بين هز الخصر وهز الفكر

بقلم الأستاذ سفيان ابو زيد

في عالم يبالغ في الاعتناء بتفاصيل الخصر وفنيات الرجل ومهارات التمثيل، ويقيم لذلك المنتديات والمهرجانات والمسابقات، ويحشد لذلك الآلاف والملايين من المتابعين والمشاهدين والقنوات، ويرصد لذلك الملايين والملايير من الدولارات، ويوضع المحترفون له والموهوبون به في أعلى المراتب وأرقى المقامات، وتعلق على صدورهم الأوسمة والوشاحات، وتعطاهم الأولوية في كل الأماكن والممرات، ويغدقون بسيول من الدنانير والدراهم والريالات، وتتهافت على لقاءهم الكاميرات والمكروفونات، ويزاحم حولهم لأخذ الصور و”السلفيات” وتؤخذ آراؤهم في كل القضايا والملمات، ويستشارون في الكبيرات والصغيرات، ويرشحون سفراء للسلام والنوايا الحسنة وفي كل المنتديات، وإن زلوا أو تجاوزوا الخطوط الحمراء و وقعوا فيما لا يغفر أخلاقيا أو سياسيا أو ثقافيا أو دينيا أخذت لهم الأعذار والتأويلات، ورصد لهم جيوش من المدافعين والمدافعات، من المحامين والمحاميات والإعلاميين والإعلاميات، وتضامنت معهم “البروفايلات” والصفحات…

وفي المقابل نجد إهمالا وتبخيسا لفنيات الفكر، وميادين النظر، وإبداعات العقل، وتوجيهات النقل، فأمامها توضع المطبات وتفتعل المعرقلات، وتكثر التحذيرات، وتشاع “الفوبيات” ، وتقتر العطاءات، وتزيد الاعتذارات، وتغيب المنابر والقنوات، وإن اضطر إلى بثها أو الاهتمام بها كان لما يخدم السياسات، والكراسي، والرئاسات، إلا أنه يُتعامل معها غير باغ ولا عاد، كما هو حكم الضرورات، فيكون النقل باهتا، والبث ضعيفا، والترويج محدودا في القنوات. كما أنهم لا يؤبه برأيهم عند كبير الأمور والقرارات، ويستبعدون عن كثير من اللقاءات والمؤتمرات، ويغيبون عن الدعوات والاستقبالات، ونجد الكاميرات راصدة لهم الحركات والسكنات، وإن وقعوا في خطإ أو زلة وجهت لهم الأضواء انهالت عليهم سيول الشتائم والمسبات، وسالت الأقلام بمداد الكذب والافتراءات، وكثرت التفسيرات والتأويلات، وصُدِّق كل ذلك من أرباب الحكم والسياسات، هذا إن كانت الزلات أخلاقية أو دينية، أما إن كانت سياسية أو شبه سياسية فلا تسأل عن صاحبها، ولا تسأل عن تداعيات ذلك ومغرضاته واسأل عمن لم يحضر من القنوات الفاضحات، وارجُ له الخلاص من رب السماوات…

ولكن..
إذا كان ذلك الفكر وذلك النظر وذلك العقل وذلك النقل خادما للخصر أو يحوم حوله أو متخل عن مكانه ومكانته له، فتحت الأبواب، وأغدقت الأموال، وقربت المنازل، وزال الحظر، وانتهى الخطر، وحضرت القنوات، واحتفي برأيه عند القرارات وفي اللقاءات…
إلا أنه يصبح وسيلة محدودة الصلاحية والاستعمالات…

هذا في عالم جعل الخصر فكرا والفكر خصرا، فقلبت المفاهيم، وانقلبت الموازين، فصارت موازين خصر لا موازين فكر…

ولا أمل حتى يعود الخصر إلى مكانه ويعود الفكر إلى مكانته، عندها ستتراأى ملامح الفرج وفجر النصر…

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *