رجل أعمال إسرائيلي خلف صفقة لبيع طائرات استطلاع للإمارات

الكاتب : أوري بلاو وآفي شراف

طائرة رجال أعمال بيضاء، بريئة كما يبدو، اعتادت منذ بضعة أسابيع على الإقلاع من المطار العسكري-الظفرة، في أبو ظبي، والتحليق لساعات في سماء الخليج الفارسي. من يتمتعون بنظرة ثاقبة يلاحظون النتوءات الخاصة في جناح الطائرة وذيلها وظهرها. هذه ليست طائرة عادية لرجال أعمال، بل طائرة تجسس متطورة تابعة لاتحاد الإمارات العربية وهدفها جمع معلومات إلكترونية، وأحد أهدافها إيران.

رحلات الطيران التجريبية لهذه الطائرة التي بدأت مؤخراً تدل على المراحل النهائية للصفقة السرية التي بدأت قبل عقد تقريباً. ولم يكن الطرف الإسرائيلي فيها معروفاً حتى الآن. تقرير “هآرتس” كشف أن من يقف خلف تزويد طائرة التجسس التابعة لاتحاد الإمارات هو رجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوخافي في صفقة تبلغ 3 مليارات شيكل. وقد علم عن الصفقة في أعقاب التسريبات الكبيرة لوثائق من مكتب المحامين “آبل باي” من قبل منظمة المراسلين المحققين الدوليين “آي.سي.آي.جي” والصحيفة الألمانية “سويدتش زايتون”، وقد حظيت باسم “برادايس بيبرز”. الوثائق التي وصلت إلى “هآرتس” كشفت أن أسماء من زعماء اتحاد الإمارات ارتبطت بالصفقة، بل ودفعت نقداً ولو جزئياً.

لا توجد بين إسرائيل واتحاد الإمارات ودول الخليج الأخرى علاقات دبلوماسية، لكن هذا الأمر لا يمنع المصالح المشتركة من أن تؤدي إلى علاقات متشعبة غير رسمية، تشمل علاقات في المجال التجاري والعسكري والدبلوماسي. إن المصالح المشتركة بين إسرائيل ودول الخليج هي العدو المشترك، إيران. وحسب تقرير “وول ستريت جورنال” هذه السنة، فإن إسرائيل والسعودية واتحاد الإمارات تتبادل فيما بينها بصورة مستمرة معلومات استخبارية عن تهديدات من طهران، وأيضاً تقرير نشره معهد طوني بلير للتغيير العالمي في آب الماضي قدر بأن إسرائيل تدير تجارة بمبلغ مليار دولار سنوياً مع دول الخليج.

إذا كانت المسألة الفلسطينية في السابق قد صعبت على تطوير هذه العلاقات، فإن هذا الأمر أصبح غير مهم الآن. في مقابلة أجراها مع “الغارديان” البريطانية، قال مؤسس مركز اتحاد الإمارات للدراسات الاستراتيجية، جمال سويدي، بأنه -خلافاً للسابق- فإن المسألة الفلسطينية لم تعد تقف على رأس أولويات دول الخليج. “أفضلية هذا الشأن هبطت بصورة حادة على ضوء التحديات والتهديدات والمشكلات التي تواجهها دول المنطقة”. وقال إن هذه التهديدات تشمل إيران وحزب الله ومنظمات إرهابها.

صفقة تزويد الطائرات تشمل طائرتي تجسس، الأولى تم نقلها قبل سنة إلى اتحاد الإمارات. بعد فترة من التزويد بالأجهزة، بدأت في الأسابيع الأخيرة برحلات طيران تجريبية قبل تحويلها إلى رحلات عملياتية ونقلها بشكل نهائي إلى جيش اتحاد الإمارات الذي يتوقع أن يتم حسب الصفقة في السنة القادمة. الطائرة الثانية ما زالت في مرحلة التطوير في بريطاني. وتنفذ رحلات طيران تجريبية في شمال شرق لندن. عندما تصبح الطائرات عملياتية، ستكون لجيش اتحاد الإمارات قدرة استخبارية متطورة جداً: طائراته تستطيع اعتراض عمليات الإرسال وتحديد ورسم الخرائط الإلكترونية التي تديرها إيران في الوقت الفعلي، وضمن أمور أخرى، أجهزة الرادار والدفاع الجوي التي تدافع عن المنشآت النووية. وثمة دول أخرى في المنطقة بما فيها الصديقة – العدوة، السعودية، يمكن أن تكون هدفاً لطائرات اتحاد الإمارات.

دكتور ثيودور كيرسيك، زميل مشارك في البحث حول موضوع روسيا والشرق الأوسط في مؤسسة “جيمس تاون فاونديشن”، سكن في الإمارات سنوات كثيرة وهو يعرف جيداً الدولة والصناعة الأمنية فيها. وحسب أقواله، فإنه في خلفية الاستثمار في طائرات التجسس تقف رغبة دولة الإمارات في الحصول على معلومات استخبارية بشكل مستقل. الولايات المتحدة في الحقيقة تجمع معلومات استخبارية في المنطقة، شرح كيرسيك في مقابلة هاتفية، لكن ليس بالضرورة أن تقوم هي بتزويد جميع المعلومات لدولة الإمارات. والحاجة إلى المعلومات فيما يتعلق بليبيا واليمن وإيران، قال، تجعل اتحاد الإمارات تستثمر أموالاً ضخمة في شراء طائرات التجسس.

العلاقة بين الرئيس وولي العهد

خلال سنوات، استخدمت أسلحة جو كثيرة في العالم طائرات بحجم كبير (مثل بوينغ 707) من أجل جمع معلومات إلكترونية. ولكن في العقدين الأخيرين هناك تحول إلى استخدام طائرات رجال أعمال أصغر بكثير تم تحويلها إلى مهمات رقابة، وجمع معلومات وحرب إلكترونية، ومركب على طول الطائرة، ورادارات متطورة، وأجهزة التقاط، وأجهزة استشعار متطورة، ووسائل جمع أخرى.

في إسرائيل مثلاً أقيم “سرب هنحشون” المكون من طائرات “غالبستريم 5” التي حولت لأغراض الرقابة الجوية والتقاط الإشارات الاستخبارية الرقمية. الصناعات الجوية الإسرائيلية حولت طائرات “غالبستريم” أخرى إلى أغراض مشابهة لصالح إيطاليا وسنغافورة. سلاح الجو البريطاني مثلاً، أنشأ سرب “سنتنال” الذي حولت فيه 5 طائرات لرجال الأعمال من طراز “بومبرداير غلوبر اكسبرس” إلى أغراض جمع المعلومات الاستخبارية وإدارة ساحة القتال.

فحص مئات الوثائق ومراسلات البريد الإلكتروني التي سربت من شركة المحامين “آبل باي”، المختصة في تقديم خدمات لشركات في ملاذات ضريبية، يظهر أن جيش اتحاد الإمارات طلب إنشاء جهاز مشابه لطائرات التجسس، والصفقة بدأت في التبلور قبل عقد تقريباً. الوثائق تصف المبنى المعقد الذي أنشئ لغرض شراء الطائرات: على رأسه يقف من يعتبر “الزبون النهائي” – جيش اتحاد الإمارات. الاتحاد وقع على اتفاق مع شركة كبيرة في أبو ظبي هي “ادفإنزد انتغريتد سيستمز” (إي.آي.اس). الشخص المسجل الآن كمدير عام للشركة، عبد الله أحمد البلوشي، ينتمي إلى عائلة من اتحاد الإمارات معروفة كعائلة ذات علاقات مع جهاز الاستخبارات في الإمارات.

الشركة التي أقيمت في 2006 لها موقع إنترنت غير نشط. مع ذلك، فقد وصف فحص المضمون الذي رفع للموقع في السابق (إي.آي.اس) كشركة تعمل في تقديم حلول حماية ديناميكية للحكومات والوكالات والشركات الخاصة. وقد كتب في الموقع بأن الشركة تعمل في حماية منشآت استراتيجية وبنى تحتية مختلفة وشبكات مواصلات ومعابر حدودية. حسب الموقع، الشركة تدير مشاريع بمليارات الدولارات، منها مشاريع في اتحاد الإمارات نفسها، وفي الولايات المتحدة وأوروبا والبرازيل والصين ودول أخرى في آسيا.

في أعقاب مباحثات وصفت بالتفصيل في الوثائق المسربة، تقرر أن الخطوة الأكثر صحة من ناحية التكلفة الضريبية هي تسجيل الطائرات في جزيرة مان الواقعة بين بريطانيا وإيرلندا، بصورة تشبه تسجيل طائرات مديري رجال الأعمال. بعد ذلك، فتحت (إي.آي.اس) شركة فرعية بنفس الاسم مقرها في الجزيرة.

وثيقة من الوثائق تكشف أن التكلفة الإجمالية للصفقة بلغت 629 مليون يورو (أكثر بـ 80 مليون يورو من المبلغ الذي تم الاتفاق عليه بين حكومة اتحاد الإمارات وإي.آي.اس في العام 2010). بند إعادة تأهيل الطائرة يصف تركيب أجهزة “ايلينت” من أجل جمع وتحليل الإشارات الإلكترونية لأنظمة عسكرية وتحديد أهداف؛ وتركيب أجهزة “كومنت” للتنصت؛ وأجهزة حرب إلكترونية للدفاع والتشويش؛ وأجهزة رقابة بصرية (كاميرات للمدى البعيد)؛ واتصالات الأقمار الاصطناعية واستيعاب أجهزة برمجة لإدارة المنتجات. وهذا البند يشمل أيضاً إنشاء محطات التقاط أرضية.

في وثائق مختلفة، تم ذكر حكام الإمارات بأنهم مرتبطون بـ إي.آي.اس..الرئيس خليفة بن زايد، وشقيقه غير الشقيق ولي العهد محمد بن زايد. وبمصطلحات مالية مهنية، سجل الاثنان كـ “بوليتيكلي اكسبوز بيرسونز”، معنى هذا الوضع هو أن الصفقات التي تنفذ مع الشركات المرتبطة بهؤلاء الأشخاص يمكن أن تمر برقابة أكثر عمقاً. لا يتم توضيح علاقتهما مع (إي.آي.اس) عبر الوثائق، لكن دكتور كيرسيك يقدم تفسيراً، فحسب أقواله إن (إي.آي.اس) وشركات أخرى من هذا النوع هي بملكية الدولة نفسها. هذه المعلومات تعتبر حساسة، لذلك لا تظهر في التسجيل العلني للشركة. لا يوجد لهذا التقدير ما يستند إليه.

وثائق من عام 2015، وبعد سنوات كثيرة من تبادل مئات ملايين الدولارات، تظهر شكوك في “آبل باي” ثارت حول عدة جوانب من الصفقة. فقد أشاروا في الشركة بأن تمويل هذه الصفقة غير مطلوب لأنها تمت على الأقل جزئياً بأموال نقدية. وتمت الإشارة إلى نقص في بيانات مختلفة حولها، مثل أرقام الحسابات البنكية ذات الصلة ونماذج “فاكتا” ونماذج يطلب من المؤسسات المالية خارج الولايات المتحدة تعبئتها عندما يقوم أشخاص ذوو علاقة بالدولة بتنفيذها بواسطة صفقات. لا تشير الوثائق إلى كيفية حل هذه المسألة. لقد تقدمت الصفقة، يتوقع للطائرة الأولى أن تنقل نهائياً إلى جيش الإمارات في السنة القادمة.

اسم إسرائيل غاب تقريباً

ماتي كوخافي، وبواسطة الذراع التجاري المعروف له (شركة سويدية باسم “إي.جي.تي انترناشيونال”) كان أحد عرابي صفقة تزويد الطائرات لاتحاد الإمارات. تعمل “إي.جي.تي” التي مقرها في زيوريخ، في تقديم الحلول في المجال الأمني، وهي التي اشترت في 2012 طائرتي رجال أعمال من شركة “بومبارديا” الكندية مقابل 43 مليون يورو لكل طائرة. “إي.جي.تي” كانت أيضاً المسؤولة عن توفير جزء كبير من الأنظمة التي تم تركيبها في الطائرة. أعمال التطوير نفسها نفذتها شركة بريطانية اسمها “مارشال” من خلال عقد بمبلغ 100 مليون دولار. الحديث يدور عن الشركة نفسها التي أجرت تعديلات على طائرات رجال الأعمال لأغراض جمع المعلومات الاستخبارية لصالح سلاح الجو البريطاني.

اسم إسرائيل غاب تماماً عن مئات آلاف الكلمات التي وصفت الصفقة بشكل مفصل. كان ذكر اسم إسرائيل الوحيد في وثيقة واحدة مصدرها في سويسرا، وهو يصف تركيبة “إي.جي.تي”. مذكور فيها بالألمانية بأن كوخافي مواطن إسرائيلي. رجل الأعمال (57 سنة) من مواليد حيفا، وحسب منشورات مختلفة، جمع أمواله من مجال العقارات في الولايات المتحدة في التسعينيات. مع ذلك، عرف كوخافي أيضاً كمن يعمل في طبقات مختلفة في الصناعات الأمنية والإنترنت والمالتيميديا والاتصال بين المجالات المختلفة. أعمال كوخافي تتراوح بين المجال العلني والتجديدي والسري، بصورة يبدو أنها تخدم الهالة التي خلقها حوله. موظفوه قالوا في السابق بأنه مطلوب منهم التوقيع على اتفاقات مخيفة للحفاظ على السرية.

حسب ما نشر في “بلومبرغ”، أقام كوخافي عدة شركات لحماية التكنولوجيا بعد الهجمات الإرهابية في 11 أيلول. أحدها (4 دي سكيورتي)، فلايمبن، نيوجرسي، أقامت أجهزة رقابة في جدران المطارات في نيويورك. شركات مسجلة بملكية كوخافي أو كانت مسجلة في إسرائيل أو سويسرا أو بريطانيا أو المانيا أو قبرص. تطوير الطائرات الذي هو لصالح اتحاد الإمارات ليس هو مشروعه الأول في الدولة؛ فقد وقف كوخافي من وراء مشروع حماية منشآت بنى تحتية في أبوظبي مثل “مدينة ذكية”، الذي تم فيه تركيب آلاف الكاميرات والمجسات وأجهزة لقراءة لوحات الترخيص على طول ألف كم من الحدود الدولية لاتحاد الإمارات وشوارع أبوظبي. حسب بلومبرغ، فإن منصة الذكاء الصناعي لـ “إي.جي.تي” التي اسمها السري هو “وزدام” (الحكمة)، حللت صوراً ومعلومات من المنشآت. وحسب ما نشر، لم يخفِ كوخافي حقيقة أنه هو ومعظم تكنولوجيا شركته والكثير من موظفيه يأتون من إسرائيل.

ولكن نشاط كوخافي التجاري متنوع ويتجاوز الصفقات الأمنية الخالصة: في ذكرى الكارثة الأخير نشر كوخافي “قصة ايفا” التي تم فيها تحويل مذكرات فتاة يهودية في هنغاريا في فترة الكارثة إلى فيلم نشر في حساب على “إنستغرام” وهو من شغله. واستثمر أيضاً في منصة باسم “هيد” التي تهدف إلى زيادة المشاهدة للبث المباشر من خلال جمع معلومات عن الجمهور وتصنيف ردود. وقد أنشأ موقع الأخبار “فوكتيف”.

لم يتطرق كوخافي إلى الأسئلة التي أرسلت إليه فيما يتعلق بالصفقة بواسطة رجل العلاقات العامة لديه.

شاهد أيضاً

عملية طعن بالقدس والاحتلال يتهم سائحا تركيا ويرديه قتيلا

قال مراسل الجزيرة اليوم الثلاثاء إن جنديا إسرائيليا أصيب بعد تعرضه للطعن قرب باب الساهرة بالبلدة القديمة في القدس، في حين قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن منفذ العملية سائح تركي.