فورين بوليسي: لاحق الأوروبيون مجرمي الحرب أما العرب فاستأنفوا العلاقات معهم

مصادر دولية

في مقال أعده مفوض المفوضية الدولية للعدالة والمحاسبة، نواف عبيد نشرته مجلة “فورين بوليسي” بعنوان “العار على العرب” وناقش فيه ما أسماه إفلاس الحكام العرب من خلال استئناف علاقاتهم مع النظام السوري المتهم بجرائم الحرب.
وقال إن المفوضية الدولية للعدالة والمحاسبة، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لإجراء تحقيقات جنائية أثناء الحروب وعندما لا تكون هناك نية أو قدرة على المشاركة في مؤسسات التحقيقات العامة القائمة بالانتهاء من تحقيقها النهائي المفصل في جرائم الحرب لنظام الديكتاتور السوري بشار الأسد.

إعادة العلاقات مع الأسد تعلم حالة من الإفلاس الأخلاقي والعجز للعديد من الحكام العرب الحاليين. ويضيف ان جذر هذا المرض كامن في تحطم البوصلة الأخلاقية التي ظلت تمنع العرب من الانحراف.

ويقوم التحقيق على ما توفر للمفوضية من 800.000 برقية لأجهزة الاستخبارات السورية الأربعة والتي حصلت عليها المفوضية من خلال التنسيق مع منظمات حقوق الإنسان في البلد. ويعلق الكاتب إن هذه المؤسسات مسؤولة عن عدد من المذابح التي أدت لمقتل نصف مليون سوري أثناء العمليات العسكرية للنظام وأنصاره من الميليشيات الأجنبية وإيران وروسيا. ويضيف عبيد إن المفوضية ستكون جاهزة بعد استكمال التحقيق للتقدم في عشر دعاوى قانونية ضد نظام الأسد، بالإضافة إلى ست دعاوى أخرى ضد تنظيم “الدولة”. ورغم جرائم الحرب الفظيعة إلا أن الدول العربية أعلنت في الفترة الأخيرة عن “تطبيع” العلاقات مع دمشق بعدما قطعوها معه في عام 2011، حيث أصبح القتل الجماعي والقمع علامة على الحرب الأهلية. فقد أعلنت كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين في نهاية كانون الاول (ديسمبر) 2018 عن إعادة فتح السفارات في دمشق. بالإضافة لمصر والعراق وحتى تونس التي كانت مثالا للانتفاضة العربية. ثم زار الرئيس عمر حسن أحمد البشير، المتهم بجرائم حرب واستقبله زميله الأسد المتهم بجرائم الحرب في مطار دمشق وقاده إلى القصر الجمهوري. وذكرت وكالة الأنباء السورية أن المحادثات تركزت على استئناف العلاقات بين البلدين لما كانت عليه قبل الحرب. ويقول إن السعودية المؤثرة في السياق العربي فلا تستطيع استئناف علاقاتها مع النظام نظرا للعلاقات التاريخية والدينية والصلات القبلية مع القبائل المهمة في سوريا. ويعتقد الكاتب أن النهج العربي وإعادة العلاقات الأخيرة مع الأسد تعلم حالة من الإفلاس الأخلاقي والعجز للعديد من الحكام العرب الحاليين. ويضيف ان جذر هذا المرض كامن في تحطم البوصلة الأخلاقية التي ظلت تمنع العرب من الانحراف.
ويضيف أن المقارنة بين الرد الأوروبي والعربي على جرائم الحرب يمنح درسا مقنعا.
فقد لاحق الأوروبيون وبحماس شديد رادوفان كراديتش وراتكو ميلاديتش بعد نهاية الحرب اليوغسلافية ورحلوهما مع جزاري الحرب الصرب والبوسنة وحاكموهم في محكمة جرائم الحرب لقتلهم مسلمي البوسنة والكروات المسيحيين. وبالمقارنة رد العرب على قتل إخوانهم العرب المسلمين بلامبالاة حيث ظهر فيها الأسد والبشير وهما يتبسمان أمام الكاميرات. ويقول الكاتب إن العرب وبطريقة منحرفة برروا التقارب مع الأسد على أنه محاولة لإبعاده عن إيران والحد من تأثيرها الخبيث في المنطقة.
ويضيف أن الدول العربية تبحث عن طرق لبناء جدار يحجز إيران عن العالم العربي في ظل سياسات إيران المزعزعة للاستقرار باستخدام الجماعات الوكيلة التابعة لها. فهذه الجماعات التي تدعمها إيران تعيث الفساد ومنذ عقود في سوريا والبحرين واليمن والعراق ولبنان وأماكن أخرى. وأصبحت هذه الجماعات في مركز جهود الدول العربية بعدما تم التخلص من تنظيم “الدولة” وخطره. ومع ذلك يذكر الكاتب أن تجربة لبنان تظهر عبث المحاولة العربية للحد من تأثير إيران. فقد ضخت الدول الغربية والخليجية المساعدات في محاولة خيالية لهزيمة إيران دونما جدوى. واعتقد العرب والأوربيون في أعقاب حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل أن بناء الجيش اللبناني قد يضعف الحزب ويؤدي لحله لكن العكس هو الذي حصل، فحزب الله أقوى مما كان عليه وصار الجيش اللبناني ينسق عملياته معه وزاد تأثير إيران في لبنان.
ويرى أن المستنقع اللبناني هو تجسيد حديث للأسطورة العظيمة التي حاول تحقيقها التقرير الاستعماري الذي أعده كامبل بانرمان. فلعدة عقود وضع القادة والمثقفون العرب أرضهم وشعوبهم في ظل فرضوه على أنفسهم من الرواية التي تعود إلى المؤتمر الاستعماري الذي عقده في لندن عام 1907 واستضافه رئيس الوزراء في حينه سير هنري كامبل بانرمان. فقد أصبح المؤتمر حالة كلاسيكية يلقي فيها العرب مأساتهم على الآخرين كمبرر لعدم التصدي لمشاكلهم الرئيسية.
وتقول الأسطورة التي أنبنى عليها مؤتمر لندن، أن الشعوب العربية التي تعيش في الفلك البريطاني تسيطر على مناطق واسعة غنية بالمصادر ولو اتحدت هذه الشعوب فستقرر مصير العالم وستعزل أوروبا عن بقية العالم. ولهذا قرر المؤتمر محاربة أي نزعة وحدوية عربية وإنشاء دول مصطنعة تحت سيطرة الاستعمار وتشكيل دولة عازلة في فلسطين بحضور أجنبي قوي وتكون معادية لجيرانها. وصديقة للدول الغربية ومصالحها. لكن الباحثون يعرفون ونتيجة للباحث التاريخي في جامعة أوكسفورد يوجين روغان أن تقرير بانرمان- كامبل لم يكتب أبدا.
ولكن القادة العرب الذين لم يستطيعوا فصل الواقع عن الخيال، ظلوا يعيشون في ظل هذه الأسطورة لمدة قرن. ويبدو أنهم استثمروا بفكرة الانقسام العربي وضعف الجامعة العربية وخلافات الدول الأعضاء فيها وبشكل دائم. ولا يزال الكثيرون يلومون وبدون وعي الإستعماريين من كامبل- بانرمان وخلفائه مثل لورد كيرزون وهنري ماكماهون لدورهم في إضعاف العرب. ويعلق الكاتب أن هذا التركيز على الدور الاستعماري هو جزء من مشكلة أكبر. فمعظم الدول العربية لم تنشأ بناء على أهداف واضحة ولكن لمقاومة التحديات التي تظهر أمامها، مشيرا لغياب شامل في التقدم على جبهة الأمن. ولهذا فشلت كل الجهود لبناء تحالف دفاعي عربي بشكل جعل العالم العربي تحت رحمة التأثير الإيراني أو التركي. وهناك عجز لمحاربة الفقر والتخلف والتطرف أو القدرة على بناء نمو اقتصاد متنوع بشكل يسمح للعالم العربي التنافس في الأسواق العالمية أبعد من المصادر الطبيعية والسياحة. وبدلا من العيش في الماضي على العرب العيش في الحاضر وعليهم حل خلافاتهم كي تنشأ مجتمعات دائمة قادرة على فعل موحد. ويجب عليهم العمل للترابط وتحسين وتنويع اقتصاداتهم.
ومع الوحدة يجب ان يكون هناك محاسبة وازدهار بحيث يستطيع العرب التصدي لمن يراهم الاستعماريون الجدد في المنطقة-تركيا وإيران. ويضيف أن إسرائيل التي ظل العرب يلقون عليها لوم تقسيمهم جعلتهم يتبنون عقلية الهزيمة. وتم ارتكاب جرائم فظيعة في سوريا. وطالما لم يستفق العرب من نومهم وكوابيسهم واستعادة القدرة على محاكمة من ارتكبوها أمام المحاكم الإقليمية والدولية فسيظلوا ينحدرون عميقا نحو العجز والانقسام.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *