منذ 1967.. مؤامرات إسرائيلية متجددة لإفراغ قطاع غزة من الفلسطينيين

بقلم: عميره هاس

الإثنين، عندما قال “مصدر سياسي رفيع” إن إسرائيل مستعدة للمساعدة في هجرة فلسطينيين من قطاع غزة، كثيرون اعتقدوا أن هذه أقوال مجردة. ولكن هذا التصريح يتقاطع مع عدة محاولات لإسرائيل لتغيير الاتجاهات الديمغرافية في المنطقة، لذلك لا يجب الاستخفاف به. صحيح أن إسرائيل تلقت خلال سنوات فشلاً ذريعاً عندما طرحت إغراءات الهجرة على الفلسطينيين. ولكن أقوال هذا المصدر والسرعة التي أيدت فيها ايليت شكيد هذه الفكرة التي تقف وراءها، تدل على درجة الهذيان الإسرائيلي القوي بأنه يمكن بالهجرة إنهاء أو هزيمة الطموحات القومية الفلسطينية.

في عام 1967 بعد احتلال قطاع غزة، مالت الحكومة إلى ضمه إلى إسرائيل وإخلائه من معظم سكانه اللاجئين. وافترضت أنه من السهل على اللاجئين العودة والاقتلاع. الأماكن التي تم اقتراحها في تلك النقاشات هي: سيناء والأردن والجزائر والمغرب وسوريا والعراق وأمريكا الجنوبية. في كتاب توم سيغف بعنوان “1967” يتم تفصيل مبادرات كهذه لاقتلاع اللاجئين من جديد. تفصيل المبادرات وطابع مناقشتها تدل على من وضعها، الذين حافظوا على نمط تفكير كولونيالي متعال، ينظر إلى الفلسطينيين كرعايا ليس لهم ارتباط بوطنهم وأنه يمكن تحريكهم على لوحة الشطرنج. إحدى المبادرات، التي ظهرت خيالية في أيامنا هذه، كانت لنقل لاجئين فلسطينيين من القطاع إلى الضفة الغربية، كما اقترح يوسف فايتس في أيلول 1967، هو من رؤساء الكيرن كييمت ومن الداعين إلى الترحيل حتى قبل قيام الدولة. وزير الداخلية في حينه، حاييم موشيه شبيرا، اقترح أن يتم استيعاب 200 ألف لاجئ من القطاع في إسرائيل. وموازنتها بزيادة الهجرة اليهودية. يغئال الون اقترح في حينه توطينهم في العريش في شمال سيناء وفي الضفة. ولكنه عارض توطينهم في الغور. بأما يغن فأيد توطينهم في العريش، لكنه عارض نقلهم إلى الضفة الغربية.

سغيف تحدث عن اقتراح الأستاذ روبرتو باكي، مدير المكتب المركزي للإحصاء، ورجل الرياضيات آريه دوفرتسكي والاقتصادي ميخائيل برونو، لنقل 40 ألف عائلة، ما يعادل 250 ألف نسمة، أكثر من نصف سكان القطاع في ذلك الحين، إلى الضفة الغربية خلال عقد. وقد افترضا أن المشروع سيولد زخماً اقتصادياً كبيراً. ووزير الإسكان مردخاي بن طوف (مبام) أيد هذا الأمر. وفي عدد من مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية تعيش حتى الآن عائلات لاجئين وافقوا في السبعينيات على مغادرة القطاع، لكن عددهم أقل بكثير من العدد في الخطة الأصلية.

قبل شهرين كُتب في موقع “972” تقرير عن بحث جديد يتناول بحث البروفيسورين ويعتبره “تقرير لجنة” شارك فيها أيضاً رجل علم الاجتماع شاؤول آيزنشتات. وكتب أن البحث استند إلى وثائق كشفت مؤخراً، لكن في كتابه الذي صدر في 2005 اقتبس سغيف محادثات للأساتذة مع رئيس الحكومة ليفي أشكول. وهذا ما كتب: “باكي قدم لأشكول استعراضاً مقلقاً: معدل وفاة الأطفال في غزة يمكن أن ينخفض إذا واصلنا أن نكون رحيمين مثلما نحن الآن”، قال. “موت الأطفال في المناطق قد يشبه الموجود لدى عرب إسرائيل. هذا وضع صادم”. واقترح دفورتسكي في المقابل نقل لاجئي غزة إلى بيوت من تم ترحيلهم في 1967، لا سيما في غور الأردن. أستاذ الرياضيات شرح لأشكول بأنه إذا احتل اللاجئون البيوت فإن احتمالية عودة المهجرين ستنخفض. “إضافة إلى ذلك، أنت تثير في أوساط السكان نزاعات داخلية، بينهم وبين أنفسهم، لأنهم لا يريدون إضافة سكان في أراضيهم”. الافتراض غير الأخلاقي الذي خلف تشجيع الانتقال إلى الضفة هو أن الكثيرين سيغادرون بعد ذلك إلى الأردن. ولكن وزير الدفاع موشيه ديان عارض توطين اللاجئين وقال: “أوافق أن تتم هجرة الجميع”.منذ بداية 1968 كتب سغيف “عملت في غزة مجموعة من خمسة إسرائيليين استعانوا بمتعاونين، تجولوا في مخيمات اللاجئين ووعدوا الناس بالمال مقابل الموافقة على المغادرة.

الحكم العسكري والشاباك ومستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية وقفوا خلف نشاطهم. أشكول عين بالتنسيق بين هذه الأجسام عاده سيرني، من مواليد إيطاليا. وهي عضوة في الكيبوتس وذات مواقف سياسية صقرية، وهي أرملة انتشو سيرني، المظلي الذي مات في دخاو. سيغف كتب أنها اختيرت لهذه الوظيفة أيضاً لأن أشكول أمل بأن تسمح علاقتها مع إيطاليا بنقل عدد كبير من اللاجئين من غزة إلى ليبيا. في إسرائيل تم الحفاظ على نشاطات الترحيل بسرية. ولكن نشاطها في قطاع غزة كان مكشوفاً مثل الأموال التي تم عرضها على المغادرين وصيغة النموذج (الذي طلب منهم التوقيع عليه) والذي يقضي بأنهم يغادرون بإرادتهم. وكتب في المقابل أيضاً أن وزارة الخارجية شجعت، بالتنسيق مع الموساد، هجرة لاجئين إلى البرازيل وإلى دول أخرى في أمريكا الجنوبية. ومدير منظمة “جوينت” كان مشاركاً في محاولة تنظيم هجرة فلسطينيين.

حسب سغيف، في أيار 1968 كتبت سيرني بأن 15 ألف شخص تقريباً خرجوا من القطاع في الأشهر الثلاثة الأولى من عملها. المكتب المركزي للإحصاء وجد أن نحو 20 ألف فلسطيني هاجروا في النصف الأول من عام 1968. ولكن السياسيين والأساتذة لم يفهموا أن آمال اللاجئين بالعودة إلى بيوتهم داخل إسرائيل لم تخبُ. وفي المقابل، تطور في القطاع وعي جماعي له هوية مشتركة ومتماسك. المغادرة الطوعية وبشكل دائم لا تعتبر خياراً، خلافاً للمغادرة من أجل التعليم والعمل والعودة إليها في كل عطلة، مثلما سمح بذلك أثناء الحكم المصري. هنا وهناك تظهر الوثائق نوايا إسرائيل لاستخدام ضغط سلبي يؤدي إلى الهجرة. في رسالة لشخص من وزارة الخارجية قرأ توم سغيف أن قائد القطاع، مردخاي غور، يميل إلى خفض مستوى الحياة في القطاع من أجل حث السكان على مغادرته. حتى قبل تعيين سيرني أمِل أشكول بأنه “بسبب هذا الاختناق والسجن، ربما يتحرك العرب من أنفسهم – وربما إذا لم نعط لهم الماء بدرجة كافية فلن يكون أمامهم خيار؛ لأن البيارات ستصبح صفراء وتجف”. هذا الاقتباس أورده عوفر اديرت في مقال نشره في “هآرتس” في تشرين الثاني 2017، من خلال محاضر سرية لنقاشات الوزراء التي تم الكشف عنها بعد أربعين سنة.

طريقة واحدة نجحت

حتى نشر تصريحات كهذه وأشباهها، كان هناك فلسطينيون استنتجوا أن إساءة ظروف حياتهم هي جزء من المؤامرة الصهيونية، وأن الحدود بين بوادر حسن النية لتشجيع الهجرة وبين إساءة ظروفهم (من أجل الهدف نفسه) هي دقيقة جداً. نقص المياه في القطاع الآن صعب أكثر من تجفيف البيارات. وظروف الفقر والاختناق والسجن في القطاع أكثر بعشرة أضعاف. الحصار الإسرائيلي الذي تعزز بالتدريج منذ ا 1991 هو العامل الرئيس في تدهور الاقتصاد والتشغيل والبيئة في القطاع، مع كل تأثيراته الاجتماعية والصحية والنفسية. النتيجة هي ازدياد عدد من يرغبون في المغادرة وعدد المغادرين.

المحاولة الأخيرة المعروفة لإسرائيل والتي فسرت كإغراء للمغادرة تمت في شباط 2016 عندما أعلنت إسرائيل أن سكان القطاع يمكنهم السفر إلى الخارج من جسر اللنبي شريطة تعهدهم بعدم العودة خلال سنة. وأن لا يتوقفوا في الطريق وأن لا ينزلوا في جيوب مناطق السلطة الفلسطينية. قبل ثلاثة أشهر تم تغيير الفترة إلى نصف سنة غياب. اعتبر استعداد السماح بالسفر عبر جسر اللنبي خطوة تسهيلية؛ فمنذ 1997 تمنع إسرائيل سكان القطاع من الخروج والدخول عبر الأردن، بل بواسطة تصاريح مسبقة تعطى بعدد قليل. هذا الحظر يعارض اتفاقات أوسلو التي حددت بأن تعامل الطرفين مع القطاع والضفة الغربية سيكون مثل وحدة جغرافية واحدة. مصر، وهي التي تدرك أوهام إسرائيل بشأن مغادرة جماعية للفلسطينيين، زادت شدة ترتيبات العبور في معبر رفح منذ 2005 إلى درجة إغلاقه لعدة أشهر. رغم عدد الفلسطينيين الكبير الذين يرغبون في الهجرة، إلا أن بضع مئات من الأشخاص استغلوا الإجراء الإسرائيلي الجديد وخرجوا عبر جسر اللنبي. فتح معبر رفح لفترات أطول يسمح لهم بالعودة إلى القطاع بدون علاقة بالتعهدات التي وقعوا عليها.

في 1967 منحت إسرائيل نفسها الصلاحية بسحب مكانة المواطنة في المناطق التي احتلت من فلسطينيين لم يكونوا موجودين فيها أثناء الحرب، أو في وقت إجراء الإحصاء السكاني أو أنهم خرجوا إلى الخارج ومكثوا خارج المناطق فترة طويلة. كانت هذه طريقة “تشجيع الهجرة” الوحيدة التي نجحت. هذه الصلاحية سحبت من إسرائيل عند التوقيع على اتفاقات أوسلو (وإن لم يكن في شرقي القدس). والذين غادروا القطاع والضفة منذ ذلك الحين بسبب ظروف الحياة الصعبة وخيبة الأمل ما زالوا يحملون جواز السفر الفلسطيني وبطاقة الهوية الفلسطينية. وهناك من يكتشفون أن دولاً أخرى لا تحسن استقبال الجميع. كثيرون يحاولون أن يسجلوا أولادهم كمواطنين في السجل الفلسطيني للسكان، رغم ذلك، ورغم كل إخفاقاته، فإن اليمين الإسرائيلي الذي يتسع يواصل أوهامه بشأن “ترحيل طوعي”. والفلسطينيون أثبتوا منذ زمن عدم وجود مخلوق كهذا.

شاهد أيضاً

الوضع في سوريا

كل ما يقوله مسترزقو اليوتيوب والشاشات عن تغييير كبير قادم لسورية، كذب، وكل من يقول أن التظاهر السلمي والحل السياسي والقرار ٢٢٤٥ سيسقط النظام، كذاب، أو على الأقل واهم وهماً كبيراً، للأسباب التالية :