التايمز في تحقيق مفصل عن وقائع قتل جمال خاشقجي والعدالة المفقودة

في مقابلة أجراها ماثيو كامبل من صحيفة “التايمز” مع خديجة جنكيز، خطيبة الصحافي جمال خاشقجي بمناسبة قرب عرض الفيلم الوثائقي “المنشق” في دور العرض البريطانية في آذار/مارس المقبل قالت إنها وجمال كان سعيدان وهما يخططان لحفل الزواج، إكمال فرش الشقة واختيار الطعام للحفلة وكان جمال، 59 عاما يريد شراء بدلة للعرس. وعندما خطا خطواته نحو القنصلية السعودية بإسطنبول في مساء 2 من تشرين الأول/أكتوبر كان سعيدا و “شعرنا بأننا مباركان” كما قالت جنكيز، 40 عاما في مكالمة هاتفية من إسطنبول و “كل واحد له الحق الشعور بهذا مرة في حياته”. وذهب خاشقجي المطلق للقنصلية للحصول على أوراق حتى يكمل إجراءات زواجه من جنكيز و “كان يوما ملبدا بالغيوم” و “شاهدت جزءا من الشمس وقلت لنفسي: أيام مشمسة تنتظرك وأنا انتظر خروجه من البناية”.

لكن البسمة قد تكون غادرت وجه خاشقجي عندما شاهد من ينتظرونه في الداخل.
فقد كانت فرقة قتل من 15 شخصا وصل أفرادها من السعودية قبل يوم على متن طائرتين من غالف ستريم وبعضهم بجواز دبلوماسي.

هناك جرائم مروعة كتلك التي تعرض لها خاشقجي لكن القتلة والمسؤولين عنها لم تتم محاسبتهم.

وبعد خنقه قام طبيب بنشر جثته وتقطيعها في “غرفة الإعلام” بالقنصلية. ولم يتم العثور على بقاياه. وتقول جنكيز “لا أصدق أن هذا حدث، ولا زلت احاول فهم الواقع” و”أنا في صدمة”.

وهناك جرائم مروعة كتلك التي تعرض لها خاشقجي لكن القتلة والمسؤولين عنها لم تتم محاسبتهم.

وكانت علاقة خاشقجي قد تدهورت مع النظام في 2017 بعد انتقاده حرب اليمن وخيبة أمله من وعود الديمقراطية. وخرج من السعودية إلى واشنطن وبدأ بكتابة مقالات ناقدة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وفي أول مقال له بواشنطن بوست قال إنه هرب خشية أن يطاله قمع ولي العهد. والتقى خاشقجي مع جنكيز الطالبة الأكاديمية بمؤتمر بإسطنبول وعاد إلى المدينة لطلب يدها.

وكان يعرف أن هناك مخاطر، لكنه لم يتخيل أبدا أن تقطع جثته على طاولة المؤتمرات في مكتب القنصل. ولم يكن مصير خاشقجي ليعرف لولا أجهزة الرصد التي وضعتها المخابرات التركية في القنصلية، والتي سجلت كل اللحظات الأخيرة من شخيره إلى صرخته الأخيرة “لا أستطيع التنفس” وصوت المنشار وهو يعمل في جثته الهامدة. وأطلعت تركيا مؤسسات الإستخبارات الغربية على التسجيلات ونشرت صحف جزءا منها.

ورغم الشجب الدولي للجريمة إلا أن التحرك كان قليلا، وحتى بعد تقييم سي آي إيه في تشرين الثاني/نوفمبر الذي توصل لمسؤولية ولي العهد السعودي عن الجريمة، ظل الرئيس دونالد ترامب حريصا على التبرير له. وزعم خاطئا أن المخابرات لم تتوصل إلى هذه النتيجة. وفي عام 2019 أصدرت المقررة الخاصة في الأمم المتحدة تقريرا حملت فيه السعودية مسؤولية قتل خارج القانون ومدبر.

الفيلم الوثائقي “المنشق” لا يعرض تسجيلات اللحظات الأخيرة لخاشقجي، مع أنه يحتوي على صور لم تعرض وتشير إلى دم الصحافي الذي تناثر في غرفة الإعلام.

ودعت معدة التقرير أغنيس كالامار للتحقيق في محمد بن سلمان إلا أن اقتراحها تم تجاهله. كل هذا قد يتغير فقد جاءت إدارة أمريكية جديدة تعهدت بأن تغير طريقة التعامل مع السعودية وبعيدا عن سياسة ترامب. وهناك فيلم عن الجريمة أعده الأمريكي الحائز على أوسكار بريان فوغيل “المنشق”.

ولا يعرض الفيلم تسجيلات اللحظات الأخيرة لخاشقجي، مع أنه يحتوي على صور لم تعرض وتشير إلى دم الصحافي الذي تناثر في غرفة الإعلام. وقال مدير المخابرات التركي عرفان فيدان إن جمال خاشقجي مات بعد 7 دقائق، فقد خنق بكيس بلاستيكي على ما يعتقد. وبعد ذلك طلبت القنصلية 71 رطل لحم من مطعم مشهور في إسطنبول للتغطية على رائحة اللحم المشوي من جثة خاشقجي في فرن تاندوري في مقر القنصل. وتأمل جنكيز التي تظهر في الفيلم من تحقيق العدالة للصحافي. وقالت إنها تحاول الحفاظ على ذاكرته حية “لا شيء سيعيد جمال ولكنني بانتظار بريطانيا وبقية الدول أن تظهر لهؤلاء الناس أنكم لا تستطيعون قتل شخص بدون تداعيات”.

وكان خاشقجي يعرف مخاطر الذهاب إلى القنصلية، فهناك قصص لا تحصى عن النقاد الذين اختفوا بدون أثر أو اختطفوا. وواحد من هؤلاء الأمير سلطان بن تركي، حفيد الملك عبد العزيز الذي اختلف مع العائلة بسبب فسادها، وخدر ونقل من سويسرا إلى السعودية حيث قضى عقدا من الزمان تحت الإقامة الجبرية.

وغامر خاشقجي بالذهاب إلى القنصلية ولكن الزيارة كانت جيدة” شعر بالقلق في المرة الأولى” كما تقول جنكيز و “شاهدت هذا في وجهه” وقال لها ” هناك إمكانية التحقيق معي”. وفكر باحتجازهم له أو مصادرة جوازه لكنه لم يتلفظ أبدا بـ “قتل” و “لن يتجرأوا”. ولم تكن الزيارة جيدة بل واستقبل بحرارة وقدموا له القهوة والشاي واكتشف أن قلقه “لم يكن ضروريا، وهي مجرد مخاوف وأنه افتقد بلده كما قال لهم”. وبعد مغادرة خاشقجي القنصلية اتصل القنصل بالرياض وأخبرهم أنه سيعود بعد 4 أيام. ولم يصدقوا حظهم، فقد كانت لديهم فرصة للتخطيط والتعامل مع “الخائن”. وبحسب أصدقائه، فخروج الصحافي عام 2017 اعتبر خيانة بسبب علاقات عائلته بالعائلة الحاكمة ومعرفته بدواخلها. فجده محمد كان طبيبا للملك عبد العزيز وقريبه كان تاجر السلاح عدنان خاشقجي وبالضرورة فهو قريب لدودي الفايد صديق الأميرة ديانا.

ونظرا لعلاقته هذه وعمله مع السفير السعودي السابق في لندن وواشنطن، الأمير تركي الفيصل، فقد مارس المنفيين السعوديين الحذر من التعامل معه، رغم دعوته لحرية التعبير والديمقراطية. وعندما التقطته جنكيز كان يشعر بالعزلة ويعتقد أن مغادرة السعودية ربما كان خطأ. و “عندما قابلته قرأت الوحدة في عيينه” و “لم أكن أعرف أنها ستكون بداية علاقة رومانسية”. ومع أن اللقاء الذي طلبته منه لم ينشر إلا أنها استمرت بالتراسل معه واعجبت بشجاعته. وعندما عاد بعد شهرين لطلب يدها شعر والدها تاجر الأدوات المنزلية بالحيرة “فقد كان كبير السن بالنسبة لابنته” ولكنه لم يعترض. وكانت الخطة هي عقد حفل الزواج بعد حصوله على الأوراق والعيش في الشقة التي اشتراها في إسطنبول. وأخذا سيارة إلى القنصلية. وقال لها “انتظري، سأخرج سريعا”. وكشفت التسجيلات التركية قتلا مدبرا “هل وصلت الضحية؟” قال أحد القادمين من الرياض. ورد آخر “نعم” لتأتي الإجابة “الحمد لله”.

ويصف الكاتب ما جرى لجمال عندما رفض إرسال رسالة نصية لعائلته وقتله وقيام صلاح محمد الطبيقي بتقطيع الجثة. وفي التسجيلات التركية هناك ثغرة طويلة، بحيث قاد البعض للتكهن أن الأتراك لديهم أدلة يحتفظون بها كورقة ضغط على السعودية. وكان من بين الحاضرين ماهر عبد العزيز المطرب المقرب من محمد بن سلمان وأجرى عدة مكالمات مع السعودية، وربما مع مستشار ولي العهد سعود القحطاني. وأخبر المطرب السعودية “قل لجماعتك، تم الأمر، انتهى”.

لكن خديجة جنكيز ظلت خارج القنصلية حتى بعد إغلاقها في الساعة الثالثة مساء، ولم تغادر المكان إلا في صباح اليوم التالي بدون معرفة ما حدث. ولم تكن تريد تصديق أنه قتل “ولم أفكر أبدا أنهم سيقتلون شخصا في القنصلية واعتقد أن من صدقوا الكلام سخفاء، لم أصدق”. وحتى المستشار الإعلامي للرئيس رجب طيب أردوغان وجد في القصة غريبة ولا أحد سيصدقها. وكما هو معروف رفضت السعودية الاعتراف بأن خاشقجي دخل القنصلية أصلا لتعود وتغير الرواية مع التسريبات والمعلومات الجديدة.

واعترف محمد بن سلمان بالمسؤولية باعتبار أن الجريمة وقعت في ظل إدارته وارتكبها أفراد يعملون لصالح الحكومة السعودية. ولم تكشف التحقيقات التي قامت بها السعودية مع مسؤولين خاصة القحطاني عن المسؤول. وتم تبرئته وغيره من المسؤولين البارزين. وصدرت أحكام ضد مسؤولين لم يتم الكشف عن هويتهم، فيما وصفته كالامار “بالسخرية من العدالة”. وتوصلت الشرطة التركية إلى أن رفات خاشقجي لن يتم العثور عليه أبدا، فبعد الجريمة سجلت كاميرا صور أشخاص يحملون أكياسا بلاستيكية سوداء من داخل القنصلية إلى مقر القنصل. وسمح للشرطة التركية بدخول القنصلية بعد أسبوعين حيث تم تدمير كل الأدلة. ولو حرقت الجثة في الفرن فسيكون الحمض النووي قد اختفى. ويبدو أن التقرير الذي ورد في الصحافة المحلية عن رائحة شواء من المبنى وهي الأولى التي يلاحظها جار لها تتناسق مع ما توصلت إليه الشرطة من نتيجة. وتأمل جنكيز من جانبها أن تحذو بريطانيا حذو الولايات المتحدة وتعيد تقييم العلاقة مع السعودية “أحب جمال بريطانيا” و “طالما تحدث عنها كرائدة في مجال حقوق الإنسان”.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.