ما اشبه الأمس باليوم و لكن القميص واحد

من المقال الأسبوعي الشيخ كمال خطيب

إنه قميص يوسف عليه السلام، قميص الطهر والنقاء والشرف والمروءة، القميص الذي تمزق وقُدّ من دبرِ رافضًا صاحبه أن يخون وأن يغدر ويطعن في عرض من أحسن مثواه {قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي، إنه لا يفلح الظالمون} يوسف 23.
إنه القميص الذي واجهَ الإغراء وواجه التهديد، ورفض صاحبه أن يفك أزراره ويقع في الفاحشة مع مَن دعته إليها، فهرب يريد السلامة لدينه وشرفه {واستبقا الباب وقدّت قميصه من دبر} يوسف24.
#إنه نفس صاحب القميص الذي تآمر عليه إخوته حسدًا وكيدًا وقد ألقوه في غيابات الجبّ ثم رجعوا إلى أبيهم ومعهم قميصه ملطخًا بالدم بادعاء أن الذئب أكله { قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وجاؤوا على قميصه بدم كذب} آية 17-18 سورة يوسف.
بل إنه نفس صاحب القميص الذي قال لإخوته بعد أن عرفهم وعرفوه {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يرتد بصيرًا وائتوني بأهلكم أجمعين} آية 93 سورة يوسف.
نعم، لقد شمّ يعقوب رائحة يوسف في قميصه حتى قبل أن يصل إليه أبناؤه ومعهم القميص الذي ما أن ألقاه على وجهه حتى ارتد بصيرًا.

هكذا يفعل قميص المظلوم وقميص الطاهر العفيف وقميص الورع التقيّ، إنه القميص الذي أعاد كتابة التاريخ من جديد.

و مثل قميص يوسف فإنه قميص عثمان بن عفان رضي الله عنه، قميص عثمان المظلوم الذي قتل في بيته صابرًا محتسبًا بل وصائمًا يقرأ القرآن. لقد سال الدم على قميصه وثوبه، سال دم الطهر والتقوى على القميص. فَضّل عثمان أن يكون مقتولًا على ألّا يكون قاتلًا، وفضّل عثمان بل أصرّ على عدم الرضوخ للغوغاء والانقلابيين من الذين حاصروا بيته وجوّعوه وعطّشوه قبل أن يقتلوه دون أن يستجيب لهم وهو يقول “لا أنزع قميصًا ألبسنيه الله” يقصد بذلك الخلافة والحكم.

إنه قميص عثمان الذي طالما أصبح مثلًا للدعوة لإحقاق الحق ومقارعة الباطل أيًا كانوا ممن يرفعون راية الباطل.
ومثل قميص يوسف قميص الطهر والعفة، ومثل قميص عثمان قميص الحق والاستقامة، فإنه قميص مرسي الرئيس المصري المنتخب الذي أفرزته ثورة 25 يناير/2011، وأطاح به انقلاب 13/7 /2013.
إنه قميص محمد مرسي الذي وقف أمام الجماهير في ميدان التحرير يوم أقسم اليمين بعد فوزه وكشف عن قميصه بأنه لم يكن تحته درعًا واقيًا للرصاص لأنه كان واثقًا بأنه ابن الشعب وابن الثورة.
وإنه محمد مرسي الذي رفض وطلب من مؤيديه الانفضاض من حول القصر الجمهوري ليلة الانقلاب تمامًا مثلما طلب عثمان من أنصاره الانفضاض وعدم القتال، لكنه مرسي الذي رغم السجن والقهر والمرض منذ ست سنوات إلا أنه مازال ثابتًا شامخًا يرفض أن يقرّ بالشرعية للمنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي بل ويصرّ على أنه هو الرئيس المصري الشرعي ويقول كما قال عثمان “لا أنزع قميصًا ألبسنيه الشعب”.
ها نحن في ذكرى ثورة 25/يناير وما تزال مصر يحكمها انقلابيون ما زادوها إلا ذلًا وهوانًا وفقرًا وظلمًا لأهلها، لكنها مصر الصابرة، مصر الشرفاء والأبطال، مصر التي تحدّت التتار، مصر التي أسَرَت لويس التاسع في معركة المنصورة، مصر التي تمردت على حكم العبَيديين الفاطميين في مصر. مصر التي أخرجت الظاهر بيبرس، مصر التي أخرجت حسن البنا وغيره من القادة الدينيين والوطنيين. مصر هذه ما كان لها أن تصمت طويلًا على الضيّم ولا بد لمصر أن تقول كلمتها ولا بد لمصر أن تنفض عنها خبثها.

قريبًا سيُحَصْحِصُ الحقّ، وقريبًا سيتجرع الإسرائيليون مرّ العلقم وهم يفتقدون صبيّهم وخادمهم السيسي الذي فعل لهم ما لم يفعله من قبل أحد، حتى أنهم اعتبروه هدية السماء لبني إسرائيل. نعم سيفتقدونه يوم ينهض الشعب المصري البطل وينفض عنه الغبار ويخلع قميص الذلّ والعار الذي أراد السيسي أن يلبسه إياه وليلبس قميص العزّ والمجد الذي يليق به.
وهذا ما قاله البروفيسور أفرايم عنبار رئيس مركز القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية وهو من أشهر مراكز الدراسات الإسرائيلية، حيث قدم البروفسور عنبار ورقة لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد الجنرال أفيف كوخافي يشرح فيها التحديات التي ستواجهه مثل إيران وحزب الله وحماس، لكن التهديد الأخطر وفق ورقته هو الوضع غير المستقر في مصر وإمكانية أن تتغير سياسة مصر نحو اسرائيل بسقوط السيسي وعودة الإخوان المسلمين للحكم.
#وإذا كان الله سبحانه قد ختم سورة يوسف بقوله {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم كذبوا جاءهم نصرنا} آية 110 سورة يوسف.
إنها ليست حالة اليأس إنما فوق اليأس بدرجات “استيأس”. إن اختتام سورة يوسف وأحداثها في مصر بالإشارة إلى أن بعد اليأس نصر وفرج وفتح مبين ونجاة من الظالمين، فإنها الطمأنينة لمصر اليوم وأهلها أن حال الظلم لن يدوم.
نعم إن هذا سيكون ولكنه سيتأخر إذا جعل الشاب المصري لقميصه عشرين زرًا يطول فتحها ويتأخر على قول لبيك عندما تناديه مصر وتناديه الثورة القادمة ويناديه الواجب. إنني على يقين أن أبطال مصر قد جعل الواحد منهم لقميصه زرًا واحدًا ليكون أسرع من البرق للانضمام إلى الجموع التي ستزحف وتطيح بالسيسي كما أطاحت بحسني مبارك، وإذا كان مبارك قد أودع السجن فإن السيسي سيكون مصيره السحل تحت الأقدام بإذن الله تعالى، ولسان حال المصريين يهتفون بصوت واحد {الآن حصحص الحق} آية 51 سورة يوسف. يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبًا.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

شاهد أيضاً

ثورة في الجامعات الأميركية

طلاب جامعة كولومبيا بأميركا يتظاهرون احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *