لصالح الإنجليزية.. هل تتخلى الجزائر عن الفرنسية لغة للتعليم؟

أطلقت وزارة التعليم العالي في الجزائر استفتاء يخص تعميم اللغة الإنجليزية في معاهدها، في أعقاب تعيين إطار من النخبة الأنجلوفونية لأول مرة منذ الاستقلال، نهاية مارس/آذار الماضي، على رأس القطاع. ويتعلق الأمر بخريج جامعة واشنطن الطيب بوزيد.

وفي سابقة مفاجئة، خاطب الوزير الجديد في 15 مايو/أيار الماضي الطلبة وأسرة الجامعة باللغتين العربية والإنجليزية، دون استعمال الفرنسية.

وتبع ذلك إعلان وزارة التربية إلغاء الفرنسية من امتحانات ترقية المستخدمين، مقابل إدراج الإنجليزية ضمن مسابقات التوظيف.

كما كشف وزير العمل تيجاني حسان هدام عن التكوين باللغة الإنجليزية بالمدرسة العليا للضمان الاجتماعي مع الدخول الجامعي المقبل.

وجاءت تلك المؤشرات في سياق نبرة سياسية حادة تجاه فرنسا من طرف قائد الأركان الفريق قائد صالح خلال خطابات الحراك الشعبي، مما فتح باب التكهنات بشأن توجه الجزائر للتخلص من الهيمنة الفرنسية.

سياسة دولة
ويؤكد الوزير السابق للتربية علي بن محمد أن مثل هذا التحول لا يأتي عن طريق قرارات جزئية، بل يتم في إطار منظور عام، يتولد عن إحساس بأن غالبية الشعب تميل الآن لاستعمال الإنجليزيّة، بعد رفع شعارات قريبة من هذا التوجه في الحراك.

وأوضح بن محمد – أنه لا توجد معلومات رسمية بشأن إقرار سياسة عمومية لتعزيز الإنجليزية يمكن الحكم من خلالها. لكن من حيث المبدأ، فإن الأمر يتطلب سياسة دولة وإعداد قانون وشروطا للنجاح، من مكونين ومناهج وكتب ومفتشين وطرائق تربوية.

وأضاف “إذا كان هناك عمل حقيقي، فيجب الانطلاق من قطاع التربية، ثم نبدأ السنة القادمة في تلقي الطلبة الجامعيين اللغة الإنجليزية”.

من جهته، كشف عبد الحفيظ ميلاط المنسق الوطني لمجلس أساتذة التعليم العالي، أن الوزارة تحضر فعلا لجعل الإنجليزية لغة تدريس وبحث علمي في التخصصات الدقيقة التي تدرس حاليا بالفرنسية، معتبرا ذلك “خيارا واقعيا ومنطقيا، بعيدا عن كل الحسابات السياسية، لأنها لغة العلوم والتكنولوجيا والبحث، بينما الفرنسية هي أحد أسباب تدهور الجامعة الجزائرية”.

واشترط ميلاط -في تصريح للجزيرة نت- أن يكون الانتقال نحو الإنجليزية متدرجا ومرحليا، عبر اختيار بعض التخصصات في الجامعات الكبرى النموذجية قبل تعميمها.

وأضاف أن البداية يجب أن تكون من مرحلة الماستر، واستغلال طور الليسانس لتقوية مستوى الطلبة في اللغة الإنجليزية وتحضيرهم لاستعمالها لاحقا.

العولمة
من جانبه، قال الوزير السابق للثقافة عز الدين ميهوبي “إذا كانت فرنسا تعاني لغويا، فمن الطبيعي أن تفكر مستعمراتها القديمة في تدارك الفجوة المعرفية، باختزال المسافة من خلال خيار لغتي المجتمع، لغة التواصل المرتبطة بالهوية، ولغة المعرفة المعتمدة في التدريس والبحث العلمي، وهي التجربة التي تبنتها بنجاح الدّول الإسكندنافية”.

وأوضح ميهوبي -في تصريح للجزيرة نت- أن “الجزائر أدركت مع تحولات العولمة أهمية التحصيل العلمي من منابعه باللغة الأكثر تداولا وانتشارا، وهي الإنجليزية حاليا”.

وأكد أن “التحول يتطلب توفير الموارد البشرية المتخصصة، وفتح أكبر عدد من المدارس المختصة في الإنجليزية العلمية، مع الحفاظ على التنوع اللغوي ليشكل رافدا في تنوع مصادر المعرفة”.

اللوبي الفرنسي
وحذر بن محمد -الذي ذهب ضحية مؤامرة اللوبي المفرنس مطلع التسعينات- من أن “الأقلية النافذة لن تقبل بالتحول نحو الإنجليزية” مشددا على أن الرهان الحقيقي يقع على عاتق الأسرة الجامعية والتربوية.

وبدوره، نبه ميلاط إلى أن “اللوبي الفرنسي القوي في الجزائر سيشعل حربا ضد التوجه نحو الإنجليزية” مما جعله يؤكد على توفر الإرادة السياسية والشعبية والجامعية والنخبوية للحيلولة دون عرقلة العملية، خاصة أمام ضعف التيار الفرنسي الذي أسقط الحراكُ الشعبي رموزَه.

وشدد ميهوبي، وهو رئيس سابق للمجلس الأعلى للغة العربية، على “عدم التعامل مع الأمر بمنطق عاطفي أو أيديولوجي، ولكن برؤية منهجية براغماتية، أساسها توسيع الترجمة وتضييق الفجوة الرقمية، وتفادي الصدام اللغوي غير المفيد، وتشجيع عملية الارتقاء بالعربية في مجالات البحث العلمي الدقيق، بعيدا عن الشعبوية وإطلاق الأحكام الجاهزة”.

كما طمأن ميلاط بأن “استخدام الإنجليزية لن يؤثر على العربية في الجامعة، بخلاف الفرنسية، التي يكن أصحابها لأسباب تاريخية كرها للغة الشعب”.

شاهد أيضاً

مجازر جديدة بمخيمي النصيرات وجباليا والاحتلال يقر بمقتل جنديين في رفح

أفاد مراسل الجزيرة باستشهاد 42 فلسطينيا وإصابة العشرات بجراح متفاوتة في مجزرة إسرائيلية جديدة بمخيم النصيرات (وسط) وجباليا (شمال) قطاع غزة، في المقابل أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل جنديين وإصابة 3 بينهم ضابط بمعارك في رفح (جنوب) مؤكدا أنه يخوض قتالا عنيفا بجباليا.