وجود البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم في كتب الانبياء

د محمود السقار

إن وجود البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء من أهم ما أكدت عليه النصوص القرآنية والنبوية، التي أخبرت أنه ما من نبي إلا وذكّر أمته بأمر هذا النبي، وأخذ عليهم في ذلك الميثاق.
وأهل الكتاب يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفتهم بأبنائهم، لكثرة ما حدثهم الأنبياء والكتب عنه صلى الله عليه وسلم ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) الأنعام: 20.
وقد أكد القرآن الكريم على وجود البشارة بنبينا في كتب اليهود والنصارى، فقال ذاكراً بعض صفاته فيها: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )الأعراف: 157.
ورغم ما تعرضت له كتب اليهود والنصارى من التحريف؛ فإنه لم يختف من ثنايا سطورها شهادات صادقة تشهد بالنبوة لنبينا صلى الله عليه وسلم.
منها ما جاء في سفر النبي إشعيا، وهو من أسفار التوراة التي يؤمن بها اليهود والنصارى اليوم، وفيه يتوعد النبي إشعيا بني إسرائيل الذين يحرفون كتاب الله ولا يلتزمون شريعته، يتوعدهم بالنبي صاحب السفر المختوم، النبيِ الذي لا يعرف القراءة، فيقول في الإصحاح التاسع والعشرين: ” أو يُدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف القراءة” (إشعيا 29/10-13).
وهذا النص يسجل اللحظة العظيمة التي ستشهد نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت:.. جاءه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملَك، فقال: اقرأ، فقال: ((ما أنا بقارئ،

وعرف ورقة بن نوفل نبوة النبي بما قرأ في سِفر النبي إشعيا، فقال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك .. لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي، وإنْ يُدركني يومُك حياً أنصرك نصراً مؤزراً. (١)
وأما معرفته بإخراج قريش للنبي صلى الله عليه وسلم ومعاداته، فقد عرفه ورقة من سفر إشعيا أيضاً.
فشهادة ورقة – وهو من علماء أهل الكتاب – دليل ساطع على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الشهادة موثقة معتبرة، فقد استخرجها من كتب أهل الكتاب.
وممن شهد لنبينا بالرسالة من أهل الكتاب النجاشي ملك الحبشة؛ فإنه آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه جعفر بن أبي طالب .
وممن عرف هذا الحق ملكُ الروم هرقل، ويروي لنا أبو سفيان بن حرب خبره.لكنه لم يسلم .

ويروي ابن إسحاق بسنده عن سلمان الفارسي قصة هجرته في البحث عن الحقيقة، عن الدين الحق، فقد كان سلمان مجوسياً من أهل أصبهان .

ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم بشارة النبيين موسى وحبقوق بنبي قدوس طاهر يخرج من بلاد فاران، وهو اسم للحجاز كما سيتبين لنا.

إن أمثال هذه النبوءة الباهرة والشهادة الواضحة دفعت المنصفين من أهل الكتاب إلى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والاعتراف بأنه الرسول الخاتم المبشر به في كتب السابقين.
ومن هؤلاء حَبْرُ اليهود عبدُ الله بن سلام الذي أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد وفد على النبي في يوم هجرته ومقدمه المدينة .

ومن البشارات الكتابية أيضاً بالنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في سفر التكوين المنسوب إلى موسى عليه السلام، أنه خاطب بني إسرائيل: “قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا، أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه..” (التثنية 18 / 17 – 19).
والنص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى عليه السلام، ويذكر صفات هذا النبي، وأولُها أنه من غير بني إسرائيل، فهو ليس من أنفسهم، بل هو من بني إخوتهم، أي أبناء عمومتهم، وعمومة بني إسرائيل هم بنو عيسو بنِ إسحاق، وبنو إسماعيلَ بنِ إبراهيم عليهم السلام.
وهذا النبي من خصائصه أنه مثل لموسى الذي لم يقم في بني إسرائيل نبي مثله كما جاء في سفر التكوين: “ولم يقم بعدُ نبيٌ في إسرائيل مثلُ موسى” (التثنية: 34/10).

وشهد لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم حَبْر عالم من علماء اليهود في المدينة، الحَبرُ ابنُ الهيبان ، وقد جاء من الشام إلى المدينة المنورة حين علم أنها مهاجرُ النبي الخاتَم.
وأما السفر المنسوب إلى النبي حجي فإنه يذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول لبني إسرائيل: “لا تخافوا، لأنه هكذا قال رب الجنود، هي مرة بعد قليل، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأنزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود…”.
ويتحدث السفر عن عظمة بيت جديد من بيوت الله: “مجدُ هذا البيت الأخير يكون أعظمَ من مجد الأول [أي مسجد القدس] قال رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام” (حجي 2/6 – 9).

وقول السِفر عن بيت الله الأخير أي المسجد الحرام: ” وفي هذا المكان أعطي السلام”، أي أعطي الإسلام، فالسلم والإسلام لفظتان اشتقاقهما واحد، وكلاهما اسم يطلق على دين الإسلام، كما قال الله: } يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِلْم كافةً { (البقرة: 208).
قال ابن كثير: “ادخلوا في السلم كافة يعني الإسلام”.
وهكذا تتلألأ الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، إن الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى يذكر النبي باسمه ، وينبؤنا باسم دينه، وعن بيته العظيم الذي يفوق شرفه ومجده بيت الله القديم الذي بناه إسحاق على أرض فلسطين.

[١] رواه البخاري ح (4).

صيد الفوائد

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.