الحرامي المجتهد

بقلم: الاستاذ محمد جابر
الجمعية المحمدية الطيبة فلسطين

رأى الأصمعي جارية تحمل رمانا فوق رأسها في وعاء …..فتسلل اليها رجل فأخذ رمانة منها خلسة وهي لا تشعر.
قال الأصمعي فتبعته حتى مر الرجل بمسكين فأعطاه الرمانة.
فقال له :عجبا لك سرقتها .. ظننتك جائعاً ؟!!! اما ان تسرقها وتتصدق بها على مسكين !!! فهذا اعجب.
فقال الرجل : لا يا هذا .. أنا أتاجر مع ربي !!!..
فرد الأصمعي مستنكرا تتاجر مع ربك ! كيف ذلك ؟!
فقال الرجل : سرقتها فكُتبت عليّ سيئة واحدة .. و تصدقت بها فكتبت لي عشر حسنات .. فبقي لي عند ربي تسع حسنات ! فإذاً انا أتاجر مع ربي !!!
فقال له الاصمعي رحمه الله : سرقتها فكُتبت عليك سيئة ، وتصدقت بها ، فلن يقبلها الله منك … لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا … فأنت كمن يغسل الثوب النجس بالبول !!!
سبحان الله كم في زماننا من أمثال هذا الرجل … يفتي لنفسه أو لغيره دون علم ويجادل بالباطل وهو يظن أنه على الحق .. ويبرر ويدافع ليحلل لنفسه الحرام او يوهمها أنه على صواب.
(ان هذا الامر دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم) نصيحة وتحذيرا من سيد من سادة التابعين ابن سرين رحمه الله محذرا المجترئ على دين الله بكل وقاحة وهو ليس من اهل العلم او الاختصاص ولا يفرق بين الاثر والحديث وأحيانا بين الشعر والآية من كتاب الله، ولا يمنعه ذلك من اصدار الاحكام والفتاوى في مسائل لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها كل الصحابة من اجل ان يحكم بها.
ان من مصائب زماننا هذا حديث الجاهل بكل شيء وضياع توجيه الله لعباده (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)، فكل الناس اصبحوا اهل ذكر حتى لو كانوا لا يدرون ما الذكر أصلا. اصبح الدين مطية يمتطيها كل واحد وهو لا يدري انه هالك مهلك والعياذ بالله (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام. وقد تأخذه العزة بالإثم اذا حاولت نصحه فيقول لك حطها برقبتي وما تخاف…من اين هذه الثقة؟ لا اظن انها نابعة من الثقة بدين الله! وإنما اكاد اجزم انها لا تصدر الا من جاهل بالله وبدين الله. فلا يقول هذا الكلام من يحمل في قلبه مثقال حبة من خردل من خشية من الله وهي اهم خاصية من خواص العلماء الربانيين (إنما يخشى الله من عباده العلماء). والناظر في احوال وسير الصحابة والصالحين من هذه الامة المباركة يراهم يهربون من القول برأيهم في دين الله كما يهرب الانسان من قسورة (الاسد) وكان يسرهم ان يكفيهم غيرهم بالجواب…اما اليوم فقد تجد العالم الدارس للإحكام الشرعية يوجه اليه السؤال ويسبقه بالجواب من لا يحفظ اية او حديثا ولم يقرا صفحة من كتاب شرعي…وإذا نبهته انه ليس هكذا تورد الابل انتفخ واسود وجهه وانتفخت اوداجه وتهشم حاجز كظم الغيظ عنده ويهيئ لك انك تسمع صوت شيطانه وهو يحرضه على الانتصار لرأيه الذي لا يعرف ما يؤيده من الكتاب ولا من السنة المطهرة، وإذا طالبته بذكر دليل اعتمد عليه في رأيه خاصمك لأنك احرجته امام الناس وبينت جهله …. ثم قال لك هذا رأيي الشخصي وكأن هذا الدين مصدره ليس محمد عن جبريل عن الله عز وجل وانقطع الرأي فيه بعد ان كمل وختم بموت محمد عليه الصلاة والسلام … يتحدث عن حقه في ابداء رأيه كأنما يتحدث عن اختيار لون قميصه…
(وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ).
فهؤلاء عند الله كاذبون مفترون توعدهم سبحانه بأنهم ليسوا من اهل الفلاح، والفلاح هو الجنة. فالحذر الحذر يا عباد الله، فهذا مورد يورد الناس النار والعياذ بالله. فليس عيبا ان لا يعرف الانسان امراً ما، وإنما العيب كل العيب ان يكون دليله جهله والحكمة كل الحكمة والدين كل الدين في الاستماع الى توجيه الله للمؤمنين (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )، والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو احق الناس بها.

شاهد أيضاً

300 ألف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،