كتب عليكم الصيام

(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) [سورة البقرة 183]

(يا أيها الذين آمنوا)..

بدَأَ اللهُ الآيَةَ بخِطابِ المؤمنينَ، لأنَّ السُّورةَ مدَنيَّةٌ، والخِطاب يتضمَّنُ حُكْماً يتوجَّهُ إلى المؤمنين خاصّةً، وذلك أنَّ الكفّارَ لا يُخاطَبون بفُرُوع الشّريعة للعَمَل بها في الدُّنيا .

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)…

كُتِبَ أي فُرِضَ،
و الصِّيام في اللّغة : الإمْسَاك،
وأما في اصطلاح الشارع : هو الإمْساكُ عن الطّعام والشَّراب والجِمَاع من طُلُوع الفَجْرِ إلى غُرُوب الشّمس .

مَتى فُرِضَ الصِّيام؟
فَرَضَ اللهُ الصّيام في السنة الثانية من الهِجْرة قُبَيلَ معركة بدر،

كما حَكَاه ابن جَرير الطّبري، وهذا محلّ اتفاق عند العُلَماء .

(كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ)..

تأكيد للحُكْم، وترغيب فيه، وتَطْييب لأَنْفُس المُخَاطَبين به، فإن الشاقَّ إذا عَمَّ سَهُلَ عَمَلُهُ،

والمُمَاثَلَة إنّما هي في أَصْل الوُجُوب لا في الوقت والمِقْدار،

وفيه دليلٌ على أن الصَوْم عبادة قديمة .

– قال الحسن – رضي الله عنه – :

“إن الله جعل رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا فالعجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون، وخاب فيه الباطلون فالله الله عباد الله اجتهدوا أن تكونوا من السابقين ولا تكونوا من الخائبين”.

– ‏قال أبوحامد الغزالي -رحمه الله تعالى – :

‏”الصيام.. ‏زكاة للنفس ورياضة للجسم وداع للبر، فهو للإنسان وقاية، وللجماعة صيانة، ‏في جوع الجسم صفاء القلب، وإيقاد القريحة، وإنفاذ البصيرة؛ لأن الشبع يورث البلادة، ويُعْمي القلب، ويكثر الشجار في الدماغ، فيتبلد الذهن”.

– ‏قال ابن حجر – رحمه الله تعالى – :

قال الله عز وجل :‏”كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”. ‏
يقول ابن حجر :{ الكريم إذا قال أنا أتولى الإعطاء بنفسي؛ كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه}.

– ‏قال ابن العربي – رحمه الله تعالى – : ‏

{ الصوم جُنَّة أي وقاية من النار، لكن لم خصّ الله الصوم بذلك؟!
يقول رحمه الله :‏”إنما كان الصوم جُنّة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفةٌ بالشهوات }.