علمتني آية ان الحق لايراه المتكبرون

{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}

تعجبت من مواقف بعض الليبراليين العرب من القرآن فوجدت تشخيص ذلك في قوله تعالى “يؤفك عنه من أفك” وقوله “سأصرف عن آياتي الذين
يتكبرون .. ”
والآيات جمع آية وهي الأمر العجيب، وتطلق ثلاث إطلاقات، فإما أن تكون آية كونية مثل قوله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } ، وإما أن تكون آية دلالة على صدق الرسول في البلاغ، وإما أن تكون آية قرآنية فيها حكم من أحكام الله، وهنا يقول الحق: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ… } [الأعراف: 146]

إذن يوضح سبحانه هنا أنه سيصرف الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق عن أن ينظروا نظر اعتبار في آيات الكون، أو أن الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق سيبطل كيدهم في أن يتجهوا للحق بالهدم؛ لأن الواحد من هؤلاء ساعة يرى آية من آيات الله سينظر إليها على أنها سحر، أو شعوذة، أو أن يقول عنها إنها ضمن أساطير الأولين.

إذن وجه الصرف أن يسلط الحق عليه من الكبر ما يجعله غير قادر على وزن الآية بالميزان الصحيح لها، والمتكبر هو من ظن أن غيره أدنى منه وأقل منزلة، ومقومات الكبر قد تكون قوة، لكن ألم يرَ المتكبر قويًّا قد ضعف؟ وقد يكون الثراء من مقومات التكبر، لكن ألم يرَ المتكبر غنيًّا قد افتقر؟ أو يكون المتكبر صاحب جاه، ألم يرَ ذا جاه صار ذليلاً؟.

إذن فمن يتكبر، عليه أن يتكبر بشيء ذاتي لا يُسْلَب منه أبداً. فإذا ما أردت أن تطبق هذا على البشر فلن تجد واحداً يستحق أن يكون متكبراً أبداً؛ لأنه لا يوجد في الإِنسان خاصية ذاتية فيه تلازمه ولا تفارقه أبداً، بل كلها موهوبة، ومن الأغيار التي تحدث وقد تزول. فكلها من الله وليست أموراً ذاتية؛ لأن القوة فيك إن كانت ذاتية فحافظ عليها، ولن تستطيع. وإن كان الثراء ذاتيًّا فحافظ على غناك أبداً، ولن تستطيع. وإن كانت العزة ذاتية فحافظ على عزتك أبداً ولن تستطيع. إذن فمقومات الكبرياء في البشر غير ذاتية.

وقوله سبحانه: { يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } يفيد أن هناك كبرياء بحق لمن يملك في ذاته كل عناصر القوة والثراء والجاه والعزة، ولذلك فالكبرياء لله وحده. واعلموا أن كل متكبر في الأرض لا يخطر الله بباله؛ لأنه لو خطر الله بكماله وجلاله في باله لتضاءل؛ لأن الله يخطر فقط ببال المتواضعين من الناس، ولذلك نضرب هذا المثل: إننا نجد من حولنا إنساناً هو الرئيس الأعلى، وهناك رئيس لطائفة ومرؤوس لآخر، وهناك مرؤوس فقط. والرئيس المرؤوس لا يستطيع أن يجلس مع المرؤوسين له بتكبر ويضع ساقاً على ساق ويعطي أوامر؛ لأنه قد يلتفت فيجد رئيسه وقد دخل عليه. فلو فعل الرئيس المرؤوس ذلك لضحك منه المرؤوسون له.فكذلك الناس الذين لا يستحضرون الله في بالهم نجدهم مثار سخرية، لكن الذين يستحضرون الله الذي له الكبرياء في السموات والأرض لا يتكبرون أبدا.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.