رواية إسرائيل حول عملية خان يونس الفاشلة… مزاعم عن بطولة وأسئلة مغيّبة

كشف تحقيق عسكري إسرائيلي كيف اشتبه مقاومون من حماس بخلية استخباراتية أرسلها الاحتلال في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى خان يونس، في عملية خاصة فشلت وقتل قائدها وأصيب آخرون. كما كشف كيف تم التحقيق مع الجنود الإسرائيليين طيلة 45 دقيقة بعدما تم استيقاف مركبتهم في الشارع، زاعما أنهم تمكنوا من الهرب بفضل «عمل بطولي»، لكن التحقيق الإسرائيلي يغيب تفاصيل أخرى سبق وكشفت عنها حركة حماس.
وانتقدت جهات إعلامية إسرائيلية وقتها قرار الرقابة العسكرية بعدم الكشف عن هوية الضابط القتيل، فيما كانت منتديات التواصل الاجتماعي باللغتين العربية والعبرية قد كشفت أن القتيل هو المقدم محمود أحمد نجم خير الدين (41 عاما) من قرية حرفيش في الجليل، وينتمي الى الطائفة العربية الدرزية، مع نشر صورته أيضا.
وجاء في تقرير أعلنه جيش الاحتلال بعد انتهاء التحقيق في «عملية خان يونس» الفاشلة، أن سلسلة إخفاقات أدت الى العملية الفاشلة التي نفذتها وحدة سرية خاصة وكادت تنتهي بكارثة لولا «عمل بطولي» لقائدها خير الدين الذي قتل في العملية وبـ «رصاص صديق»، وفق الرواية الإسرائيلية.
ونوهت القناة الإسرائيلية 12 الى أن تفاصيل كثيرة خاصة بتلك العملية ما زالت طي الكتمان من أجل تحاشي الكشف عن طرق عمل الوحدات السرية وبعمليات مستقبلية. وقدم الجيش من خلال قائد الاستخبارات العسكرية الجنرال تامير بايمن معطيات التحقيق لعائلة قائد العملية القتيل. ويزعم التحقيق أن خير الدين قتل برصاص زميله وليس برصاص حماس، وأن الاستخبارات العسكرية توصي قيادة جيش الاحتلال بمنحه بعد وفاته «وسام البطولة» تقديرا لـ « شجاعته» وكذلك لزميله المكنى «أ» الذي أطلق النار عليه خطأ وأصاب جنديا آخر.
وقالت زوجة قائد العملية الفاشلة لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس إن جنودا كثيرين عادوا سالمين من العملية بفضل شجاعة زوجها. وفيما قالت حماس في تحقيقها حول العملية قبل شهور إن قوات منها اكتشفت أمر الخلية الإسرائيلية بعدما استجوبت عددا منهم وتنبهت للهجة أحدهم بأنها غريبة، لكن التحقيق الإسرائيلي يشير إلى أن انكشاف أمرهم تم جراء قلة المهنية في الأداء.
ويتابع تحقيق جيش الاحتلال»أوقفت قوة من حماس المركبة التي أقلت الجنود الإسرائيليين وأخرجت منها قائدها خير الدين مع جندي آخر وقامت باستجوابهما في الشارع طيلة ثلاثة أرباع الساعة، فيما ظلت بقية الجنود داخل المركبة المحاطة بقوة حماس. وتتابع الرواية الإسرائيلية «خلال هذه المدة فهم قادة العملية عن بعد أنها تشوشت وأن لحظة انكشاف أمرها قد دنت وبهذه المرحلة قام خير الدين بعملية صرف نظر رجال حماس، مدركا على ما يبدو أنه سيسدد حياته ثمنا لإنقاذ زملائه».

رواية الاحتلال

وتقول رواية الاحتلال إن أحد الجنود في السيارة استل مسدسه في تلك اللحظة وأطلق النار على قوة حماس، وخلال ذلك أصاب برصاصة محمود خير الدين والجندي المرافق له، فنشب تبادل للنار قتل فيه سبعة من حماس.
وأضاف «بعد ذلك قرر نائب قائد العملية «أ»، الهرب والخروج من خان يونس، فيما كان قائد جيش الاحتلال غادي ايزنكوت ورئيس «الشاباك» نداف ارغمان وقائد وحدة العمليات الخاصة وقادة آخرون يتابعون ما يجري عن بعد. وقرر هؤلاء على الفور إرسال جنود من وحدة 669 بواسطة مروحية عسكرية لتخليص الجنود المتورطين، فيما قامت قاذفات إسرائيلية بقصف 70 هدفا في القطاع بالتزامن من أجل تأمين مسار المروحية ذهابا وإيابا. كما قال التحقيق الإسرائيلي إن «أ» طلب التريث ثلاث دقائق قبل إقلاع المروحية كي يقوم بعد الجنود والتثبت من عدم فقدان أحد.
وأغفل التحقيق الإسرائيلي معطيات وردت في الرواية الفلسطينيّة، مثل كيف انكشف أمر القوّة الإسرائيليّة؟… وكيف دخلت إلى القطاع؟… والسؤال الأهم: ما هو هدف هذه القوّة؟. تبرز الرواية الإسرائيليّة أهميّة العمليّة، وبالتالي التأثير الكبير لفشلها، عبر ذكر أن الاستعدادات لها استمرّت سبعة أشهر، بمشاركة من كافة الأجهزة الاستخباراتيّة، رغم أن شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، التي نفّذت العملية هي من فرق النخبة في الجيش الإسرائيليّ، كما أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حينها، غادي آيزنكوت، ورئيس «أمان»، تمير هايمان، ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، نداف أرغمان، أشرفوا جميعًا على العمليّة أثناء تنفيذها.
وقالت الرواية الفلسطينية وقتها إن القوّة الإسرائيليّة تسلّلت إلى القطاع عبر أحد المعابر الرسميّة، دون أن يكشف كيفيّة ذلك، بينما أوردت صحيفة «إندبندنت» البريطانيّة، في كانون أول/ ديسمبر الماضي، أنّ القوة دخلت باستخدام بطاقات هويّة مفصّلة لغزيّين حقيقيين لكنّها مزيّفة، بعدما ادّعوا أنهم أطباء. وهذه الهويّات، حسب ما ذكرت الصحيفة «مسروقة» من غزّيين يسكنون في كافّة أرجاء القطاع، باستثناء المنطقة التي جرت فيها العمليّة العسكريّة السريّة، خشيةً من انكشاف أمرهم من قبل الأهالي. وقال المتحدّث باسم حركة حماس، حازم قاسم، للصحيفة، حينها، إنّ هذه البطاقات كانت «دقيقة للغاية، وتضمّنت الأسماء الكاملة الصحيحة وأرقام الهويّات وتفاصيل السكّان.
وقالت رواية فلسطينيّة أخرى إن أفراد القوّة مكثوا في بيت «عميل فلسطيني 24 ساعة قبل الانطلاق لتنفيذ العمليّة. وفي رواية «الإندبندنت» البريطانيّة، بدأ الشك في القوّة الإسرائيلية عند اجتيازها المعابر الرسميّة بالهويات الفلسطينيّة، وعند دخولهم من المعبر، أبلغ أفراد القوّة الأمن أنهم سينقلون المرضى إلى بيوتهم، وكان معهم كرسي متحرّك، «لكن أمن المعبر اشتبه بهم كون لهجتم لا تتطابق مع المناطق التي قالوا إنهم ينتمون إليها». ومع هذا الاشتباه، قرر أمن المعبر استدعاء ضباط أرفع منهم للتحقيق، منهم القيادي في حركة حماس، نور الدين بركة، الذي قرر أخذ الفريق الإسرائيلي المتخفّي لإجراء المزيد من التحقيقات في مقرّ عسكري تابع للمقاومة في منطقة قريبة من المعبر، وهو ما دفع أفراد القوّة الإسرائيليين إلى اغتيال بركة.
لكن هذه الرواية تتعارض مع الرواية الإسرائيليّة الرسميّة، التي تفيد بأنّ الانفضاح تم داخل خانيونس على بعد كيلومترين من الحدود، لا عند المعبر نفسه، وهو ما يؤكده مكان وقوع الاشتباك ورواية كتائب القسّام لاحقًا، كما تتعارض مع الرواية القائلة إنّ أفراد القوّة مكثوا 24 ساعة داخل منزل أحد العملاء، وانطلقوا من هناك لتنفيذ العمليّة.

استشهاد بركة

وطبقا لوكالة «أسوشييتد برس» الأمريكيّة اشتبه أفراد المقاومة الفلسطينيّة بمركبة القوة الخاصة التابعة للاحتلال، بعد أن مرّت في بلدة عبسان الصغيرة «حيث الجميع يعرف بعضهم البعض، والغرباء المارّون يجذبون الانتباه بسرعة»، ما أثار الشكوك حول هوية الأشخاص الذين يركبون السيارة وأوقفوهم للاستجواب. وقال أحد المسؤولين في المقاومة للوكالة، إن أفراد القوّة الإسرائيليّة كانوا يتكلمون اللهجة المحلية بطلاقة، إلا أن عدّة أمور بدت مريبة، فقد «كانت هناك امرأة جالسة بين رجلين رغم أن بطاقات هويتهم أظهرت أنهم من عائلات مختلفة»، ويُعتبر جلوس امرأة بجانب رجل ليس قريبها أمرًا مخالفا للعادات والتقاليد في المنطقة. دفع هذا الارتياب أفراد المقاومة الفلسطينيّة إلى استدعاء قائدهم، نور بركة، حيث «تدهور الوضع بعد وصوله»، بسبب طرحه للمزيد من الأسئلة، ومن ثم أمر باعتقالهم، وعندما شعر أنهم يكذبون، ومن دون سابق إنذار، أطلقت قوّة الاحتلال النار عليه ليسقط شهيدا، وفق الوكالة الأمريكية. أما «الإندبندنت» فذكرت أنّ الشهيد بركة كان يعرف إحدى النساء التي تحمل القوّة الإسرائيليّة هويتها، ويعرف كذلك أنها توفّيت في الواقع.

كيف عرفت الأسماء؟

لا شكّ أن فشل العمليّة العسكريّة، حسب المحلّلين الإسرائيليّين، «شكّل ضربة قوية لقوات النخبة الإسرائيليّة لا تزال تلقي بظلالها على شعبة الاستخبارات العسكريّة وعلى قيادة أركان الجيش الإسرائيلي، وقد تطيح قريبًا، برئيس «أمان»، هايمان، من منصبه». غير أنّ هدف هذه المهمّة، التي أشرف عليها، كما سلف، آيزنكوت وهايمان وأرغمان، ما زالت سريّة وغير معروفة، رغم إلماح حركة حماس إلى أنها كانت تهدف إلى «زرع معدّات للتجسس»، في حين قال المحلّل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، في تشرين الثانٍي/ نوفمبر الماضي، إلى أنها استهدفت «قدرات عسكرية نوعية جدا لحماس»، وأنّ مهمتها «منع تفعيل قدرات الذراع العسكرية لحماس خلال مواجهة كبيرة مع الجيش الإسرائيلي».
ووفق بن يشاي فإنه «ربما أن العملية العسكرية نُفذت في عدة مواقع في آن واحد»، غير أن الرواية الإسرائيليّة الرسميّة تتجاهل هذه النقطة. ورغم ذكر الرواية الإسرائيليّة عدم حصول حركة حماس على «معدّات متطورة وحسّاسة» تركها الجنود الإسرائيليون وراءهم، إلا أن كتائب القسّام استعرضتها لاحقًا في شريط مسجّل. كما غاب عن الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية السؤال: كيف عرفت كتائب القسّام أسماء أفراد القوّة المشاركين في العمليّة؟ ونشرها لاحقًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،