المعارضة السعودية في العالم

“بريطانيا أقدم حليف للمملكة السعودية”
بهذه العبارة استقبل وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أثناء زيارته للعاصمة لندن في مارس/آذار من العام الماضي. لافتات الترحيب غطت جدران أكبر ميادين لندن، إعلانات مصورة بمحطات مترو الأنفاق، صور بن سلمان على الصفحة الأولى لصحف كبرى بعناوين مثل “الأمير الإصلاحي” يزور بريطانيا، ويتم استقباله على السجادة الحمراء في 10 داونينغ ستريت مقر رئاسة الوزراء.
راعي التغيير بالسعودية

كانت العبارة التي اختارها ولي العهد لتسويق زيارته داخل بريطانيا. لكنه وقتها لم يكن يعلم أن تغييرا دراماتيكيا سيحدث بالفعل، وسيجلبه هو على نفسه أولا وعلى السعودية ثانيا بعد أقل من سبعة أشهر.

الواحدة ظهر الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018 بتوقيت إسطنبول. جمال خاشقجي يخطو خطواته الأخيرة نحو قنصلية بلاده في تركيا، تاركا وراءه خطيبته خديجة التي تواصلت بعدها بساعتين فقط مع الضابط السابق في الجيش السعودي والمعارض الحالي المقيم في بريطانيا يحيى عسيري، لتخبره باختفاء جمال داخل القنصلية، وبأن أمرا ما مخالفا للتوقعات يحدث.

يقول عسيري: حاولت أن أجري بعض الاتصالات. وكان الهدف أن نشكل ضغطا على السلطات السعودية للإفصاح عن مصير جمال. ولكن للأسف باءت تلك الجهود بالفشل. فقد أعدوا العدة لجريمة اغتياله. آخر اتصال بيني وبين خاشقجي، كان قبل مقتله بعشرة أيام، وكان يقترح أن نخاطب ما بقي من قلب وعقل لدى محمد بن سلمان. اعترضت على ما اقترحه، لكنه قال: دعنا نوجه له تلك الرسالة، من أجل زملائنا المعتقلين، ومن أجل الشعب السعودي.

ما بين مارس/آذار 2018 وأكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، استجدت متغيرات كثيرة، على واقع المعارضة السعودية في بريطانيا. ميدانيا، وجدت المعارضة المجال خصبا لتنظيم مظاهرات في العديد من المدن البريطانية، بالتنسيق مع أبرز المنظمات الحقوقية والمجتمعية في الداخل البريطاني. الميادين التي رفعت فيها صور بن سلمان ترحيبا بزيارته تحولت لميادين غاضبة ضد ما حدث لخاشقجي. سيارات تجوب الشوارع وعليها صورة “السيد منشار” وصور بن سلمان ملطخة بالدماء. سبعة أشهر، كانت كافية لفضح الصورة الحقيقية للنظام السعودي، وتبديد الملايين التي أنفقها للترويج لصورته الإصلاحية المزعومة.

يقول المعارض السعودي محمد العمري: جريمة قتل خاشقجي كشفت، أن لا أمان لأحد، وكان أثرها على من هم في السعودية أشد وقعا قياسا بالمقيمين في الخارج، لأنها كشفت الوجه الحقيقي لمحمد بن سلمان، وأسقطت عنه قناع الإصلاح، وما حدث، دفع من في الداخل للإقبال علينا كمعارضة في الخارج بشكل أكبر”

أما المحامي والناشط السعودي سلطان العبدلي، فيرى أن حضور المعارضة بات أكبر في وسائل الإعلام البريطاني، وأنه تم مد جسور التواصل معها مرة أخرى.

الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد -التي تعيش في بريطانيا منذ تسعينيات القرن الماضي- قالت: المعارضة السعودية في بريطانيا اكتسبت زخما كبيرا لم تعرفه من قبل بعد (مقتل) خاشقجي. كان هناك معارضون في التسعينيات، ولكن بعد خاشقجي اتضح لي أن هناك أصواتا كثيرة.. نساء ورجالا.. تيارات فكرية مختلفة، طلبوا اللجوء (السياسي) في بريطانيا، ومنهم طلاب سعوديون (قرروا اللجوء) نتيجة كتاباتهم في تويتر ومقالاتهم في الإنترنت.

فارون من الجحيم
في فبراير/شباط الماضي، نشر موقع “سي أن أن” الإخباري الأميركي تقريرا يتحدث عن التزايد الملحوظ في أعداد الهاربين من جحيم محمد بن سلمان طلبا للجوء السياسي. وزادت أعداد طالبي اللجوء من السعوديين بنسبة تجاوزت 318% عام 2017 بالمقارنة بأعدادهم عام 2012. ويشير التقرير إلى أن من تقدموا بطلب اللجوء السياسي في بريطانيا عام 2017 وصل إلى 184 سعوديا وأن النسبة في ارتفاع مستمر بعد مقتل خاشقجي.

800 سعودي طلبوا اللجوء عام 2017
ما يزيد عن ثمانمئة سعودي لجؤوا إلى بريطانيا خلال 2017 حسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، منهم مئتا ناشط سياسي، والباقون أتوها هربا من الظلم الواقع عليهم داخل السعودية. بين هؤلاء مدرسون وأطباء ومهندسون قدموا بصحبة عائلاتهم وتقدموا بطلبات لجوء. لكن يبدو أن تلكؤ إدارة الهجرة في بريطانيا في الرد على الطلبات تكرر، وبات حالة عامة شملت كثيرين من رموز المعارضة السعودية.

يقول سلطان العبدلي: ما حدث معي كان غريبا، فقد مكثت (منتظرا) أربعة أشهر بين المقابلة الأولى والثانية في وزارة الداخلية (الجهة المنوط بها نظر طلبات اللجوء في بريطانيا). أخبرني الضابط أنه ” من المفترض أن نرد عليك خلال شهرين، وكان يمكن أن أبت في قضيتك وحدي، ولكن نظرا للعلاقة بين السعودية وبريطانيا سنحول قضيتك للجنة عليا كي تدرسه بشكل مفصل.

الحذر البريطاني في التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سعوديين ليس أمرا مستجدا. وسبق أن مورس مع الدكتور سعد الفقيه الذي ما زال إلى اليوم ينتظر الرد على طلب اللجوء الذي قدمه عام 1994. والفقيه بالأصل طبيب جراح كان من بين النشطاء الإسلاميين الإصلاحيين الموقعين على بيان المطالب في أبريل/نيسان 1991 ومذكرة النصيحة في يوليو/تموز 1992، وهما خطابان قدما للملك فهد بن عبد العزيز للمطالبة بالإصلاح السياسي ومحاربة الفساد. خرج مع أسرته من السعودية عام ١٩٩٤ بحجة حضور مؤتمر طبي في سويسرا كي يقنع السلطات بالسماح له بالسفر في أعقاب إطلاق سراحه من السجن بعد اعتقال دام أربعة أسابيع. ومن سويسرا غادر إلى بريطانيا طلبا للجوء. يعزو الفقيه التأخر في الرد على طلبه، وطلبات لجوء المعارضين السعوديين، إلى الضغوط السياسية التي تمارسها السعودية على الحكومات البريطانية.

أما فهد الغويدي -الذي كان معتقلا عام 2008 و2009 و2014 ثم 2018، وسافر إلى عدة دول آخرها تركيا، ثم وصل لندن بعد مقتل خاشقجي بأشهر قليلة- فقد تقدم بطلب للجوء السياسي في بريطانيا، بعد أن صادرت السلطات السعودية أمواله. يقول إنه تلقى رسالة من وزارة الداخلية بعد أسبوع واحد من تقديمه طلب اللجوء، وأخبروه أن موقفه ضعيف، وأنه سيتم رفض طلب لجوئه بنسبة. ويرى أن هذا سببه ” تعاون سعودي بريطاني رسمي على أعلى مستوى”.

ورقة ضغط لصفقات أكثر
تأتي بريطانيا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، من حيث تصدير الأسلحة إلى السعودية. وتشكل مبيعاتها للرياض 49% من إجمالي صادراتها العسكرية على مدار الأعوام الخمسة الماضية وفقا لما ذكره معهد ستوكهولم الدولي في تقرير عام 2018. فهل يتوفر لدى الحكومة البريطانية استعداد للتضحية بصادرات عسكرية تقدر قيمتها سنويا بـ 1.4 مليار دولار مقابل قبول المعارضة السعودية والتعامل معها بصورة رسمية؟

منذ صفقة اليمامة الأولى التي أبرمتها السعودية مع بريطانيا بحضور وزير الدفاع آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ووزير الدفاع البريطاني ميشيل هيسلتين بقيمة ٤٣ مليار دولار والعلاقات السعودية البريطانية تحكمها صفقات السلاح. وظهر ذلك جليا عند تجديد صفقة اليمامة، أثناء حكم المحافظين بقيادة رئيس الوزراء جون ميجور حيث اشترطت الرياض آنذاك على السلطات البريطانية لإتمام الصفقة تسليم المعارض السعودي الأقدم المسعري. ووعدت الحكومة ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز بتسليمه، لكن المسعري خاض حربا قانونية ضد هذه المحاولات. وانتهى الأمر إلى حل وسط بترحيله إلى جزيرة الدومينيكان وهي مستعمرة بريطانية سابقة في البحر الكاريبي. وهو ما رفضه المسعري أيضا. وتم رفع الأمر إلى المحكمة العليا التي منحته حق الإقامة داخل الأراضي البريطانية، بالنظر إلى أن أمنه الشخصي سيكون مهددا في الدومينيكان.

صفقة سعودية في عهد توني بلير
عام ٢٠٠٤ ومع تنامي نفوذ رئيس الوزراء توني بلير، حاولت بريطانيا عقد صفقة أسلحة تاريخية مع السعودية قيمتها سبعون مليار دولار. وتضمنت بنودها إعادة تجهيز القوات السعودية بمقاتلات تايفون الأوروبية التي صنعت القسم الأكبر منها شركة صناعة الطائرات البريطانية “بي إي إي”. لكن السلطات السعودية اشترطت على الحكومة البريطانية ثلاثة شروط لإتمامها، أولها وأهمها تسليم اثنين من أبرز المعارضين لديها (المسعري وسعد الفقيه).

كما اشترطت عودة الخطوط الجوية البريطانية للعمل بشكل طبيعي من المملكة وإليها وإسقاط القضية الخاصة بشبهة فساد مالي تخص صفقات سلاح والمتهم فيها الأمير تركي بن نصر صهر ولي العهد السعودي آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز.

محاولات السلطات السعودية لإسكات معارضيها داخل بريطانيا لم تتوقف عند المخاطبات الرسمية مع الحكومات البريطانية، وربط مصير صفقات السلاح بتسليم المعارضين. لكن الأمر امتد لعدد من محاولات الاغتيال والتجسس والاعتداءات، واستهداف المعارضين السعوديين المقيمين في بريطانيا.

عام ٢٠٠٣ طرق باب الدكتور الفقيه في لندن اثنان من العمال، قالا إنهما يعملان سباكين لإصلاح التمديدات داخل المنزل. وبمجرد دخولهما قام أحدهما برش مادة مخدرة على وجه الفقيه الذي حاول الدفاع عن نفسه فتعرض لعدة طعنات من الشخص الآخر. نقل الفقيه إثر ذلك إلى مستشفى سانت ماري بمنطقة بادينغتون في العاصمة لندن. وفي شهادته أمام الشرطة اتهم السلطات السعودية بإرسال هذين العاملين لقتله أو اختطافه في محاولة منها لإسكاته بعد أن أطلق قناته الفضائية قبلها بفترة ليست ببعيدة.

بعد 25 عاما من واقعة الاعتداء على الفقيه، تعرض معارض آخر هو غانم الدوسري للاعتداء في أحد أكبر شوارع لندن في أكتوبر/تشرين الأول 2018. والدوسري معارض سعودي ومقدم برامج تلقى رواجا ومشاهدات واسعة على موقع يوتيوب. تعرض للضرب والاعتداء اللفظي بعد أسابيع قليلة من جريمة اغتيال خاشقجي. يقول الدوسري فوجئت باثنين من المارة يحاولان الاعتداء علي، قام أحدهما بضربي على وجهي، ثم بدأ بتوجيه السباب والاتهامات لي بأني عميل لقطر، وبأني كلب لسيده محمد بن سلمان.

التجسس على المعارضين السعوديين في بريطانيا إحدى الطرق التي تنتهجها السلطات السعودية تجاه معارضيها. ففي عام ٢٠٠٤ صدم الرأي العام البريطاني بفضيحة تورط بها ضابط شرطة من أصل يمني يدعى غازي قاسم. فقد ضبط متلبسا بعدة محاولات تجسس على مواطنين من الشرق الأوسط مقيمين كان أبرزهم د. المسعري.

بدأت القصة عندما ذهب الضابط -الذي يعمل بمنطقة فولهام- إلى منزل المسعري وبدأ يسأله عن بعض المعلومات الشخصية. بعد فترة من المراقبة داهمت الشرطة مكتبه وعثرت على صور شخصية للمسعري، وأرقام لوحات سيارته وسيارة زوجته، وصور التقطها الضابط لمنزله وأدوات للتجسس على أجهزة الحاسوب الخاصة به. وبمواجهته بهذه الأدلة اعترف الضابط البريطاني بتفاصيل المؤامرة التي وصلت خيوطها إلى أحد المكاتب داخل سفارة السعودية حيث يعمل الدبلوماسي السعودي د. علي الشمراني الذي قدم رشوة لقاسم بمبلغ 14 ألف جنيه إسترليني من أجل التجسس على المسعري. تم فصل الضابط من عمله في جهاز الشرطة وسجن. وطالبت الحكومة من السعودية إبعاد الشمراني خارج البلاد وهو ما تم بالفعل.

يقول المعارض السعودي محمد العمري إن الشرطة اتصلت بعدها بالمسعري وأخبرته بتفاصيل ما حدث وطالبته ببعض الإجراءات التي تخص أمنه الشخصي.

المعارض عمر عبد العزيز
بعد 14 سنة على محاولة التجسس على المسعري نشرت شبكة “سي أن أن” الإخبارية محاولات السعودية بالتعاون مع شركة “أن أس أو” الإسرائيلية في التجسس على المعارض السعودي الشاب عمر بن عبد العزيز في كندا بعد تعاونه مع خاشقجي في مشروع جيش النحل الإلكتروني.

ما دواعي قلق الرياض من معارضيها ببريطانيا؟

يرى يحيى عسيري مدير مؤسسة القسط الحقوقية ومبادرة ديوان لندن الذي تأسس العام الماضي أن بريطانيا باتت تتعامل مع كيان اسمه “المعارضة السعودية” (الشعب السعودي).

ويعتبر عسيري أن ما تنطق به المعارضة هو “خطاب الشعب السعودي الذي لا يستطيع قوله في الداخل”. ويتحدث عن مقابلة جمعته مع مسؤول بالخارجية البريطانية سأله خلالها باهتمام شديد عن رؤية المعارضة، وما هي مطالبها ورؤيتها لما يحدث؟ يستدرك عسيري قائلا “إننا ننقل لهم رسائل حقوقية، ولا نحاول استفزازهم أثناء النقاش”.

د. الفقيه يختلف مع عسيري في تقييمه لموقف الحكومة البريطانية من المعارضة السعودية حيث يرى أن “الحكومة البريطانية بعد خاشقجي، لم تتجاوز مرحلة الاتصال إلى حد الاعتراف بكيان اسمه المعارضة، فهي لا تتواصل مع كيان، ولا تريد أن تتواصل، ولا تريد أن يفهم أنها تتعامل مع المعارضة، وكأنها اعترفت بها ككيان، لأنها تخاف أن تفقد الصفقات، فنحن نعلم أن بريطانيا تستخدم المعارضة السعودية هنا كورقة للي ذراع السعودية، للحصول على مزيد من الصفقات، وإلا ستعلن دعم المعارضة بشكل علني”

حسابات الحكومة البريطانية من وراء تعاملها مع المعارضة السعودية، لم تسقط “احتمالاً ولو كان صغيراً” لسقوط النظام السعودي. “إذا سقط النظام السعودي، يفضل (البريطانيون) التعامل مع معارضة واقعية، حتى لو لم تعجبهم، على انزلاق البلاد في فوضى، أو أن تتسلمها تيارات جهادية لا يحسنون التعامل معها”.

سعد الفقيه

مقابل ما يعتقد أنه معاملة بريطانية نفعية، تمارس المعارضة السعودية ضغوطا من نوع آخر على الحكومة البريطانية عبر الندوات. فرموزها باتوا يستضافون في مجلس العموم البريطاني للحديث عن ملف انتهاكات حقوق الإنسان بحق الناشطات السعوديات داخل السجون السعودية، ولتسليط الضوء على ما خلفته الحرب السعودية على اليمن. ويمارس رموز المعارضة السعودية نوعا آخر من الضغط المجتمعي داخل بريطانيا على غرار مناظرة د. مضاوي الرشيد بمقر مؤسسة إنتليجنس سكويرد في لندن التي حضرها أكثر من ألف شخص في فبراير/شباط الماضي، وكانت تدور حول المطالبات بأن تقطع الحكومات الغربية العلاقات مع النظام السعودي.

عن تلك الندوة علقت الرشيد قائلة “ذهلت من الحضور الكبير وكانت المفاجأة الأكبر لي هي اختلاف نسبة التصويت قبل بداية المناظرة عما كانت بعدها “. كانت نسبة التصويت -حسب الرشيد قبل بدايتها 41% مع قطع العلاقات، 22% ضد قطع العلاقات، 37% لم يقرر. ولكن النسبة اختلفت تماما بعد المناظرة فأصبح 63% مع قطع العلاقات و32% ضد قطع العلاقات و5% لم يقرر.

من جهته يرى عسيري أن النظام السعودي ينزعج بشدة من هذه الندوات والتحركات لرموز المعارضة في بريطانيا، وهو ما انعكس على رسائل التهديد المستمرة التي تأتيهم جميعا، وبشكل مستمر. أما سلطان العبدلي الذي اعتقلت السلطات السعودية ولده المصاب بمرض في القلب دون اعتبار لظروفه الصحية فقد تلقى تهديدات بالقتل عبر حسابه على تويتر. وتقدم العبدلي بعدها ببلاغ للشرطة البريطانية لكنه لم يلق التعاون المتوقع. المعارض فهد الغويدي اعتقلت السلطات السعودية شقيقه الأصغر المصاب بالتوحد فور إعلان وجوده في بريطانيا.

معارض آخر هو عبد الله الغامدي أرسل مبلغا صغيرا من المال لوالدته المريضة في السعودية، فاعتقلتها السلطات وحقق معها بشكل غير آدمي، ثم أفرجوا عنها.

المعارض العمري يرى أن استهداف السعودية للمعارضين في بريطانيا أمر ليس بالجديد. ففي عام 2004 ذهب شرطي بريطاني بزيه الرسمي إلى بيت رئيس حزب التجديد الإسلامي (المسعري) وسأل عن سيارته، وبعض المعلومات الأخرى وأخذ معلومات وقابله على باب المنزل وانصرف.

بعد عشرة أشهر رصد جهاز المخابرات البريطاني حالة تجسس من قبل السفارة السعودية، مرتبطة بالضابط البريطاني. دوهم مكتبه، فوجدوا صورا ومعلومات عن منزل المسعري وسياراته ومعلومات أخرى لم تكشف طبيعتها. تم فصل هذا الضابط بعد كشف تورطه بالتجسس لصالح الملحق العسكري بالسفارة السعودية في هذا التوقيت وتمت محاكمته.

ماذا بعد؟

ما الذي يتوقع من المعارضة السعودية الموجودة في بريطانيا أن تقدمه؟ سؤال وجهته جهة سيادية داخل السعودية للمعارض عسيري في اتصال بينهما حسبما قال للجزيرة نت. وكشف عسيري كذلك أن أي مسؤول يلتقي بممثلي المعارضة يسأل ممثليها أولا “عن ثقلنا على الأرض وليس عن القيم التي نتحدث أو ندعو إليها” ورأى أن ذلك يستلزم “التحرك في مسارات قوية وجديدة تحت مظلة واحدة تجمع المعارضة السعودية في مشروع سياسي كبير”.

تتوزع خيارات المعارضة السعودية في بريطانيا بعد مقتل خاشقجي، بين الإعلان عن حزب سياسي جديد، يستوعب أطيافها المختلفة في الداخل والخارج، وبين هيئة وطنية جامعة تجمع تلك الأطياف المختلفة سياسيا. وثمة من يتحدث عن إنشاء قناة فضائية جديدة.

هناك عمل يجري الآن على قدم وساق ولقاءات تتم خلف الكواليس لوضع التصور النهائي للحزب المزمع إعلانه خلال ستة أشهر عبر مؤتمر صحفي في العاصمة البريطانية. يهدف هذا الحزب -كما أشار سلطان العبدلي- إلى تطمين الداخل السعودي بأن المعارضة بإمكانها تقديم مشروع سياسي حقيقي، يجتمع خلفه الجميع في الداخل والخارج.

“سنفتح باب العضوية إلكترونيا للجميع ويهمنا من هم في الداخل أكثر” يضيف العبدلي في حديثه عن الحزب.

“المشكلة في غياب الوعي السياسي وفي الاختلافات الجوهرية بين النخب السعودية، وهذا ما نسعى لتلافيه في الحزب الجديد ” يقول العمري.

عسيري تحدث من جانبه عن تشكيل حزب سياسي أو هيئة وطنية جامعة للمعارضة. لكنه نفى أن يكون نفس الحزب الذي يعمل على إعلانه العبدلي ورفاقه. ورأى أن الفائدة من تشكيل الحزب هو سد الفراغ (السياسي) الذي قد يحصل في أي لحظة. ويقول أيضا “قد يحصل اقتتال داخلي أو سقوط لآل سعود وتشكيل جبهة وطنية تتسع لجميع الأطياف”. الأكاديمية الرشيد ترى أنه لن يكون هناك حزب سياسي واحد تنضم تحت لوائه كل أطياف المعارضة، لكن جبهة وطنية جامعة ربما تكون هي المسار الأفضل، حتى لتجاوز الخلافات. أما رئيس حركة الإصلاح (الفقيه) فنفى المشاركة في أي شئ له علاقة بتشكيل حزب أو غيره، قبل الاطلاع على تفاصيله.

الحزب الجديد ليس المشروع الوحيد الذي تتحرك المعارضة السعودية في بريطانيا من أجل الإعلان عنه، فعلى الرغم من إجماع الرموز هناك على قوة وتأثير حساباتهم على تويتر وسناب شات وتأكيدهم على الانتشار الواسع للتغريدات التي تكتبها المعارضة السعودية بالخارج، أو من يكتبون بأسماء مستعارة في الداخل، فإن الجميع يرى ضرورة وجود قناة فضائية ناطقة باسم المعارضة في بريطانيا، ولكن تبقى الإشكالية الكبيرة في تأمين التمويل اللازم لها.

عام 2017 التقى خاشقجي عسيري في لندن، واتفقا على المضي قدما في إنشاء قناة تلفزيونية يتولى الأول إدارتها. وتم التواصل وقتها مع عدد كبير من الكتاب والإعلاميين والرموز السياسية السعودية. ووافقوا على الانضمام لفريق القناة والعمل من بريطانيا. كما أبدى رجل أعمال سعودي استعداده لتمويل القناة بشكل كامل، لكنه تراجع عن التمويل في اللحظات الأخيرة.

بات حال المعارضة السعودية في بريطانيا بعد مقتل خاشقجي غير حالها في سنوات عجاف سابقة. فأبواب البرلمان فتحت على مصراعيها ومنظمات المجتمع المدني باتت السعودية عنوانها الأول. وميادين لندن باتت ترحب بصور” السيد منشار ” مع عبارات التنديد بجرائمه في حق اليمن وقتل خاشقجي.

مشروعات كثيرة إذن تسعى المعارضة السعودية في بريطانيا للإعلان عنها في مقبل الأيام. ويظل التمويل أحد أكبر تلك العوائق ولكن العائق الأكبر كما وصفه الضابط السابق بالجيش السعودي عسيري هو حال المواطن السعودي في الداخل

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،