“النكبة 72” الأجداد يروون للأبناء والأحفاد فصول “التغريبة الفلسطينية” وحلم العودة يراود الجميع

اعلت الأعلام الفلسطينية والرايات السوداء الكثير من المنازل الفلسطينية، فيما عجت مواقع التواصل الاجتماعي بـ “تظاهرات إلكترونية”، نشر فيها آلاف التدوينات والصور، في إحياء للذكرى الـ 72 لـ “نكبة فلسطين”، وذلك بعد أن استعان الفلسطينيون بهذه الوسائل، بسبب إجراءات السلامة الخاصة بجائحة كورونا، لتكون بديلة عما اعتادوا عليه منذ بداية فصول التغريبة الفلسطينية، بالنزول إلى الشوارع والميادين، للتأكيد على تمسكهم بأرضهم التي رحلوا عنها قسرا، على أيدي العصابات الصهيونية، في وقت استعاد فيه كبار السن شريط ذكريات “التغريبة الفلسطينية” بكل تفاصيلها.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، نشر مغردون من كافة الفئات صغارا وشبانا وشيوخا، تدوينات وصورا خاصة بـ “النكبة”، كانت قد عممتها اللجنة الوطنية العليا لإحياء الذكرى، قبل انطلاق الفعاليات الإلكترونية الكبيرة، في مشهد عزز الرواية الفلسطينية بأن “الكبار يموتون والصغار لا ينسون”، وأبطل الرواية الصهيونية بأن “الكبار يموتون والصغار ينسون”.

وخلال التظاهرة الإلكترونية الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، قام الكثير من المشاركين بنشر صورا لهم ولأبنائهم وأحفادهم، مع آبائهم الذين عايشوا أيام النكبة، وكانوا شهودا على تلك الحقبة المريرة، التي طردتهم فيها العصابات الصهيونية قسرا وبقوة السلاح والمجازر من بلداتهم ومدنهم في العام 1948.

وكتب محمود جودة على صفحته على موقع “فيسبوك” مشاركا في الحملة الإلكترونية يقول يا عدونا الغبي السخيف: نحن لا ننسى ولا نموت، نحن نُزع في الأرض فننبت من جديد، يا عدونا البليد: نحن أطول من مدى الخلود، نحن الأبد”، فيما كتب وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب “الذكرى 72 للنكبة المؤلمة، اغتصاب وطن وتشريد شعب، قضية اللاجئين هي الأساس وحق العودة هو الحل”.
وكتب الشاب محمد التلمس “أنا لاجئ فلسطيني، أقيم مؤقتا في مدينة غزة إلى أن أعود إلى بيتنا الذي هجر منه جدي في مدينة المجدل”، فيما قامت العديد من روابط العوائل المهجرة بنشر الصور الخاصة بالفعالية، والتي وزعتها اللجنة الوطنية، وكتبت تعليقا أسفل منها “حتما سنعود إلى فلسطين”، فيما غرد الكثيرون بشعار “باقون ما بقي الزيتون والزعتر”، و “حق العودة حقٌ ثابت غير خاضع للمساومة “، فيما وضع أخرون صورا لـ “مفاتيح العودة”، وصورا لخارطة فلسطين تبين قراهم التي هجرت منها عوائلهم وأجدادهم.

وكان أكثر الصور ألما، تلك الصورة الحديثة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لرجل يجلس على كرسي متحرك بعد أن أعياه المرض، تقوده زوجته المسنة، ويقفان أمام بوابة منزلهم الذي طردوا منه قسرا عام 1948، وعلى بوابة المنزل من الداخل يقف إسرائيلي وزجته، وهما من آل إليهم المنزل بعد سلبه من سكانه الأصليين.
وقد فتحت الذكرى بوابة ذكريات أليمة، استذكرها ما يعرف بـ “جيل النكبة”، وهو من عايشوا تلك الحقبة، وقد حرص الكثير من المواطنين على مشاهدة شريط الذكريات الوثائقي لتلك التفاصيل، من خلال جلسات عائلية استمعوا خلالها من أعمدة العائلة الكبار الذين عايشوا تلك الفترة، التفاصيل الدقيقة من لحظة الهجمات الصهيونية، مرورا برحلة الخروج تحت القصف والقتل والنار، حتى الوصول إلى مخيمات اللاجئين.

وقد بدا الثمانيني محمد صلاح من قرية المغار أحد القرى المدمرة قضاء مدينة الرملة، فرحا حين استذكر تلك الأيام التي كان ينزل فيها وهو طفلا إلى حقل والده، يشارك في الفلاحة وجني المحاصيل، وكيف كان يقسم الرجال والنساء يومهم من قبل طلوع الشمس حتى ما بعد المغيب، في العمل والسمر ما بعد العودة من الأرض، ويقول وهو يتحدث عن ما قبل حلول النكبة بنحو ثلاث سنوات، أن تلك الأيام رغم صعوبتها من ناحية الكد والعمل، وقلة الأموال، إلا أنها كانت الأفضل في حياته، كونه كان بين أرضه وفي قريته التي هجر منها، ويضيف بأن ضيق مساحة السكن التي يعيشها أبناءه وأحفاده في منزله في مخيم النصيرات وسط غزة، حيث تعيش الأسرى في منزل بني من عدة طوابق، ما كان ليكون بهذا الشكل لو لم تحل بهم النكبة، فيستذكر أراضي والده الواسعة، وكيف لها أن تتسع للكثير من الأبناء والأحفاد.

ويتابع هذا الرجل الذي بات لا يقدر كثيرا على الحركة، حديثه، بالقول أنه لا يزال يتمنى ويحلم بالعودة إلى بلدة، ويقول أنه كان يشعر بمرارة كبيرة حين كان في قبل عشرات السنين، يمر خلال ذهابه إلى عمله داخل مناطق 1948، من منطقة قريبة من بلداته التي هجر منها، لافتا خلال حديثه لـ القدس العربي، أنه زار البلدة ووقف على إطلالها ذات يوم، واستعاد شريط الذكريات التي عاشها قبل حلول النكبة.

وتغير حديث الكهل الثمانيني فجأة، وبدا عليه الحزن، حين انتقل للحديث عن فصول “النكبة”، والتي يطلق عليها كبار السن اسم “الهجرة”، فتحدث بمرارة عن الأخبار التي كان ترد كبار القرية ومختارها، والخاصة بالمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق البلدات الأخرى، كدير ياسين وغيرها من البلدات، التي تعمدت فيها تلك العصابات إعدام الفلسطينيين، لترويع باقي السكان، وإجبارهم على ترك قراهم بقوة السلاح، ويقول أن أهالي قريته والقرى المجاورة، اضطروا بسبب القصف المدفعي للعصابات الصهيونية والأسلحة المتطورة التي بحوزتها، بعد مقاومتها بعدد قليل من البنادق للخروج في رحلة طويلة، تنقلوا فيها من قرية إلى أخرى، حتى وصلوا وهم يسلكون طريق الساحل إلى قطاع غزة، بعد أيام شاهد فيها المهاجرون الموت مرات عديدة.

ويقول أن أي من العوائل التي تركت أرضها وبلداتها ومدنها، لم تكن تتوقع أن تطول مدة الغياب إلى كل هذه السنوات، وأن تلك العوائل كانت تعتقد أن مسألة العودة لن تعدوا أياما أو أسابيع قليلة على أبعد تقدير، حتى تتمكن الجيوش العربية من الانتصار على العصابات الصهيونية، ويشير إلى أن “المهاجرين” حملوا معهم فقط من الزاد ما يكفي لفترة قليلة فقط، يقينا منهم بعدم طول المحنة، ويؤكد أن صعوبة العيش والفقر والجوع في الأشهر والسنوات الأولى للجوء، كان يهونها الأمل بقرب العودة.

وقد استذكر هذا الرجل، خلال حديثه الذي استمع إليه أبناءه ومنهم من اشتعل رأسه شيبا، لتقدمه في العمر، وأحفاده الذين تجاوزت أعمار بعضهم الـ 30 عاما، تلك الأيام المريرة التي وصلوا فيها لمخيم النصيرات وسط القطاع، وكيف أقامت لهم مؤسسات دولية خياما كبيرة قسمت بين عدة أسر، قبل أن تخصص خيمة لكل عائلة، ومن ثم الانتقال إلى السكن في منازل شيدت من الطين، وكيف مرت عليهم أيام قاسية، لم يجدوا فيها قوت يومهم، ولا ما يملأ بطونهم، وأيام أخرى لم يجدوا فيها ما يقيهم برد الشتاء، وظل يسرد في شريط الذكريات، حتى استذكر لحظة العدوان على غزة ومصر عام 1956، وما تلاه من حرب “النكسة” عام 1967، والتي كان خلالها جنديا في جيش منظمة التحرير، الذي حارب في غزة، التي أصبحت بعد هذا التاريخ تحت الاحتلال الإسرائيلي، كالضفة الغربية، وكباقي أجزاء الوطن.

وخلال الحملة الإلكترونية الخاصة بإحياء ذكرى “النكبة 72” نشرت مجموعة من الصورالقديمة للفلسطينيين وهم يسيرون مشيا تاركين بلداتهم المدمرة عام 1948، يحملون قليلا من الأمتعة، وهو متجهون إلى رحلة المجهول، وقد كتب عليها “راجعون”، كما نشر المشاركون صورا أخرى للاجئين يستقلون شاحنات، ويستعدون للنزول منها في منطقة مكدسة بالخيام، التي استقبلتهم في الكثير من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وسوريا ولبنان والأردن، في الأشهر الأولى لبداية اللجوء الذي لا تزال فصوله مستمرة.

جدير ذكره أن “النكبة” التي وقعت 1948، كانت الحدث التاريخي الأهم والأصعب الذي ألم بالفلسطينيين وبتاريخ القضية، وذلك بسبب طردهم من أراضيهم، وسيطرت العصابات الصهيونية على المساحات الأكبر من فلسطين التاريخية، وتشريد الفلسطينيين إلى مخيمات اللجوء.

وقد سيطرت العصابات الصهيونية خلال أحداث النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وقامت بتدمير 531 منها بالكامل وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، فيما أخضعت من تلقى منها للقوانين الاحتلالية.

ويقيم اللاجئون الفلسطينيين في 58 مخيما تابعا لـ “الأونروا” منها 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة، فيما يقيم آخرون كثر من اللاجئين في دول الشتات.

وكان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، قال في هذه الذكرى إن عدد الفلسطينيين تضاعف 9 مرات خلال تلك السنوات الطويلة، فيما قضى ما يزيد عن مئة ألف دفاعا عن أرضهم منذ ذلك الوقت، وأكد أنه على الرغم من تشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني في العام 1948، ونزوح أكثر من 200 ألف فلسطيني غالبيتهم إلى الأردن بعد حرب يونيو 1967، فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم نهاية العام 2019 حوالي 13.4 مليون نسمة.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.