حسن الظن بالله

أبو فهيمة عبد الرَّحمن عيَّاد البجائي

حُسْنُ الظَّنِّ بالله يُحَقِّقُ الرَّجاء وَيَعْصِمُ من البلاء و من الأسباب الدِّينيَّة الإيمانيَّة لتحقيق ثمرة الرَّجاء في دفع البلاء: حُسْنُ الظَّنِّ بالله عزَّ وجلَّ؛ فهو من أعمال القلوب العظيمة وعباداتها الجليلة التي يقوم بها المؤمن؛ لأنَّه يعلم من ربِّه أنَّه مجازيه بعمله الصَّالح، فيثيبه عليه، ويضاعف له الأجر، وأنَّه تعالى يكون عند حسن ظنِّه به؛ فيجتهد في إحسان الظَّنِّ بالله ومنع سوء الطَّنِّ به سبحانه وتعالى، عملًا بقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي :” أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ” (رواه البخاري) ، وقال أيضا جلَّ وعزَّ :” أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ” (رواه أحمد)؛ وحُسْنُ ظنِّ العبد بربِّه مع دعائه إيَّاه وذكره له يُكسبه معيَّة الله سبحانه له، كما في الحديث القدسي :” أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي” (رواه مسلم)، وقال أيضا تبارك وتعالى :” أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً” (رواه البخاري).

فهذه الأحاديث تحثُّ المؤمن على حسن الطَّنِّ بربِّه سبحانه وتبيِّن فضيلة هذه العلادة القلبيَّة، ممَّا تحصِّله من الخير والعون من الله، ومعيَّته الخاصَّة المتضمِّنة للحفظ والنُّصرة والرِّعاية والقرب منه سبحانه، وهذه المعيَّة الخاصَّة لا ينالها إلّا المؤمن، جزاء له من ربِّه عزَّ وجلَّ، و:”الجزاء من جنس العمل”؛ فعلى المسلم أن يُحْسن ظنَّه بالله، وأن يعلم يقينًا أنَّه سبحانه وتعالى قريبٌ مجيبٌ للدُّعاء، محقِّقٌ للرَّجاء، عاصم من البلاء، وأنَّه كلَّما تقرَّب من ربِّه بصالح العملِ والقُرَبِ، تقرَّب الله منه ضِعف ما تقرَّب إليه، كما مرَّ آنفًا في الحديث القدسي، وعليه أن يتجنَّب سوء الظَّنِّ بالله والعياذ بالله، وأن لا يترك للطِّيَرة والوساوس محلًّا له في قلبه؛ فالطِّيَرةُ والوسواسُ طريقٌ إلى إساءة الظَّنِّ بالمولى جلَّ وعزَّ، وهو من صفات المنافقين والكافرين، كما أخبر الله عزَّ وجلَّ عنهم بقوله : ﴿وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ ]الفتح:6 [.

فنسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يحفظنا بحفظه، وأن يعصمنا من البلايا و مضلَّات الفتن والخطايا، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، والحمد لله ربِّ العالمين.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.