صمتك ذهب

معنى الصمت لغةً: صَمَتَ يَصْمُتُ صَمْتًا وصُموتًا وصُماتًا: سَكَتَ. وأَصْمَتَ مثله، والتصْميتُ: التسكيتُ. ويُقال لغير الناطق: صامت ولا يقال ساكت.

معنى الصمت اصطلاحًا:

قال المناوي: “الصمت: فقد الخاطر بوجد حاضر. وقيل: سقوط النطق بظهور الحق. وقيل: انقطاع اللسان عند ظهور العيان” ((التوقيف على مهمات التعاريف) ص [219]).

وقال الكفوي: “والصمت إمساك عن قوله الباطل دون الحق” ((الكليات) ص [806]).

الفرق بين الصمت والسكوت: ((نضرة النعيم) [7/ 2634]).

1- أن السكوت هو ترك التكلم مع القدرة عليه، وبهذا القيد الأخير يفارق الصمت؛ فإن القدرة على التكلم غير معتبرة فيه.

2- كما أن الصمت يراعى فيه الطول النسبي، فمن ضم شفتيه آنًا يكون ساكتًا، ولا يكون صامتًا إلا إذا طالت مدة الضم.

3- السكوت إمساك عن الكلام حقًّا كان أو باطلًا، أما الصمت فهو إمساك عن قول الباطل دون الحق.

قال الراغب: “الصمت أبلغ من السكوت؛ لأنَّه قد يستعمل فيما لا قوة له للنطق، وفيما له قوة النطق؛ ولهذا قيل لما لا نطق له: الصامت والمصمت، والسكوت يقال لما له نطق فيترك استعماله” ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) لأبي الحسن الهروي [7/ 3038]).

أسماء مرادفة للصمت:

قال النيسابوري ((غرائب القرآن ورغائب الفرقان) للنيسابوري [4/ 537]):

“ترك الكلام له أربعة أسماء:

1- الصمت، وهو أعمها حتى إنه يستعمل فيما ليس يقوى على النطق كقولهم: (مال ناطق أو صامت).

2- والسكوت، وهو ترك الكلام ممن يقدر على الكلام.

3- والإنصات، هو السكوت مع استماع قال تعالى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف من الآية:204].

4- والإصاخة، وهو الاستماع إلى ما يصعب إدراكه، كالسرِّ والصوت من المكان البعيد”.

أهمية الصمت:

إن الشرع قد حث على الصمت ورغب فيه؛ لأنه يحفظ الإنسان من الوقوع في آفات اللسان ومنكرات الأقوال، ويسلم به من الاعتذار للآخرين.

“ويدلك على فضل لزوم الصمت أمر، وهو أن الكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة.

أما الذي هو ضرر محض؛ فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر.

وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر؛ فهو فضول والاشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران، فلا يبقى إلا القسم الرابع، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع، وهذا الربع فيه خطر، إذ يمتزج بما فيه إثم من دقائق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكلام امتزاجًا يخفى دركه، فيكون الإنسان به مخاطرًا ومن عرف دقائق آفات اللسان… علم قطعًا، أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصل الخطاب حيث قال: «من صمت نجا» (رواه الترمذي [2501]، وأحمد [2/ 159] [6481]، والدارمي [3/ 1781] [2755] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وثق رواته: المنذري في (الترغيب والترهيب) [3/ 343]، و ابن حجر في (فتح الباري) [11/ 315]، وصحح إسناده أحمد شاكر في (المسند) [10/ 140]، وصححه الألباني في (صحيح الجامع) [6367]). فلقد أوتي والله جواهر الحكم قطعًا، وجوامع الكلم ولا يعرف ما تحت آحاد كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء” ((إحياء علوم الدين) للغزالي [3/ 111-112]).

أولًا: في القرآن الكريم:

-قوله تعالى:{مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].

قال ابن كثير: “{مَا يَلْفِظُ} أي: ابن آدم {مِنْ قَوْلٍ} أي: ما يتكلم بكلمة {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي: إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10-12]” ((تفسير القرآن العظيم) [7/ 398]).

وقال الشوكاني: “أي: ما يتكلم من كلام، فيلفظه ويرميه من فيه {إِلَّا لَدَيْهِ} أي: على ذلك اللافظ {رَقِيبٌ}، أي: ملك يرقب قوله ويكتبه، والرقيب: الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر، فكاتب الخير هو ملك اليمين، وكاتب الشر ملك الشمال. والعتيد: الحاضر المهيأ. قال الجوهري: العتيد: الحاضر المهيأ،… والمراد هنا أنه مُعد للكتابة مهيأ لها” ((فتح القدير) [5/ 89] بتصرف).

عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» (رواه البخاري [6475]، ومسلم [47]). قال ابن عبد البر: “وفي هذا الحديث آداب وسنن، منها التأكيد في لزوم الصمت، وقول الخير أفضل من الصمت؛ لأن قول الخير غنيمة، والسكوت سلامة، والغنيمة أفضل من السلامة” ((التمهيد) لابن عبد البر [21/ 35]).

الكثيرُ من الأشخاص يلجؤون إلى الصّمت والهدوء في الكثير من ظروف الحياة، فهُما ليس ضعفاً بل أسلوباً راقياً لا يعرفهُ أغلب البشر؛ فالكثيرون يعتقدون أنّ الصامت غير مبالٍ ولكنّ ذلك غير صحيح فهو قد يمتلك الكثير من المشاعر الجياشة ولكن لا يعبر عنها حتّى في المواقف التي تحتاج إلى الكلام. كلام عن الهدوء والصمت نحنُ عندما نكتُب لا نكتُب بحبر القلم؛ بل نكتُب بدماء القُلوب، فعُذراً إن ظهرت بعض الجراح على السُطور، سئمتُ واكتفيتُ من الكلام، فآثرتُ الصمت ولغة العيون،‬ ‫سأصمُت، نعم سأصمُت، وأدع الحبر يتكلم بدلاً عني.‬

صــمتــك وقت فوزك ثقة

صــمتــك وقت غضبك قوة

صــمتــك وقت عملك إبداع

صــمتــك وقت سخريتهم تّرفُع

صــمتــك وقت نصيحة الناس لك أدب

صــمتــك وقت حزنك صبر وإحتساب للأجر

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.