أما عن أحوال السلف الصالح بعرفة فقد كانت تتنوع :
فمنهم من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء : وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة ، فقال أحدهما : اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي. وقال الآخر : ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!.
ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء : قال عبدالله بن المبارك : جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه ، وعيناه تذرفان فالتفت إلي ، فقلت له : من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال : الذي يظن أن الله لا يغفر له.
فاعلم أخي المسلم أنه يجب أن يكون حالك في هذا اليوم بين خوف صادق ورجاء محمود كما كان حالهم.
و الخوف الصادق هو الذي يحول بين صاحبه وبين حرمات الله تعالى ، فإذا زاد عن ذلك خيف منه اليأس والقنوط.
و الرجاء المحمود هو رجاء عبد عمل بطاعة الله على نور وبصيرة من الله ، فهو راج لثواب الله ، أو عبد أذنب ذنباً ثم تاب منه ورجع إلى الله ، فهو راج لمغفرته وعفوه.
قال تعالى : (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) “البقرة: 218”.
فينبغي عليك أخي الحاج أن تجمع في هذا الموقف العظيم وفي هذا اليوم المبارك بين الأمرين : الخوف والرجاء ؛ فتخاف من عقاب الله وعذابه ، وترجو مغفرته وثوابه.
فهنيئاً لك أخي الحاج ، يا من رزقك الله الوقوف بعرفة بجوار قوم يجارون الله بقلوب محترقة ودموع مستبقة ، فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه ، ومحب ألهبه الشوق وأحرقه ، وراج أحسن الظن بوعد الله وصدقه ، وتائب أخلص الله من التوبة وصدقه ، وهارب لجأ إلى باب الله وطرقه ، فكم هنالك من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه ، ومن أعسر الأوزار فكه وأطلقه وحينئذ يطلع عليهم أرحم الرحماء ، ويباهي بجمعهم أهل السماء ، ويدنو ثم يقول : ما أراد هؤلاء؟ لقد قطعنا عند وصولهم الحرمان ، وأعطاهم نهاية سؤالهم الرحمن.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم