغضب لأنهم لم يكتشفوا هذه الحقائق في الوقت المناسب، وظلوا لسنوات يعانون المشاكل النفسية بسبب تفردهم واختلافهم عن الآخرين، لدرجة أن بعضهم كانت تراودهم أفكار بأنهم مصابون باختلال عقلي.

وتبدأ الأجوبة بالظهور بحياة الموهوبين، بينما تبرز أسئلة جديدة. وتمثل هذه النقطة مرحلة ولادة حقيقية بالنسبة لهم، لأنهم يبدؤون بالعيش وهم يعرفون سبب اختلافهم عن الآخرين، وحقيقة تركيبتهم العقلية، وكيفية تأثيرها على حياتهم، وبعد أن كانوا يعانون من عقدة الإحساس بالنقص، سيصبح لديهم شعور بالتميز والتفوق عن الآخرين.

وتؤكد الكاتبة أنها تقدم مقاربة متعاطفة مع أكثر أنواع الاختلاف إيلاما، وهي اعتراف بمعاناة الأمهات والآباء الذين يقومون كل يوم بجهود خيالية لتربية طفل يحمل هذه الصفات ويعاني من الوحدة ويتعامل بشكل يومي مع سوء الفهم والأفكار المغلوطة التي تجرده من الشعور بالفخر والتميز. وقالت “أعرف هذا النوع من الناس، وأشاهدهم يبكون ويعانون ولكنهم لا يستسلمون، فقد كنت واحدة منهم، وأصبحت أيضا أمّا لاثنين منهم”.

شاهد أيضاً

الوضع في سوريا

كل ما يقوله مسترزقو اليوتيوب والشاشات عن تغييير كبير قادم لسورية، كذب، وكل من يقول أن التظاهر السلمي والحل السياسي والقرار ٢٢٤٥ سيسقط النظام، كذاب، أو على الأقل واهم وهماً كبيراً، للأسباب التالية :