كل شيء عسير يصبح بالتوكل يسير

إننا نعيش في زمن ضعف فيه التوكل، وقلّ فيه المتوكلون، فلم نتوكل على الله حق التوكل، ولم نستيقن من قول الله: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق : 3]، ولم نحسن الظن بالله -تبارك وتعالى-، وبَالغنا كثيراً في الخوف على المستقبل، وصرنا نفرح بما أوتينا، ونيأس على ما فاتنا، وكأننا لا نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، بل صرنا نتوكل ونعتمد على غير الله، أكثر من توكلنا على الله، وتعلقنا به.

والتوكل هو: تفويض الأمور إلى الله – عز وجل-، والثقة بحسن اختيار الله فيما أمر به، والاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية.

إنه يعني قطع القلب عن العلائق، ورفض التعلق بالخلائق، وإعلان الافتقار إلى محوِّل الأحوال ومقدِّر الأقدار -سبحانه وتعالى-، وصدق اعتماد القلب عليه، في استجلاب المصالح، ودفع المضار.

لقد ورد ذكر التوكل في القرآن الكريم في سبعة وستين موضعاً، وذلك لبيان أهميته، وتبيين عظيم منزلته، فمرة يأمر الله به فيقول: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنفال : 61]، ويقول (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء : 81]، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) [الشعراء : 217] [الفرقان: 58].

وفي هذا إشارة واضحة إلى أن التوكل على الله -جل جلاله وعز كماله- جزء لا يتجزأ من عقيدة المؤمن، لا يستغني عنه كل مسلم، عالم أو جاهل، رجل أو امرأة، حاكم أو محكوم كما قال موسى -عليه السلام- لقومه: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس : 84].

ومرة يخبر الله أنه يحب المتوكلين، كما في قوله -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران : 159]، ومرة يأمر عباده بإخلاص هذه العبادة له وحده، وعدم الإشراك به فيها، فيقول: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) [المزمل : 9]، وقال (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا) [الإسراء : 2]

أما الصادقون مع الله في التوكل، فإنهم يزدادون توكلاً على الله، وخاصة في أزمان النوازل، والفتن، والملمات، فلا تروعّهم الخطوب وإن عظمت، ولا تزعزعهم المصائب وإن كثرت، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم-، ضربوا أروع المواقف في التوكل، في زمن الشدة والمحنة، وذلك في غزوة أحد، عندما هُددوا بتجمع الأعداء عليهم وقيل لهم: إن المشركين قد جمعوا للقضاء عليكم، واستئصال شأفتكم، فلم يبالوا بذلك، ولم يستسلموا ولم يتنازلوا، بل ظلوا صابرين ثابتين متوكلين على الله، فصرف الله عنهم عدوهم، وسجل لهم هذا الموقف الرائع ضمن آيات ستبقى تتلى إلى يوم القيامة، يقول الله تعالى: (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران:171-173].
يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: “حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم -عليه السلام- حين ألقي في النار، وقالها محمد -صل الله عليه وسلم- حين قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173].

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،