تونس.. حصانة البرلمان تفاقم الهواجس من تفشي الفساد

تزايدت المخاوف في تونس من تفاقم الفساد، عقب ترشح سياسيين متهمين بالتهرب الضريبي للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، المقررة في 15 سبتمبر/أيلول المقبل، كما قدم برلمانيون تتعلق بهم شبهات فساد ترشحهم للمرة الثانية للانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وترشح هذه الشخصيات المدانة بالفساد، خلق جدلا لدى الرأي العام وأثار ضجة بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أبدوا تخوفات جدية على المسار الانتقالي غير المكتمل، وعلى إنجازات الثورة، وفي مقدمتها حرية التعبير.

ويعد رجل الأعمال ورئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي، المترشح للانتخابات الرئاسية، أحد أبرز الشخصيات الملاحقة قضائيا، بعد أن أصدر القطب القضائي المالي في تونس (محكمة مختصة في الجرائم المالية) في يونيو/حزيران الماضي قرارا بتحجير (بحظر) سفره، على خلفية شكوى رفعتها ضده منظمة ”أنا يقظ” (منظمة مدنية) بشبهة التهرّب الضريبي والفساد المالي.

وتتعلق بالقروي العديد من القضايا تجاوزت سبعمئة ملف من أربع دول، وقد أقر قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي مجموعة من التدابير الاحترازية في شأن الأخوين القروي، تتعلق بتحجير (بحظر) السفر وتجميد الأموال، وذلك منذ يوم 28 يونيو/حزيران الماضي.

وكانت منظمة “أنا يقظ” نشرت تحقيقا استقصائيا تحت عنوان “شبكة نسمة: ما تخفيه قناة الأخوين القروي”، وتعرضت فيه إلى مختلف الخروقات المرتكبة من قبلهما حول التهرب الضريبي والتحايل، وفق تقديرها.

وفي خطوة مشابهة، ترشح رئيس حزب “الاتحاد الوطني الحر” سليم الرياحي، على رأس قائمة فرنسا 1، بالانتخابات التشريعية، رغم الإجراءات القضائية المتخذة ضده، حيث قرر القضاء التونسي تجميد أرصدته وممتلكاته بتهمة تبييض الأموال والاستيلاء على أموال في ليبيا.

وأكد رئيس برامج منظمة “أنا يقظ” يوسف بلقاسم أن ترشح بعض الملاحقين قضائيا، تهدف للإفلات من العقاب، لافتا إلى تداعيات فوز “فاسدين” في قيادة المرحلة المقبلة، وما قد ينجم عن ذلك من إساءة للبلاد، ولتجربتها الناشئة في الديمقراطية، بعد الثورة.

واعتبر بلقاسم في حديثه للجزيرة نت أن رئيس الحكومة الحالية يوسف الشاهد متهم بالتستر على الفساد، مشيرا إلى أن منظمة “دوتشه” رفعت قضية فساد ضد الشاهد بعد قراره رفع التجميد على أموال رجل أعمال شهير من أصهار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

جرعة وقتية
من جهته، أرجع النائب بحركة النهضة محمد بن سالم ذلك إلى عدم توقيع الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي على التعديلات الأخيرة التي شملت القانون الانتخابي والتي صادقت عليها هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين والبرلمان، معتبرا أن ذلك خلق أزمة دستورية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد بن سالم أن هذه التعديلات كانت تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص بين المرشحين، لكونها تحول دون ترشح رؤساء الجمعيات درءا لشبهات التمويل الأجنبي، ومنعا لعودة منظومة الاستبداد.

بدوره، قال المحلل الاقتصادي رضا قويعة للجزيرة نت، إن إفلات السياسيين من العقاب، مجرد جرعة وقتية وإجراءات احتياطية للمتهربين، الذين سيواجهون مصيرا مشابها للرئيس المخلوع بن علي بالسجن أو الهروب.
وفي سياق متصل، أشار الخبير الاقتصادي صادق جبنون إلى الدور السلبي الذي يمكن أن يلعبه رجال الأعمال والسياسيون في بناء اقتصاد الدولة، في ظل تفشي ظاهرة تبييض الأموال واستشراء الفساد.

وأضاف جبنون للجزيرة نت أنه يتمنى أن يعاقب التونسيون عبر صندوق الاقتراع والديمقراطية، المتهربين والفاسدين، بعدما عجز القضاء عن ردعهم.

محاربة الفساد
وترى الهيئات المدنية الناشطة في مجال مكافحة الفساد أن ما تقوم به الحكومة، في ما يتعلق بمحاربة الفساد في تونس، ما زال يحتاج إلى إرادة سياسية وقضائية لمكافحة التهرب الضريبي، وغسل الأموال في ظل الخناق، الذي يفرضه البنك الدولي على البلاد.

ويقول وائل الونيفي المكلف بالإعلام في الجمعية التونسية لمكافحة الفساد إن القانون الانتخابي الحالي لا يسمح بإقصاء أي طرف سياسي، مشيرا إلى أن شرط التصريح على المكاسب (كشف الذمة المالية) كان من بين النقاط المضيئة في التعديلات التي شملت القانون الانتخابي والتي لم يوقع عليها رئيس الجمهورية الراحل الباجي القايد السبسي لإدراجها في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية للبلاد).

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير إلى أن هيئة مكافحة الفساد ستعمل على تنسيق الجهود بين مختلف الأطراف لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية.

وكان السفير الأوروبي بتونس باتريسبيرغاميني قدم في حوار أجراه مع صحيفة “لوموند” الفرنسية، قراءة سلبية للاقتصاد في تونس، مشيرا إلى أن عائلات بعينها تتحكم في مفاصل الاقتصاد التونسي، إضافة إلى أن هناك مجموعات احتكارية تعوق المنافسة العادلة والشفافة.

واعتبر السفير الأوروبي أن الانتقال الاقتصادي في تونس لم يتحقق بعد، وأن الثروة تزداد تركّزا في أيادي عائلات دون غيرها، وأنها توشك على الإجهاز على ما حققه الانتقال الديمقراطي سياسيا.

يذكر أن البرلمان الأوروبي، أدرج تونس في السابع من فبراير/شباط من العام الماضي، ضمن القائمة السوداء لغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وفي 13 فبراير/شباط الماضي، صنف الاتحاد الأوروبي تونس، ضمن قائمة جديدة شملت 23 دولة بينها السعودية، للدول غير المتعاونة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،