نيويورك تايمز: أحلام بن سلمان المثالية والصحراء الحافلة بالمشاريع الضخمة الفاشلة

تحت عنوان “الواقع المظلم خلف أحلام السعودية المثالية” نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لروبرت اف وورث قال فيه: “بالنسبة لبقية العالم، قد تبدو السعودية وكأنها مملكة تشبه واحدة من القرون الوسطى، حيث لا تزال المرأة فيها تكافح للحصول على أبسط حقوقها. ويدير فيها رجال دين ملتحين المحاكم وبشكل روتيني تقطع بالسيف رؤوس المحكوم عليهم في الساحات العامة. ولكن السعودية مثل جاراتها أبوظبي ودبي طالما حلمت بالقفز إلى مستقبل التكنولوجيا العالية، فالملك السعودي السابق خطط لبناء ست مدن في الصحراء، قدمت على أنها خطوة لتحويل المملكة من عالم الاعتماد على النفط”.

السعودية مثل جاراتها أبوظبي ودبي طالما حلمت بالقفز إلى مستقبل التكنولوجيا العالية، فالملك السعودي السابق خطط لبناء ست مدن في الصحراء، قدمت على أنها خطوة لتحويل المملكة من عالم الاعتماد على النفط

ويقول الكاتب إن السعوديين أعلنوا عن “فتنازيا” تجعل الجهود السابقة لا قيمة لها. ويشير هنا إلى ما أعلن عنه ولي العهد محمد بن سلمان في فيلم قصير يحدد فيه خططه لـ “ذا لاين” وهي يوتيوبيا ما بعد حداثية ستقام على الساحل الغربي للسعودية. وستكون شريطا حضريا ضيقا على طول 106 ميلا، بدون شوارع ولا سيارات أو تلوث. ويخطط بن سلمان لضخ 500 مليار دولار على “ذا لاين” والمشاريع الأخرى ذات العلاقة، وهو مبلغ ضخم حتى بالمعايير السعودية. ووصف “ذا لاين” بأنها “ثورة حضارية” سيعيش فيها مليون شخص “من كل أنحاء العالم”.

ويتساءل الكاتب، لماذا يريد أي شخص الانتقال إلى هناك ولماذا سيكون شكلها نحيف مثل خيط باستا كابليني، أمر يدعو للحدس.

وقال فورث “أن تراقب الفيديو الترويجي هو أن تخوض في شكل الغطرسة السعودية المميزة والتي تجمع الانتصارية الدينية والأبهة الملكية”. ويحتوي الفيلم الترويجي على مقدمة سريعة تستعرض الإنجازات العلمية والتقنية الكبرى في القرن العشرين بما في ذلك صورة متناقضة لمؤسس المملكة، عبد العزيز بن سعود، كما أنه مخترع على شاكلة ستيف جيب وليس باعتباره محاربا على متن جمل.

وتومض التواريخ بسرعة على الشاشة من أول إذاعة (1921) إلى أول تلفزيون ملون (1953) وأول عملية زراعة ناجحة للكلى (1960) وولادة عصر الإنترنت وبعد المرور على عظمة اليوتيوب والواقع الافتراضي ثم تعتم الشاشة وتظهر عبارة “ما القادم؟”. وتتنقل الصورة إلى محمد بن سلمان على المسرح بثوبه الأبيض حيث يقدم حديثا سريعا ومن الذاكرة وخلفه نشاهد شعار مدينة نيوم وبعد ذلك يظهر شريط أخضر يحدد صورة “ذا لاين” التي يقول عنها الأمير أنها شكل متقدم من المدن “صفر شوارع، صفر سيارات وصفر انبعاثات كربونية”.
ويعلق فورث أنه عندما شاهد الضوء الأخضر تذكر فيلم “غودزيلا” وأنه جاهز لقتال الأمير. وربما كان فيلم الوحش الياباني الذي ولد في مرحلة خوف وإثارة مرحلة ما بعد الحرب العالمية مناسبا في هذا السياق لكن وليس ذلك الشعاع الاخضر الذي يمثل ذا لاين.

ويعلق الكاتب أن محمد بن سلمان وهو يتخيل المدينة بدون شوارع أو سيارات ولا تلوث يشعر المشاهد وكأن الوقاحة ليست أقل من رؤية ميتافيزيقية. فهو يبدو مؤمنا أن الطبيعة خاضعة لسيطرته. و”يجب ألا ان يكون هذا مدهشا لأن محمد بن سلمان يروج منذ 2017 لأفكار غريبة وعندما قدم فكرة نيوم، مدينة المستقبل التي يشكل مشروع ذا لاين جزءا منها”. ويصف الكتاب التعريفي لنيوم حياة جديدة من الميلاد إلى الوفاة حيث تتخلق الجينات ويزيد مستوى الذكاء الإنساني كما أشار تقرير في صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرته في 2019، بالإضافة لعملية زرع للغيوم تؤدي لنزول المطر في الصحراء.

ويحتوي المشروع على خطط عملية مثل تحلية المياه والطاقة البديلة والزراعة في الصحراء، كما نقل عن علي الشهابي، عضو المجلس الإستشاري في نيوم. ولكن هذه الأفكار طغى عليها الحديث عن القطارات السريعة والروبوتات التي تقوم بالخدمة والشواطئ التي يتوهج رملها. ويعلق الكاتب أن الغطرسة التي تعلم هذه المقترحات يغذيها جيل لا يعرف إلا قول نعم للأمير بمن فيهم (مستشارون غربيون يتلقون رواتب عالية)، وستكون مألوفة لأي شخص قضى وقتا في السعودية.

ومع ذلك ربما توقعنا على الأقل شيئا من الحذر من محمد بن سلمان، الرجل المتهم بإصدار أمر قتل الصحافي جمال خاشقجي والذي تم جره إلى القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018. ثم جرى خنقه وتقطيع جثته بمنشار عظام على يد فريق أرسل خصيصا من الرياض لقتله. وكان ذنب خاشقجي أنه تجرأ على كتابة مقالات في صحيفة “واشنطن بوست” وأدى مقتله لحالة شجب عالمية وحولت محمد بن سلمان إلى منبوذ، وقد نفى مسؤوليته عن الجريمة وشجبها (مع أن سي آي إيه لها رأي مختلف).

فورث: التواضع ليس جزءا من جينات محمد بن سلمان، فهو يواصل التحرش بنقاده وسجنهم وكأن جريمة خاشقجي لم تحدث أبدا.

ويقول فورث إن التواضع ليس جزءا من جينات محمد بن سلمان، فهو يواصل التحرش بنقاده وسجنهم وكأن جريمة خاشقجي لم تحدث أبدا. لكنه استطاع التغلب على المؤسسة الدينية ووقف الترويج للأيديولوجية الإسلامية المسمومة، وخفف من القيود على الحياة الثقافية في البلاد مما أكسبه شعبية، وبخاصة بين الشباب. ويرى الكاتب أن فيلم محمد بن سلمان الترويجي لا يعبر فقط عن طموحات الأمير، ذلك أن النزعة التكنولوجية تلقى صدى لدى الكثير من الشباب السعودي، ولا أحد يلومهم على هذا. فقد برزت مدنهم في ليلة وضحاها من بقع غامضة في الصحراء. وراقب أجدادهم مادة لزوجة سوداء تتدفق من بطن الأرض وحولت واحدة من أفقر مناطق العالم إلى واحدة من أغناها، فلماذا لا يصدقون السيارات الطائرة والقمر الصناعي.

استطاع بن سلمان التغلب على المؤسسة الدينية ووقف الترويج للأيديولوجية الإسلامية المسمومة، وخفف من القيود على الحياة الثقافية في البلاد مما أكسبه شعبية، وبخاصة بين الشباب

ويعلق فورث أن الجزء الأخير من الفيديو الذي لا يتجاوز 4 دقائق يقدم صورة عن الطرق المزدحمة والجسور التي تذكر بفيلم “كيونانسيقاتسي” (1988) والذي قدم الحداثة كخيانة للأرض. وبهذه المثابة سينقذ مشروع “ذا لاين” حسب الفيديو الإنسانية من هذا الكابوس وينهي التنقل والتلوث ويحافظ على 90% من الطبيعة حوله.

وما لم يقله الأمير أن هناك ألافا من السكان يعيشون بتوائم مع الطبيعة في نفس المنطقة، مجتمع بدوي يعيش هناك منذ قرون وسيشرد سكانه المشروع. وواحد من أشرطة الفيديو يصور مقاومة أحد أبناء العشيرة للترحيل، وهي أشرطة مختلفة عن شريط بن سلمان. وقد قتل العام الماضي في مواجهة مع الشرطة.

وأي شخص عاش في السعودية سيتعاطف مع المشروع، لأن المدن الحالية قبيحة ومغبرة ويعيش في رجال دين ضيقي التفكير وبيروقراطية فاسدة. ولكن فضاء السعودية حافل بالمشاريع الكبرى الفاشلة. ورد بعض السعوديين على فيلم بن سلمان بتعليقات حارقة وطلبوا منه تحسين ظروف الحياة في المدن والأحياء الموجودة قبل أن يرمي مليارات الدولارات في مشروع خيالي آخر أو “زانداو”. واقترح جمال خاشقجي هذا في مقال مشترك قبل أشهر من مقتله. ويعلق الكاتب هنا على صوت المرأة التي قدمت خلفية صوتية للمشاهد الأخيرة من الفيلم وظهرت فيه السعادة والجبال التي يحيط بها الغيم والوجوه التي ستعيش في المدينة من كل الأجناس، هل ستفكر بالانتقال إلى هذه المدينة الصحراوية البعيدة؟ ولأن تكون عرضة لرقابة 24/7 ونزوات أمير قاتل؟ و”حدسي أنها فعلت ما يفعله الكثيرون ممن يعلمون للسعودية: قرأت التعليق وحصلت على الشيك ثم هربت”.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.